السيادة الصحية

ليس حشوا استعمال هذا المصطلح الدقيق في البلاغ، الصادر عن الديوان الملكي عقب التوقيع على ثلاث اتفاقيات دولية للتعاون وتعزيز قدرات المغرب في مجال تصنيع وتصدير اللقاحــات، المضــادة لـ "كوفيد 19". فقليل من انتبه إلى أن قرار الشروع في إنتاج خمسة ملايين جرعة في الشهر، لم يكن هدفا في حد ذاته، بل آلية فقط، من الآليات الأربع المتعارف عليها دوليا لتعزيز الأمن الصحي، أو السيادة الصحية، ونعني توفير سلاسل التوريد والتصنيع، التي ينبغي أن تكون مرنة ومتدفقة ولها بدائل متنوعة ومستقلة خارج تحكم الكيانات والدول الكبرى. ويضاف إلى آلية مرونة واستقلالية سلاسل التوريد والتصنيع، إرساء أنظمة للإنذار المبكر للسيطرة على التهديدات العابرة للحدود، المهددة للصحة العمومية، ثم تعزيز البنية التحتية العلمية، من خلال برامج البحث العلمي والتطوير الطبي في مجال الصناعات الصحية والدوائية، ورابعا، وأخيرا، تقوية الأمن السيبراني والتكنولوجي عبر برامج وسياسات لحماية البيانات الطبية والصحية والعلمية. إنها بنود خارطة الطريق لسيادة صحية وطنية خطط لها المغرب، منذ سنوات، وجاءت أزمة "كوفيد 19"، في بداية 2020، لإعطاء دفعة لهذا المشروع الإستراتيجي، الذي يشرف عليه جلالة الملك شخصيا، ويعتبره من أولويات حماية الوطن من الأخطار المحدقة به. لقد أعطى جلالة الملك، منذ البداية، في إطار الوظائف الإستراتيجية الكبرى التي متعه بها الدستور، الأمر بإرساء أمن صحي وطني مستقل، وتابع عن كثب التدابير الحكومية في تعزيز صناعة صحية محلية تلبي الحاجيات الضرورية للمغاربة وتحقق الاكتفاء الذاتي، خصوصا في المواد الطبية سريعة الاستهلاك، أو ذات الاستعمال الواحد، التي كان المغرب يشكو من نقص كبير فيها. ومنذ انطلاق تجارب اختراع لقاح مضاد لـ "كوفيد 19" في أمريكا وبريطانيا والصين، سارع المغرب للبحث عن موقع قدم في هذا المجال، إذ كان سباقا إلى الاتصال بالحكومة الصينية من أعلى مستويات القرار السياسي، والتوقيع بالأحرف الأولى للاستفادة من منصة إنتاج، هي الأولى في الاتحاد المغاربي وإفريقيا وجنوب أوربا. وفرض المغرب نفسه من خلال مبادراته المختلفة والمتنوعة، شريكا إستراتيجيا للكل، ونأى بنفسه عن الاصطفافات الدولية، ومنطق "العشيرة" في العلاقات الدبلوماسية، مغلبا المصلحة العليا للمغاربة على أي شيء آخر، وحين كان مضطرا للضرب بيد من حديد على كل من تجرأ على السيادة المغربية، فعل دون تردد. وفهم المغرب، في كل هذا المسار الشاق، أن السيادة الوطنية لا تكتمل إلا بوجود ثلاثة عناصر أساسية: - استحضارٌ للعمق الإستراتيجي الإفريقي للمغرب، ومركزية تعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية إلى أبعد الحدود، في إطار معادلة "رابح- رابح". - تقوية الشراكة "عام-خاص"، من خلال تعاون الاستثمار العمومي والقطاع الخاص الصحي والمجموعة المهنية لبنوك المغرب في توفير بنية قارة لتمويل وتتبع الإنتاج الموجه جزء منه للتصدير. -تثمين الكفاءات المغربية العليا في المغرب وخارجه، عبر منح الكلمة للعلم والخبرة والعلاقات الدولية، وتوجيه رسائل مشفرة إلى الجميع، مفادها أن "حتى حنا عندنا وليداتنا النوابغ". هكذا، سنضمن الانخراط في العصر والعالم من موقع قوة، في عالم لا يقبل بالضعفاء والمتخاذلين و"الحساد".

السيادة الصحية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

صعقة كهربائية تقتل أما بكرسيف

تحاليل "كورونا" تجر مسؤولا للتحقيق

مقالات ذات صلة