إساءة التقدير وتقديس المحاضر

المحامي العبودي: الضابطة القضائية توسعت في تفسير حالاتها الحصرية وورطت القضاء من أبرز المواضيع التي تثير جدالا قانونيا بين الدفاع والنيابة العامة خلال الجلسات، حالة التلبس، ففي الوقت الذي يؤكد فيه الدفاع أنها جاءت في إطار الحصر في قانون المسطرة الجنائية ويطعن في محاضر الضابطة القضائية لأنها أساءت تقدير وجود التلبس من عدمه، غالبا ما تساير هيأة الحكم موقف النيابة العامة وتتمسك بمضامين المحاضر القانونية، وتدين المتهم بعقوبة غير متوقعة. قبل التطرق إلى بعض الإشكالات التي تطرحها حالة التلبس، يقدم مراد العبودي، محام بهيأة الرباط تعريفا لها، إذ هي وصف قانوني يلحق الجريمة، ويتعلق بطريقة اكتشافها ومعاينتها، فالجريمة العادية لا تختلف عن الجريمة المتلبس بها، لا من حيث الأركان والجزاء، وإنما تختلف الجريمة المتلبس بها من حيث طريقة اكتشافها وضبطها، فهي حالة مثالية لجمع الأدلة وإثبات الأفعال الإجرامية المرتكبة لتسهيل البحث التمهيدي، الذي تجريه الضابطة القضائية. وأكد العبودي أن المشرع حدد حالتها على سبيل الحصر في المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية، وهي إذا ضبط الفاعل أثناء ارتكابه الجريمة أو إثر ارتكابها، وإذ كان الفاعل ما زال مطاردا بصياح الجمهور إثر ارتكابها، وإذا وجد الفاعل بعد مرور وقت قصير على ارتكاب الفعل، حاملا أسلحة أو أشياء يستدل معها أنه قام أو شارك في الفعل الإجرامي أو وجد عليه أثر أو علامة تثبت هذه المشاركة. كما يعد بمثابة تلبس بجنحة أو جناية، يضيف المحامي، ارتكاب جريمة داخل المنزل في ظروف غير الظروف المنصوص عليها في الفقرات السابقة، إذا التمس مالك أو ساكن المنزل من النيابة العامة أو ضابطة الشرطة القضائية معاينتها، مشددا على أن حالة التلبس تتعلق فقط بالجنايات والجنح، ولا تسري على المخالفات. إلا أن الإشكالات التي تطرحها حالة التلبس، من وجهة نظر العبودي، هو التوسع في تفسير النص، من قبل الضابطة القضائية في تطبيقه في الواقع، إذ رغم أن النص قد حدد حالاتها على سبيل الحصر، نجد في مناسبات، أن مرتكب الفعل الجرمي لم يكن ضمن هذه الحالات المنصوص عليها حصرا، ورغم ذلك توصف وضعية الجريمة أنها حالة التلبس، ومن الأمثلة الشائعة على ذلك، يؤكد المحامي، عندما يقوم شرطي بتفتيش أحد الموقوفين وقائيا فيعثر بحوزته على كمية من المخدرات بالصدفة، ويقوم بتحرير محضر على أساس أنه ضبط في حالة تلبس بجريمة الاتجار في المخدرات، رغم أن الشرطي استنتج ذلك من مجرد الكمية التي ضبطت بحوزة المعني بالأمر، وهذا لا يجوز قانونا، يوضح العبودي، لأن حالة التلبس هي وصف دقيق للوضعية التي يكون فيها المتهم ولا يمكن استنتاجها من أي جهة. ومن جهة أخرى، فإن صفة الشرطي الذي يعاين حالة التلبس تطرح إشكالا آخر، إذ حسب المتحدث، أن المشرع استوجب فيه تمتعه بالصفة الضبطية، وهو ما لا يحترم في أغلب الأحيان، إذ يكفي أن يضبط أحد المجرمين من قبل عناصر الشرطة، وفي حالات من قبل مواطنين لحظة محاولة ارتكاب الجريمة، ويفاجأ دفاعه أن الصفة المتصف بها في المحضر، هي حالة التلبس. كما حمل المحامي مسؤولية كبيرة أيضا إلى القضاء، في عدم احترام حالة التلبس، لأنه كما هو معروف، حسب قوله، فالقضاء نادرا ما يستجيب للدفوع الشكلية، ومن ضمنها الدفع بانعدام حالة التلبس، وغالبا ما يضمها للجوهر، ويصدر فيها حكما بالإدانة بعد رد الدفع بانعدام حالة التلبس تحت ذريعة عدم الإفلات من العقاب والثقة التي تحظى بها محاضر الضابطة القضائية، الأمر الذي يجعل حالة التلبس خاضعة لتقدير الضابطة القضائية أكثر من خضوعها لتقدير القضاء، ما يطرح إشكال التوجيه والتأثير على أحكامه، من قبل الضابطة القضائية بواسطة المحاضر التي تنجزها، رغم أنها يجب أن تخضع للسلطة التقديرية للمحكمة، في إطار احترام قرينة البراءة والقناعة الوجدانية للقاضي. مصطفى لطفي

إساءة التقدير وتقديس المحاضر

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

رأي: الرشوة... النفق المظلم

حالة التلبس ... الكمائن ليست دائما حلا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات