لحظة الاختيار

لن يجادل أحد، بعد اليوم، في أن المغاربة يتوقون إلى التغيير ويبعثون رسائل في جميع الاتجاهات، بأنهم تعبوا من الأشياء نفسها التي تتكرر بالطريقة ذاتها، في العشر سنوات الماضية. فما رأيناه في الحملة الانتخابية من تعبئة ومشاركة نوعية للأطر العليا والشباب والكفاءات في جميع المجالات والقطاعات، والطلبة والنساء وفاعلين في المجتمع المدني والناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، يؤكد حقيقة واحدة: هي أن مغرب 2021 لن يكون ما قبله. لقد وصل المغاربة إلى قناعة أساسية، مفادها أنه لا فرق بين حزب وآخر، إلا بما سيقدمه من أفكار وحلول وبرامج عقلانية ومرقمة وممولة بشكل جيد، تستجيب إلى التطلعات والأولويات وتلبي الانتظارات المعلقة. لقد ولى زمن الكذب والبهتان، وزمن الشعارات "الفضفاضة" وخلط السياسة بالدين والدين بالسلطة والمال، وحل محلهما خطاب واقعي يسمي الأشياء بمسمياتها، ويضع المشكل في خانة، وأمامه الحل في خانة ثانية، والحل مقترن بأجندة تنفيذ في الزمان والمكان، وفي خانة ثالثة يضع مصادر التمويل بشكل شفاف وواضح. إن التغيير ليس شعارا، أو خطبة عصماء من فوق منبر، أو وراء ميكرفون مهرجان. إنه حديث الوضوح إلى الناس بالأشياء التي يفهمونها دون لف، أو دوران، أو بمعنى أصح إنه برنامج عمل يحدد الأهداف والمحاور والمشاريع والتمويل في المجالات التي تهم المواطنين وترقى بإطار عيشهم، وتوفر لهم تشريعات وقوانين اجتماعية منصفة، وتنزل مخططات في الجهات والأقاليم والمدن، تجعل من الإنسان محورا للتنمية والنمو. فلا يمكن أن يتقبل منك مواطن، في الوقت الراهن، شعارا يتحدث عن محاربة الفساد، وآخر عن الإصلاح، وثالث عن "المغرب الذي نريد"، لأنها لا تعني له أي شيء، ويعتبرها مجرد كلام فارغ، لن يسد رمق جائع، ولن يوفر شغلا لعاطل، ومقعد تعليم في قرية نائية، أو يشق مسلكا وسط منعرج جبلي، ولن يوفر سريرا لمريض في مستشفى، أو يغلق ثقبا تتسرب منه "القطرة" داخل "براكة" في دوار عشوائي. فمن لا يعرف هذه التفاصيل الصغيرة التي تهم المواطن في حياته اليومية ويستمع لنبضه ويتفاعل معه في كل الأوقات، لا يستحق أن يكون ممثلا له غدا في مجلس النواب، أو في جماعة حضرية، وقروية، أو مجلس عمالة أو جهة، وهذه مسؤولية ملقاة على عاتق الناخب من أجل حسن الاختيار. إن الانتخابات ليست ترفا، أو لعبة تتم كل خمس سنوات، بل مصير يحدده المواطنون لحظة اختلائهم بأنفسهم في مخادع التصويت. فإما أن نختار التغيير، ونصوت على الأشخاص الذين اقتنعنا فعلا أنهم يستحقون أصواتنا، ومستعدون للدفاع عن مطالبنا وإيجاد حلول لمشاكلنا، ورفع الإكراهات التي زادتها أزمة "كوفيد 19" صعوبة، أو نختار البقاء في المكان نفسه، بكل التبعات والانتكاسات وهدر مزيد من الفرص والسنوات. لكل ذلك، تشكل المشاركة المكثفة للمواطنين في عملية الاقتراع محددا أساسيا، إذ لا يمكن الحديث عن أي تغيير في ظل حكم القيمة المسبق من صناديق التصويت، وفي ظل تكريس العزوف الذي لم يخدم في الأخير سوى أجندة أنصار الجمود. إن المغرب يوجد في مفترق طرق أكثر من أي مرحلة سابقة: فإما أن نتحمل المسؤولية جميعا في الانتقال إلى الضفة الأخرى، أو نعيد الأخطاء نفسها التي لن تسير بنا سوى إلى الهاوية.

إدانة عصابة لسرقة النحاس

خليفة: سأعيد الفتح إلى سكته الصحيحة

مقالات ذات صلة