هيأة مستقلة

حين يقبل زعماء أحزاب سياسية الجلوس إلى طاولة واحدة مع وزير الداخلية، ويقول لهم إنه من سيشرف على انتخاباتهم المقبلة من "طقطق للسلام عليكم"، ولا ينبسون ببنت شفة، فانتظر الساعة. إن الاجتماع الذي احتضنته وزارة الداخلية، الثلاثاء الماضي، وترأسه وزير الداخلية وحضره الأمناء العامون للأحزاب، أكبر إهانة للمسار الديمقراطي والسياسي، الذي دخله المغرب في السنوات الأخيرة، ويعطي صورة واضحة عن نوعية الأحزاب، التي تريد تمثيل المغاربة في المؤسسات المنتخبة، وفكرة حول نظرة أم الوزارات لهذه الأحزاب. لقد حضر الأمناء العامون "حفل" تنصيب اللجنة المركزية للإشراف على الانتخابات، التي تضم وزير الداخلية ورئيس النيابة العامة، ثم اللجان الجهوية والإقليمية، التي تضم ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم والوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك، دون أن يجرؤ أحد على تذكير وزير الداخلية بأنه عضو كامل العضوية في الحكومة المنتهية ولايتها، ومسؤول عن تجربة سابقة في التدبير الحكومي، ومن المفروض أن يعود إلى الوراء، في انتظار الحُكم الذي سيصدره الشعب في حقه عبر صناديق الاقتراع. كما لم يتحدث أحد من الأمناء العامين، ويقول "إن هذا منكر"، وهو أضعف الإيمان، لأنه لا يمكن لوزير الداخلية أن يكون متهما وقاضيا في الوقت نفسه، أو لاعبا وحكما، وإلا اختلت الموازين. فما معنى أن تشرف حكومة على انتخابات، في شخص وزير داخليتها، ثم تطلب من المواطنين التوجه إلى صناديق الاقتراع في شتنبر المقبل، من أجل محاسبتها على خمس سنوات من التدبير؟ وما معنى قبول أمناء الأحزاب أن يكونوا أقل من نظرائهم في الجزائر وتونس وبعض الدول العربية الأخرى، التي حسمت في موضوع الإشراف على الانتخابات، باعتبارها أهم آلية من آليات النزاهة، أو طريقا إليها على الأقل؟ إن مطلب إحداث هيأة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات، ليس ترفا، أو مِنة من أحد، بل حق ديمقراطي ودستوري وقانوني لكل المغاربة، بل إنه صلب الخيار الديمقراطي برمته. لقد قلناها للمرة المائة، بصيغ مختلفة، ونعيدها اليوم بلغة واضحة: لا انتخابات نزيهة وذات مصداقية، دون إرساء دعائم مؤسسة وطنية مستقلة عن جميع الأجهزة والمؤسسات الدستورية، تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، وتمارس وظيفتها بكل حياد وموضوعية، وتعد أعلى جهاز استشاري وتقريري للدولة في الإدارة الانتخابية في مجال الإحصاء الانتخابي، والإشراف ومراقبة العمليات الانتخابية والاستفتاءات الدستورية. ولا انتخابات محايدة إلا بإشراف مباشر لجهاز القضاء، الذي متعه الدستور بسلطات واسعة، وجعله سلطة مستقلة يضطلع بمهام الدفاع عن الحقوق الفردية والجماعية وحماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي (الفصل 117)، وبالتالي فإن المطالبة بضمان إشراف كامل للقضاة على الانتخابات تندرج في إطار الولاية العامة للسلطة القضائية (دون غيرها من المؤسسات الأخرى) في هذا المجال. الآن، سيكون من الصعب إعادة عقارب الساعة إلى بدايتها، ونحن على بعد أسابيع فقط من الانتخابات، لكن لن نتردد في القول إن المغرب أخلف موعدا جديدا مع التاريخ. هدرٌ بينٌ للزمن السياسي والديمقراطي سيكون له ما بعده، حين سيتأكد البعض أن الديمقراطية لا تقبل أنصاف الحلول. كلها، أو لا شيء.

هيأة مستقلة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بلقزيز تسلك "طريق الممكنات"

ضعـف الحكامـة والقيـادة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات