تركيا…واقفة ستموت أشجار “تقسيم”

المتظاهرون يتصدون بصدورهم لامتدادات انقلاب خشن على القيم الكبرى للنموذج التركي الأتراك، أو على الأقل هؤلاء الذين سالت دماؤهم في ميدان «تقسيم» بوسط إسطنبول، ليسوا أغبياء حتى يشرعوا صدورهم إلى الرصاص المطاطي وخراطيم المياه القاتلة والقنابل المسيلة لـ«العمي»، دفاعا عن شجرة أو شجرتين وسط ساحة تاريخية، أو ردا على قرار حكومي ببناء مركز تجاري وإعادة الروح إلى ثكنة عسكرية.الصورة بهذا الشكل مشوشة وتدعو إلى إعادة تصويب جيد للعدسة حتى تظهر اللقطات الأساسية المشكلة للمشهد التركي، وحتى يتأكد العالم أن شجيرات «تقسيم» تخفي غابة من تراكم القهر والاستبداد وديكتاتورية الأغلبية.فالصدور التي تتفجر دماء، على امتداد خمسة أيام بلا توقف، هي نفسها التي ظلت، على مدى 13 سنة، تحمل ضيقا كبيرا في التنفس، بعد أن خنق حزب العدالة والتنمية كل المسالك لأوكسجين نقي وضروري للعيش في بلاد كمال أتاتورك، وأحكم قبضته، بالتدريج، على جميع مظاهر الحياة، في انقلاب خشن على القيم الكبرى التي شيد عليها النموذج التركي الذي لم يزعجه يوما أن يحكم حزب إسلامي شعبا يعد مزيجا من العلمانيين والأقليات العثمانية والدينية العريقة التي لا تتقاسم مع السنيين المداخل نفسها.إن المعاول التي يسخرها اليوم، رغم أنف الجميع، لاقتلاع جذور أشجار ساحة «تقسيم»، هي نفسها التي ظلت، على مدى سنوات، تدك أسس الدولة التركية التي أوصلت إخوان العدالة والتنمية إلى سدة الحكم، وتسعى إلى بناء نموذج تركي مختلف مبني على «قيم» الإقصاء والاستبداد والتطرف الديني، الذي يضاف إليه، في هذه الساعات، تطرف الدولة وأجهزتها القمعية التي أطلقت رصاصتها الأولى على الصدور، ولا نعتقد أنها الأخيرة.إنه النموذج الذي يريد أردوغان تصديره إلى بعض جيرانه في العالم العربي وحكامه الجدد من الأحزاب الإسلامية والإخوانية. نموذج معلب بإقلاع اقتصادي وتجاري وصناعي باهر يضع، اليوم، تركيا في مصاف النمور الاقتصادية العالمية، لكنه نموذج بنفس ضيق سريع الغضب يمكن أن يضغط على الزناد في أي لحظة من أجل الفتك وسفك الدماء، ولو تعلق الأمر بنشطاء جمعية بيئية جاءت تحتج على اقتلاع شجرة.أردوغان، الذي وصف المتظاهرين بالمتطرفين الذين يخدمون أجندة خارجية وركب طائرته ووصل إلى المغرب في زيارة مجاملة و«اقتصاد» لزميله الإسلامي عبد الإله بنكيران، يرتكب خطأ جسيما، حين اعتقد أن شرعية صناديق الاقتراع والأغلبيات البرلمانية الساحقة، لخنق شعب يتنفس الحرية والحياة ومستعد أن تفقأ عينه، بدل التنازل عنهما. الغريب أن ديكاتورية الشعب والانتخابات بدأت تتسرب، بشكل لافت، إلى خطابات إسلاميي الربيع العربي الذين وجدوا أنفسهم في المقدمة، رغم أنهم ظلوا في عز الثورات والقتل في المؤخرة، أو كانوا منشغلين بتوجيه الرسائل إلى من يهمهم الأمر. واحد من هؤلاء عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، الذي خانه التعبير ذات جلسة برلمانية، حين قال «حنا خدامين مع الناس لي صوتو علينا»، قبل أن يتدارك زلة لسانه، مؤكدا «هاد شي كان قبل الانتخابات، أما اليوم حنا خدامين مع الشعب كلو».إنه المنطق نفسه الذي يواجه به أردوغان ربيع إسطنبول، حين هدد المتظاهرين بتسليط شعبه/ ناخبيه عليهم من أجل إسكاتهم. دعوة صريحة إلى الفتنة والحرب الأهلية تأتي اليوم من تركيا، والله يعلم من أين ستأتي غدا. يوسف الساكت

تركيا…واقفة ستموت أشجار “تقسيم”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

عدم تنفيذ الأحكام يكبد الخزينة 400 مليار

السراح المؤقت لـ 61 تلميذا في ملف الشغب

مقالات ذات صلة