عبد العزيز الطاهري... أيقونة المسرح والمجموعات الغنائية، إذ شهد تأسيس أشهر فرقة في تاريخ المغرب "ناس الغيوان" وساهم فيه، والتحق في 1974 بجيل جيلالة... كتب أجمل أغاني المجموعتين...، لكن تواضعه يجعله يفضل الصمت. هو ممثل مسرحي لمع في بطولة مسرحية "الحراز" في 1968، واشتغل في تجربة فرقة "مسرح اليوم"، مع الراحلة ثريا جبران، التي نشرت أعمال الطاهري الشعرية في ديوان استثنائي صدر في 2009، هذا إلى جانب اهتمامه بفنون "الحلقة" و"الحضرة" و«"الرباعيات"، وحفظه للتراث الشعري الصوفي والديني، ليبقى مولاي عبد العزيز الطاهري ديوان المغاربة وذاكرتهم الشعرية الشعبية الحية.في السلسلة التالية يفتح الطاهري قلبه لقراء "الصباح" ليروي جزءا من ذاكرته الغنية، بدءا من طفولته في دروب مراكش، وعلاقته برواد المسرح إلى تفاصيل علاقاته ببعض الفنانين. الحلقة الأخيرة "ولادة" ناس الغيوان والانسحاب منها تعددت الظروف لإعلان الالتحاق بـ "جيل جيلالة" لانطلاق إبداع جديد في بداية 1971، اتفق الأصدقاء الثلاثة، عبد العزيز الطاهري والطيب الصديقي وحميد الزوغي، على إنتاج أعمال مسرحية في "كافي تياتر"، تعتمد على أغاني المسرحيات، فانطلق النبش في أرشيف مسرحيات قديمة، وأخرى حديثة، مثل مسرحية "الحراز"، إضافة إلى أعمال الطيب لعلج. كان إصرار الثلاثة كبيرا، إذ تم إصلاح فضاء "كافي تياتر"، إضافة إلى اقتناء ملابس المسرحيات التي تبدعها مريا الصديقي، ثم بدأ المثقفون والأدباء والشعراء والفنانون يقصدون فضاء "كافي تياتر"، ورغم مدة التجربة القصيرة، إلا أنها شكلت تحولا كبيرا في المشهد الفني. في صيف السنة نفسها تكلف علي القادري، صهر الطيب الصديقي، بتنظيم حفلات بالمسرح البلدي حضرها أفراد الجالية المغربية في الخارج، وفي مرحلة لاحقة تم تنظيم حفلات بالفنادق الفخمة بمشاركة عبد القادر مطاع و"دانيل غيشار"، وأحمد السنوسي، وآخرين، وحين الانتهاء من العروض يتجه الجميع إلى منزل الراحل عبد الجليل بنكيران الذي كان بمثابة صالون أدبي. وصادف أن التقى الطاهري في منزل بنكيران بالطيب الجامعي، الذي يملك مؤسسة للدعاية الفنية، فاقترح عليه الأعمال التي يمكن تسجيلها واستثمارها في مشاريع فنية، وكان الجامعي يتميز بروح الإبداع للتعريف والدعاية للأعمال المغربية التي تراعي خصوصية المغاربة وتقاليدهم. وتطورت الفكرة لتأسيس مجموعة تعرض أعمالها مباشرة على الجمهور، وعدم الاقتصار على الحفلات الخاصة، وانهمك الجميع في البحث في "الريبرتوار" عن الأغاني التي من شأنها أن تجذب الجمهور. وبما أن أغلب الفنانين الأصدقاء مهتمون بالقضايا العربية والاجتماعية، ناهيك عن الأوضاع السياسية، في تلك الفترة، خاصة حملة القمع والاستبداد والبيروقراطية، فقد أجمعوا على البحث عن النصوص المخالفة لمواضيع الأغنية السائدة، وأن تتوفر على حس وطني واجتماعي، وتعتمد لغة الاحتجاج، واستنكار التهميش والإقصاء. اتفق الأصدقاء على "الدراويش الجدد" اسما للمجموعة الغنائية، وشرعت في تنظيم عروض بمقر الاتحاد المغربي للشغل لفائدة العمال في عيدهم العالمي، وجمعيات المحامين إضافة إلى الطلبة. ألح عبد الصمد الكنفاوي على أفراد المجموعة المشاركة في المهرجان العربي للشباب بالجزائر، فسافر الجميع، مع شخصيات لامعة في النقابات وبعض الشباب، إلى الجارة الشرقية، واستغرقت مدة مكوثهم أسبوعين خصصوها للبحث عن اسم آخر للمجموعة. في إحدى الليالي كان الطاهري والطيب الجامعي وبوجميع في خلوتهم يتناقشون ويغنون، فغنى الطاهري قصيدة "الكاوي" لصاحبها الشيخ بوعزة الدريبكي، ومنها أبيات: هذا حَالي مع الهْوَى مَنْ صَغـْرِي مَوْلـُوعْ بَالغـْوَالي اتـْرَوَّعْ سَاكـْني وَنـْطـَقْ مَنْ غيرْ اسْوالـُو وِلـَى نَجْبَرْ هَلْ الفـَنّْ بْحالِي يَسْتـَحْسْنـُو اقـْوَالي يَبْكيوْ عْلـَى ابْكـَايْ نـَاسْ الغيوَانْ يْسَالـُو أثارت كلمة "ناس الغيوان" في القصيدة اهتمام الحاضرين، ولم يغادر الجميع السهرة، حتى اتفقوا على إعلان مجموعة "ناس الغيوان"، ثم انطلقت تجربة غنية، يحرص الطاهري على أن لها حمولتها الثقافية والفكرية، رافضا شخصنة الفكرة أو الكلمات. ولأن لكل تجربة نهاية، فقد تعددت الظروف لإعلان الطاهري الانسحاب من المجموعة والالتحاق بجيل جيلالة، وهي الأحداث التي يلخصها بقوله: "أعلن بجلاء وجهر بأننا كنا شبابا أصابنا النجاح في مقتل، وبحكم السن، فقد كان هناك طيش ونزق وبعض الغرور لا يرتبط بالأشخاص، بل بالنجومية المتفاوتة داخل المجموعات، فهناك من اكتسب شهرة، سواء بصوته أو لطافته، ما أدى إلى نوع من التباعد بين أفراد المجموعة، فأصابت نقمة المجموعة، إذ كان من الممكن أن يحدث تشرذم وانشطارية بفعل الحسد والغل... والخلاصة أننا لم نستطع تدبير اختلافات بيننا... وأشكر الأقدار التي جعلتني أنسحب من السيئ، مفضلا الانعزال". توجه الطاهري إلى مراكش، مانحا نفسه، فترة للتأمل، رغم أن تجربته كانت تسمح له بتأسيس أكثر من مجموعة غنائية، لكنه، فوجئ بصديق له عضو بمجموعة جيل جيلالة، يخاطبه قائلا: "مكان الطاهري الطبيعي وسط جيل جيلالة"، فانطلقت تجربة أخرى بإبداع آخر. خالد العطاوي