“درب غلف” في قفص الاتهام

تجار أغلقوا محلاتهم واختفوا عن الأنظار وآخرون يتحدثون عن خسائر بالملايين مواد غذائية وألبسة وهواتف محمولة من إسبانيا وإيطاليا واليابان والصين، معروضة للبيع بمحلات بمدخل سوق درب غلف بالبيضاء، أصحابها يبدون مرتابين، وتظهر عليهم علامات الخوف من زيارة مفاجئة للجان المراقبة أو عناصر أمنية تحجز المواد التي كتبت عليها عبارات بمختلف اللغات الدولية (إسبانية، فرنسية، إنجليزية…). إنه درب غلف، أو أكبر سوق للتجارة الإلكترونية في المغرب، الذي يعيش أسوأ أيامه، كما اعترف بذلك عدد من التجار لـ "الصباح"، والسبب شحنة مشبوهة للهواتف المحمولة جعلت السوق في قفص الاتهام. لا تخطئ العين في درب غلف أن الحركة التجارية تشهد ركودا، خاصة بالمحلات التي تبيع الحواسيب والهواتف المحمولة، فعدد منها أغلقت أبوابها، لأسباب عديدة، منها قلة الطلب والخوف من تداعيات شحنة مشبوهة للهواتف المحمولة أسقطت بعض التجار. "اللي خاف نجا" يحكي أحدهم أنه منذ اكتشاف شحنة الهواتف المهربة، ضرب رجال الأمن حراسة على عدد من المحلات المتخصصة في بيع الهواتف الذكية ومختلف أجهزة "أبل" بسوق درب غلف بالبيضاء، مشيرا، في الوقت نفسه، إلى أن هناك من أغلق محله ولاذ آخرون بالفرار، خوفا على أنفسهم، ولو لم يكونوا متورطين، خاصة مع الأنباء التي انتشرت عن إيقاف خمسة تجار وحجز سلعهم الإلكترونية، عملا بمبدأ "اللي خاف نجا". ولا يمانع أحد تجار السوق، حسب تصريحه لـ "الصباح"، من إجراء التحقيقات الأمنية وإيقاف كل المشتبه فيهم، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق فقط، بشخصين لهما علاقة بالشحنة المشبوهة، موضحا أن المداهمات والإيقافات الأمنية خلفت رعبا وسط التجار، ودفعت بعضهم ولو أنهم ليسوا معنيين بالأبحاث، إلى الاختفاء عن السوق الشهير، خاصة أنهم عاينوا الحراسة اليومية على عدة محلات مشبوهة، في انتظار ظهور أصحابها للبحث معهم. ستة ملايير يتحدث التجار عن تفاصيل العملية الأمنية بإسهاب وتفاصيل التحقيق مع بعض أصدقائهم، مشيرين إلى أن العمليات الأمنية، انطلقت بطنجة، وانتقلت إلى تطوان قبل أن تقود الأبحاث والتحريات المحققين إلى سوق درب غلف، لتفكيك شبكة شبه وطنية تنشط في مجال تهريب الهواتف الذكية وتزييف علب التلفيف الخاصة بها، إضافة إلى تورط البعض في تزوير العملة الأجنبية، موضحين أن الشكوك تتجه إلى أن الهواتف المهربة من نوع "أيفون"، تنتمي إلى شحنة كبيرة من سلسلة أبل، جرى السطو عليها، في عملية إجرامية نفذت في نونبر الماضي ببريطانيا، وتم فيها احتجاز سائق شاحنة مقطورة وتعنيفه للسطو على الحمولة التي قدرت قيمتها بـ 5 ملايين جنيه إسترليني، أي ما يناهز 6 ملايير، وهي عبارة عن أجهزة "إيربود" و"أبل واتش" و"أيفون 11 إس". وأصر التجار على الاتصال هاتفيا بصديق لهم سافر، بعد مرور العاصفة، إذ أوضح المعني بالأمر أنه حجزت له بضاعة بقيمة 100 مليون، رغم أن لا علاقة له بالموضوع، وحين استفسر عن توقيت استعادتها، أخبر أن عليه انتظار انتهاء المحاكمة، ما عرضه للإفلاس، وقال غاضبا:" لم أفعل شيئا غير قانوني، فكل الهواتف في المحل ليست مسروقة أو مهربة، وأنا الآن متابع من قبل الدائنين الذين يطالبون بأموالهم". في إحدى زوايا السوق جلس صاحب محل آخر شبه غائب عن الوعي، فالمحل الذي يشرف على تسييره أصبحت رفوفه فارغة، إذ تم الحجز على حوالي 14 حاسوبا من نوع "أبل" الغالية الثمن، ويقدر خسائره بــ 140 مليونا، ثم بدأ يبوح بمعاناته، فالسوق خرج للتو من أزمة تداعيات كورونا، وما كاد يتنفس، حتى فوجئ بالحملة الأمنية على المحلات التجارية. مصدر السلع معروف أصبح الزبناء بدورهم يفضلون عدم التوجه إلى السوق، كما يقول أحد البائعين، الذي يؤكد أن من حق المسؤولين القيام بالواجب ومساءلة أصحاب المحلات التجارية عن مصدر السلع، وما إذا كانوا قد أدوا واجبات التعشير عنها، لكن دون تحميل التجار وحدهم المسؤولية، فـ "تجار السوق معروفون، ووضعية التجارة كذلك، ويكفي إيقاف المتورطين، دون المساس بآخرين، ما يؤثر على الحركة التجارية". لا يخفي بعض العالمين بخبايا السوق أن بعض التجار لهم صلة مباشرة بالمهربين، لكنهم قلة، كما يؤكدون أنه تم إيقافهم، مشيرين إلى أن أغلب السلع مصدرها معروف، فإما أن يكون أخ أو قريب أو شريك في المحل التجاري مقيما بالخارج، ويعمد إلى إدخال سلع بشكل منتظم إلى المغرب، وهناك باعة آخرون لهم علاقة تجارية محض ببعض المهربين، لا تهمهم الطريقة التي دخلت بها السلعة إلى المغرب، ولا يرغبون حتى في معرفة ذلك، فكل ما يهمهم هو اقتناء السلعة بأقل ثمن، حتى يكون ربحهم وفيرا بعد بيعها. وهناك طريقة ثالثة أقل مجازفة تتمثل في توصل بعض تجار السوق ب "كوليات" قد تتضمن ملابس أو هواتف محمولة أو آلات تصوير، ترسل عبر حافلة للنقل. تعزيز المراقبة لا يفهم التجار سر حجز السلع من قبل الشرطة، حسب قول أحدهم، ففي وقت سابق كان يتم حجز حمولة بعض السيارات في الطريق، قبل وصولها إلى السوق، أما الآن فأصبح الحجز عليها بالمحلات التجارية، وهناك حالات أوقف فيها بعض الزبناء بالسوق وتم استفسارهم عن مصدرها والمحلات المسؤولة عن بيعها، ما جعل أغلب مرتادي السوق يتجنبون زيارته، إلى حين مرور العاصفة. بالمقابل، يشدد آخرون على ضرورة تعزيز المراقبة داخل السوق، وألا تقتصر على الهواتف المحمولة والحواسيب، فالملايير تضيع فيها الدولة بسبب التهريب في هذا السوق لوحده، دون أن تتحرك أي جهة من أجل الدفع باحترام القانون ووقف النزيف. خالد العطاوي

“درب غلف” في قفص الاتهام

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

"فيفا" يرخص لماسينا باللعب للأسود

مواجهات دامية لإنقاذ عامل زاكورة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات