fbpx
حوادث

التهامي بناني … اللغز المحير

مازالت تحت مجهر القضاء ومطالب شعبية بكشف مصير الضحية ومحاكمة المتورطين مهما كانت صفاتهم

هي قضية ليست عادية أسالت الكثير من المداد وأثارت الكثير من اللغط، بعدما تحولت إلى شأن عالمي باعتبارها لغزا محيرا امتد لـ15 سنة.
ملف “اختفاء جثة التهامي بناني” تحول إلى قضية رأي عام، يخوض فيها المغاربة داخل المغرب وخارجه وكذا عدد من الأجانب في مختلف بقاع المعمور، السباق مع الزمن لمعرفة مصير جثته بعد اعتقال المتهمين الذين يتشبثون بأنهم تخلوا عنها بشاطئ واد مرزك، قبل اختفائها، وكذا لكشف ملابسات القضية وهوية جميع المتورطين فيها من منفذين ومتسترين ومتلاعبين بالحقائق ومعرقلين لإحقاق الحق والعدالة.

إنجاز: محمد بها

حياة العلمي الأستاذة ومربية الأجيال بالمحمدية، وأم التهامي بناني الضحية، استحقت لقب “امرأة بألف رجل”، نظرا لنضالها المستميت الذي استمر 15 سنة رغم ما يقاسيه قلبها من فراق فلذة كبدها والعقبات التي اعترضتها حتى تستسلم ولا تصل إلى الحقيقة، قبل أن تنجح بعزيمتها التي لا تضاهى في إثبات شكوكها في المتهمين الذين رافقوا ابنها يوم وقوع الجريمة والتمكن من اعتقال المشتبه فيهم، بعدما نعموا بحريتهم وعيش حياة كريمة دون أن يرف لهم جفن جراء ما ارتكبوه في حق صديقهم وزميلهم في الثانوية.

أم التهامي…امرأة بألف رجل
وكشفت حياة العلمي، والدة الضحية التهامي بناني في تصريح لـ”الصباح”، أن الجلسة المقبلة ستخصص لإجراء مواجهة بين المتهمين الراشدين المتابعين في حالة اعتقال والمتهم القاصر الذي تقررت متابعته في حالة سراح.
وأوضحت المتحدثة نفسها، أن القضية متشعبة نظرا لوجود جهات نافذة تتمتع بنفوذ سلطوي ومالي لحماية المتهمين من المساءلة والإدانة ولعرقلة مجهودات الكشف عن مصير الجثة، مضيفة”أنا عارفة أش كنقول وكنتحمل كامل مسؤوليتي فيما قلت”.

خبرة الهواتف… الفيصل والحكم
شددت حياة، والدة الضحية التهامي بناني، في تصريح لـ”الصباح”، على ضرورة إظهار الحقيقة كاملة بالدليل القاطع، مشيرة إلى أنها تلتمس من القضاء تفعيل الخبرة على هواتف المتهمين باعتبارها الفيصل والحكم في القضية الغامضة، حيث عن طريقها ستبين إن ارتكبوا جريمة القتل في حقه أو تسببوا في وفاته وإخفاء جثته، إضافة إلى أنها ستحدد مكان الجثة المبحوث عنها لسنوات.
وأوضحت حياة العلمي، أن مطالبتها بخبرة الهواتف تأتي بهدف تحديد التموقع الجغرافي للمشتبه فيهم ومضامين ما جرى يوم الواقعة، “باش نعرفوا اش قالوا ولاش مخطين ذاك النهار اللي مات فيه ولدي واختفت فيه الجثة”.
وأشارت الأم المكلومة إلى أنها ترفض متابعة المتهمين بفصول القتل العمد وإغلاق الملف دون تحديد مصير الجثة، مفضلة مواصلة مسطرة الاختفاء للبحث عن ابنها وإظهار مكانه سواء كان حيا أو ميتا.
وكشفت أم بناني أنه في حال عدم التوصل إلى مكان جثة ابنها المفقود أو حقيقة مصيره المجهول، ستواصل نضالها بإجراء خبرات بمجهوداتها الفردية تحت أي صفة فالأهم بالنسبة إليها التوصل إلى الحقيقة كاملة.
ولم يفت الأم حياة، ختم حديثها مع “الصباح”، بالقول “ماباغية نظلم تا واحد باغية غير الحقيقة” وهي تتكلم بصوت يختلط بين الحزن وقوة الأمل الجارف.

أقوال دفاع المتهمين
من جهته، قال المحامي حسن حسون، دفاع متهمين متابعين في حالة اعتقال في قضية اختفاء التهامي بناني، في تصريحات إعلامية، إن القضية ابتدأت حينما خرج المتهمون والضحية الذين تربطهم علاقة صداقة ويدرسون في الثانوية نفسها، في يوم الواقعة لتناول كمية كبيرة من الأقراص المهلوسة، مشيرا إلى أن الضحية استهلك المخدر بشكل كبير، قبل أن يقرر الجميع القيام بنزهة في أنحاء مختلفة بالمحمدية على متن سيارة.
وأضاف المحامي “الضحية حسب ما تضمنته اعترافات المتهمين في المحاضر المنجزة، انتابته هستيريا نتيجة الإفراط في تناول الأقراص المهلوسة، إذ بدأ في الصراخ وارتفعت درجة حرارته، وفي تلك اللحظة قرر أحد الأظناء وهو قاصر الترجل من السيارة، بينما اختار الآخرون البقاء رفقة التهامي بناني، خوفا عليه من التعرض للتوبيخ من قبل عائلته، مفضلين مواصلة التجول على متن السيارة إلى حين استعادته وعيه، وهو ما صادف رؤيته من قبل شقيقه الذي حياه”.
وأضاف المحامي “إن المتهمين قرروا الانتقال إلى منطقة عين الدياب بالبيضاء إلى حين استعادة الضحية وعيه والعودة إلى المحمدية، قبل أن يفاجؤوا وهم بنواحي طماريس أن التهامي لم يعد يتحرك، ما جعلهم يصدمون لخطورة الموقف ليقرروا أمام ارتباكهم التخلص منه بالتخلي عنه”.

وأوضح دفاع المتهمين، أن التخلي عن الضحية هو الخطأ الذي ارتكبه الأظناء ويتحملون تبعاته حاليا، حيث عادوا إلى منازلهم وتكتموا عن الواقعة وكأن شيئا لم يقع.
وكشف المحامي أن تفريغ الخبرة التي أجريت على هواتف المتهمين في 2017، أظهر أن أحد المتهمين أجرى اتصالا بالمتهم الثاني من خارج المحمدية، في حين ادعى أثناء التحقيق معه أنه كان موجودا بمدينة الزهور، ما جعله يقرر الاعتراف للمحققين بحقيقة تورط المتهمين في قضية التخلي عن التهامي بناني بعد وفاته ليتم اعتقال المشتبه فيهم.
وشدد الدفاع على أن موكليه أبرياء في ما يتعلق بالقتل العمد لكنهم مذنبون ويستحقون العقاب في ما ارتكبوه فقط من أفعال تعد جرائم، من بينها عدم تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر بالتخلي عنه وعدم إسعافه، وإهانة الضابطة القضائية ببث تصريحات كاذبة وغيرها من التهم الأخرى.

مصير الجثة… عقدة بلا حل
أين هي جثة التهامي بناني إذا كان قد توفي نتيجة جرعة زائدة من المخدرات؟ خاصة أن المتهمين اعترفوا بوفاته والتخلي عنه، خوفا من المساءلة والاعتقال. سؤال أصبح عقدة بلا حل، بعدما أصبح الجواب عنه بشكل دقيق لإقناع والدة التهامي ووالدته وباقي المشككين داخل المغرب والخارج صعب المنال.
وجوابا عن هذا السؤال أوضح حسن حسون دفاع المتهمين أن الأبحاث والتحريات خلصت إلى أن مصالح الدرك الملكي اكتشفت فعلا جثة متحللة بالغابة المذكورة في تصريحات المتهمين، وتحديدا بتاريخ 3 أبريل 2007، أي بعد أكثر من أسبوعين تقريبا من تاريخ اختفاء التهامي بناني. وتم نقل الجثة إلى مركز الطب الشرعي الرحمة بضواحي البيضاء.
وأضاف الدفاع، أن المسؤولة عن مركز الطب الشرعي سلمت محققي الفرقة الوطنية حينها صورا للجثة ولحالتها ساعة اكتشافها، وهي الصور الفوتوغرافية التي تؤكد محاضر القضية أنها عُرضت على والدة الضحية وشقيقه، اللذين أكدا أنها للضحية التهامي بناني، بسبب تطابق الملابس والحذاء مع ما كان يرتديه الضحية قبيل اختفائه.

وأضاف المحامي أن الإقرارات نفسها، هي التي أدلى بها المتهمون الثلاثة بعد عرض صور الجثة عليهم.
وتعليقا على خرجة دفاع المتهمين، لا بد من التأكيد على أن اللغز الذي مازال قائما، يتمثل في مكان الجثة، التي تشير محاضر الفرقة الوطنية إلى أن عائلة الضحية والمتهمين الثلاثة تعرفوا على صورها المؤرشفة في مركز الطب الشرعي.
ورغم المجهودات التي قامت بها عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بأخذ عينات من الحمض النووي الخاص بوالدة الضحية التهامي بناني وشقيقه بغرض إحالتها على مصالح الدرك الملكي، على أمل مطابقتها مع العينات المأخوذة من الجثة التي تم اكتشافها في أبريل 2007 بواد مرزك، في منطقة تابعة لنفوذ الدرك الملكي، إلا أن جواب مختبر التحليلات الجينية، أوضح أنه يتعذر تحديد الحمض النووي للجثة، التي تم اكتشافها في 2007، بسبب حالة التحلل والتفسخ الكامل الذي وجدت عليه حينها.

أسئلة حارقة
من بين الأسئلة الحارقة التي يطرحها الرأي العام وعائلة الضحية إذا كانت الجثة التي عثر عليها في 2007 تخص التهامي بناني وأن هناك تقرير يخص جثته، فأين هي هذه الجثة ولماذا لم يعثر عليها لحد الساعة ولماذا لا ينطبق الحمض النووي الذي يخصها مع والدته وشقيقه؟.
لماذا لا يأمر القضاء باستخراج الجثث الخمس المجهولة الهوية التي يشتبه في أن واحدة منها للتهامي بناني، وإخضاع عظامها لخبرة وفق آخر التطورات العلمية، حتى يتم التعرف على الجثة الحقيقية للشخص المختفي.
في الوقت الذي وجدت فيه الجثة المتحللة أي بعد أسبوعين من اختفاء التهامي، لماذا لم يتم استدعاء الأم للتحقق منها، خاصة أنها سجلت شكاية باختفاء ابنها؟.
لماذا هناك رفض لمطالب إخضاع هواتف المتهمين للخبرة وفق آخر التطورات العلمية؟ باعتبار أن الخبرة التي أجريت خلال التحقيقات الأولية لم تكن تتيح حينها إمكانية الاستماع إلى مضامين مكالمات المشتبه فيهم حتى تكشف الحقيقة كاملة.
أين هي صفاء؟ الشاهدة التي كشفت لأم التهامي بناني، أن ابنها قتل وأحرقت جثته ثم رميت في عرض البحر لإتلاف معالم الجريمة من قبل المتورطين في واقعة تصفيته، بعد تناوله جرعة زائدة من المخدرات.
لماذا لا يتم الاستماع إلى صاحبة عيد الميلاد الذي حضره الضحية والمتهمون، وباقي المدعوين وجميع من كان يشرف على الملف، بعد اتهام الأم لرفاقه بأنهم وراء اختفائه؟.

القضية تلهب رواد العالم الافتراضي
لم يكن تفجر ملف التلميذ التهامي بناني، وإعادة إحيائها لتصير قضية رأي عام على الصعيد الوطني والدولي، لولا نضال والدته حياة العلمي، ليمر مرور الكرم بالفضاء الأزرق، حيث أصبح اسم الشاب الضحية يتصدر “تريند” بمواقع التواصل الاجتماعي.
ولأن مواقع التواصل الاجتماعي تعتبر فضاء للحرية والتعبير، وتحولت في عز الأزمات إلى برلمان شعبي يترافع فيها نشطاء العالم الافتراضي عن كبريات القضايا، أصبحت قضية التهامي بناني الشغل الشاغل لشباب وفئات اجتماعية من مختلف الأعمار والأجناس.
«الحقيقة ستظهر لا محالة والتهامي سيظل شبحا يلاحق المتهمين، وتعياو ما تخبيو الحقيقة غادي تبان تبان لأن الحق سيهزم الباطل مهما طال الزمن»، تدوينة علق بواسطتها أحد النشطاء على تصريحات أم الضحية، مشددا على أنه يتضامن معها قلبا وقالبا، باعتبارها صاحبة الحق المهضوم. اعترافات المتهمين بواقعة اختفاء وموت الشاب التهامي بناني وعدم التبليغ عن مكان جثته، وتأكيدهم أن وفاته نتيجة جرعة زائدة من المخدرات جعلهم يقررون التخلص من الجثة بمنطقة رملية محاذية للغابة المطلة على شاطئ واد مرزك، ليعودوا بعد ذلك أدراجهم إلى المحمدية، والتمويه على المحققين نتيجة الخوف من مواجهة تهمة القتل التي لم يرتكبوها، يمكن اعتبارها حقائق غير مكتملة مادام مصير الجثة غير معروف، يقول حسن، تلميذ بالرباط.
«واعباد الله قضية التهامي بناني غامضة وفيها معطيات متناقضة باش ماتبانش الحقيقة”، صرخة عبرت عنها إحدى الأمهات على حسابها الفيسبوكي، مشيرة إلى أن هناك من يحاول عرقلة التحقيقات للتمويه والتلاعب بالأدلة، حتى يبقى الجناة بعيدين عن المساءلة والإدانة.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى