المشروع انتصر لعدم نشر أسماء القضاة المعزولين

محمد الخضراوي قال إن المقاربة التشاركية في بلادنا لم تعد "منحة" وإنما منهج عمل منصوص عليه دستوريا لا بد لكل متتبع موضوعي أن يسجل أن القضاة المغاربة من خلال الودادية الحسنية كانوا دائما يساهمون بكل ايجابية ومسؤولية وحس مواطني عميق في كل المحطات الأساسية من أجل تكريس سيادة القانون وبناء المؤسسات وضمان كرامة القضاة وهيبة القضاء، واكتفي هنا بالتذكير بمحطة 2009 التي بادرنا فيها الى وضع مدونة للقيم القضائية نالت اشعاعا عالميا، ثم حراكنا النضالي عند مناقشة مقتضيات دستور يوليوز 2011، والآن انخراطنا الجاد في آليات الحوار الوطني لاصلاح منظومة العدالة. وهو منهج سلوك نروم من خلاله بعث حرارة الثقة في الفعل القضائي وتأكيد أن الارتقاء بالقضاء سلطة مستقلة هو رسالتنا وأمانة تطوق اعناقنا حماية لحقوق الاجيال القادمة.ومن هذا المنطق فإننا واعون بأن الحوار الوطني رغم كل ايجابياته لا يمكن إلا أن يكون أرضية وحلقة ضمن صيرورة مشروع مجتمعي كبير وأن المسار طويل وشاق يعتمد في تنزل مقتضياته على الضمير المسؤول واستمرار آليات التعاون وثقافة الحوار بين كافة السلط والفاعلين.ولهذا المنطق كنا نطالب دائما بضرورة الاسراع باصدار النصوص التنظيمية المتعلقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة على اعتبار أنها المرتكزات الأساسية التي سنجتاز بها مرحلة اختبار النوايا ونؤشر على مستقبل العدالة بمنسوب ثقة كبير ونعبر فيها عن قدرتنا على تنزيل الدستور نصا وروحا.وفي هذا السياق فإننا اليوم نجد انفسنا أمام "سنة الحسم" من خلال المناقشة والمصادقة على هذين القانونين المحوريين التي مدتنا وزارة العدل بنسخ من مشروعيهما لنقدم اقتراحاتنا بخصوصها، وهنا لابد أن نسجل ارتياحنا لمجموعة من المقتضيات الايجابية والتي كانت دائما من ضمن مطالبنا وأدبياتنا كجمعية مهنية رائدة، مثل عدم جواز نشر أسماء القضاة الذين صدرت في حقهم عقوبات تأديبية تصل إلى درجة العزل لكن الأمانة الفكرية تقتضي منا أيضا أن نثير مجموعة من الملاحظات العامة دون الدخول في تفاصيل وجزئيات هذه المشاريع:الملاحظة الأولى: من الناحية المنهجية تقتضي القول إن المقاربة التشاركية في بلادنا لم تعد "منحة"، وإنما منهج عمل منصوص عليه دستوريا، ومن ثمة فإن التساؤل البسيط المطروح الآن هو مدى كفاية هذه الأسابيع الثلاث لتقدم الجمعيات المهنية بكل هياكلها الجهوية والمركزية رأيا موضوعيا وتصورا شموليا بخصوص نصوص تهم قضايا شائكة ذات راهنية استغرق اعدادها مدة طويلة. لماذا هذا التأخير في "منح" الجمعيات فرصة ابداء الرأي الى غاية 26 أكتوبر والحال انها تم انهاء صياغة هذه المشاريع منذ 9 أكتوبر؟أعتقد أن المهلة الممنوحة كيفما كانت المبررات أو الإكراهات تبقى غير كافية بتاتا للقولإننا أمام مقاربة تشاركية بمفهوم وروح دستور 2011، التي تقتضي أيضا متابعة مآل ما سنقترحه من تعديلات وإضافات وتوضيحات وهي كثيرة، وإلا ما الجدوى منها أصلا؟ ألم يكن من الملائم تشكيل لجنة قبلية للإعداد أو على الأقل الآن تكون بعدية لمناقشة وتتبع ما سيقترحه القضاة بخصوص نصوص مصيرية وحاسمة في مساراتهم الفردية والجمعوية؟ الملاحظة الثانية وتتجلى في السؤال الكبير الذي يطرح نفسه عند قراءة هذين المشروعين، وهو أين هي السلطة القضائية المستقلة هل يمكن تلخيصها فقط في المجلس الأعلى للسلطة القضائية؟ أعتقد أن هناك مناطق رمادية كثيرة تعبر عنها بوضوح مقتضيات مواد مثل 47 و48 و49 و56 التي جعلت الأمر مشتركا من خلال ما أسمته "بآلية التنسيق في مجمل شؤون منظومة العدالة تعمل تحت إشراف كل من الرئيس المنتدب ووزير العدل"؟ليست هناك حدود واضحة ومقتضيات دقيقة تبرز هذه السلطة القضائية وتعطي تصورا متكاملا عنها.ثم كيف يمكننا القول إن المرجعيات الدولية والتراكمات الوطنية قد تم احترامها، والحال انه تم اختيار التحجير على الاستقلال المادي للقضاة في بعديه الفردي والمواساتي والذي جعل من المجلس الأعلى مجرد آلية للضمانات وليس سلطة للتسيير. وهنا لا أحتاج إلى التذكير أن خبراء لجنة فينزيا عندما اصدروا توصياتهم سنة 2010، بخصوص استقلال القضاء في أوربا أكدوا على الدول حديثة العهد بالديمقراطية )منها المغرب) لا بد لها من ضوابط واضحة تفصل بين السلط وتحدد مجالات عملها إلى أن تترسخ ثقافة الاستقلال داخل المجتمع، وهو ما نحتاجه الآن لتكتمل صورة النموذج المغربي الذي أكد عليه جلالته في عدد من خطبه السامية.الملاحظة الثالثة: وتتجلى في تمظهرات لتخوف كبير وعدم ثقة في القضاة وأدائهم المهني إذ أن أطول مادة في هذا المشروع هي المادة 96 التي تضمنت اثني عشر بندا كلها التزامات وواجبات بصيغ عامة تحتمل الكثير من التأويلات التي من شأنها الانتقاص من الضمانات، وستبقى سيفا مسلطا على رقاب القضاة، وأكتفي هنا بالإشارة إلى البند الأول من هذه المادة الذي يفرض على القاضي ضمان استقلاله الفردي وحتى المؤسساتي تجاه الغير!ثم لماذا مثلا تم إقحام مؤسسة "المسير الإداري" المعين من طرف وزارة العدل ليكون إلى جانب المسؤول القضائي؟ ألم تتضمن توصيات الميثاق أن هؤلاء المسؤولين سيخضعون لتكوين في الإدارة القضائية؟ أليس من شروط انتقائهم أصلا أن تتوفر فيهم هذه المؤهلات؟ ألن تشكل التقارير التي سترفعها وزارة العدل بخصوص تسيير المسؤولين القضائيين مساسا باستقلالهم؟ عدالة بضمانات أكثر وثقة أكبر النظام التحفيزي والمجال الحقوقي المخول للقضاة ليس بالنظرة نفسها والمقاربة الإصلاحية التي عرفها نظام الواجبات والالتزامات والقيود، المفروضة عليهم كما تبقى المقتضيات المحددة للنشاط الجمعوي وشروطه من المواضيع التي ستطرح العديد من التساؤلات حول مدى انسجامها مع الدستور والمواثيق العالمية والتجارب الدولية وقد تعزز ، بالنظر للطريقة العمودية في وضعها، حالات صدامية واجواء من عدم الثقة لدى الجميع.لهذا اعتقد بضرورة اعطاء فرصة حقيقية للحوار والتشارك حتى لا نخطئ الانطلاقة، والأكيد أن من أكبر حسنات هذا الحراك أنه خول للجمعيات المهنية القضاة فرصة للم الشمل، وأرجو أن تكون بداية التعاون جادة من خلال آليات تنسيق مستمرة بما يخدم مسار العدالة ببلادنا، عدالة بضمانات أكثر وثقة أكبر.

المشروع انتصر لعدم نشر أسماء القضاة المعزولين

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الوازاني: ميثاق الإصلاح لا يعنينا

ودرا: المحامون الحلقة الأساسية في كل إصلاح

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات