كرس حياته للتعريف بهذا الفن إعلاميا وأكاديميا وكان يحضر لمسرحة قصائده غيب الموت، مساء أول أمس (الخميس)، الحاج أحمد سهوم آخر أبرز رموز فن الملحون، عن سن ناهزت الرابعة والثمانين، بسلا التي ووري بها الثرى صباح أمس (الجمعة)، وهي المدينة التي ارتبط بها الراحل واغترب عنها ليعود إليها خلال السنوات الأخيرة قبل أن يفارق الحياة فيها. ويعد الراحل أحمد سهوم من آخر أسماء شيوخ فن الملحون المكرسين، إذ ارتبط اسمه بهذا الفن طيلة أزيد من ستة عقود ونصف، بحثا وتنظيرا وتأليفا ونظما. وفي هذا السياق يقول الباحث عبد المجيد فنيش إن رحيل أحمد سهوم يعد خسارة كبيرة للثقافة المغربية، التي فقدت واحدا من أبرز المدافعين عنها وعن خصوصيتها عبر فن الملحون، والذي يعد آخر من ربط أجياله، من خلال منجزه البحثي والإعلامي عبر العديد من البرامج الإذاعية حين كان المذياع سيد صناعة الرأي في المغرب، وأيضا البرامج التلفزيونية والمشاريع التوثيقية التي انخرط فيها. وأضاف فنيش أن سهوم حلل وفكك طلاسم قصائد الملحون عند كبار شعراء هذا الفن، كما استطاع أن يواكب الإنتاج الملحوني في مختلف مراحله، إذ كان بمثابة خزان معرفي نهل منه الكثيرون واستفادوا منه. واعتبر فنيش أن الراحل سهوم استطاع أن يعيد كتابة السيرة النبوية شعرا وبقاموس شعري جديد حرص فيه أن لا يكون مكررا ومجترا للقوالب الجاهزة في النظم، إذ كان حريصا على التمييز بين الشعر باعتباره اختزالا للصور والمعارف، وبين النظم باعتباره آلية لترتيب الكلام والقوافي. وتحدث فنيش عن الأيام الأخيرة للرجل الذي قال إنه ظل مهووسا بالمجال الذي نذر حياته من أجله إلى آخر نفس، وكان يحضر معه مشروعا لإعادة مسرحة بعض قصائده التي تم تجميعها ضمن كتاب ضخم، هو الجزء الحادي عشر من موسوعة الملحون، التي أطلقتها أكاديمية المملكة المغربية تحت إشراف الدكتور عباس الجيراري ولجنة علمية مختصة. من جانبه تحدث الفنان مولاي عبد العزيز الطاهري عن علاقته بالراحل أحمد سهوم، قائلا إنه كان من الأسماء التي أفادت أجيالا من المشتغلين والمهتمين بهذا الفن، كما خلد اسمه بدرايته واطلاعه الواسعين على خبايا وأسرار هذا الفن، الذي جمع فيه بين التنظير والمتابعة التاريخية، وبين التأليف، والتعريف به من خلال اشتغاله الإعلامي في الإذاعة والتلفزيون طيلة عقود. أما المخرج إدريس المريني فاستحضر في حديثه عن أحمد سهوم، أولى حلقات برنامج "وثيقة" سنة 1984، والتي كان يبثها التلفزيون المغربي، وشارك في تقديمها آنذاك كل من الراحل بنعيسى الفاسي والإعلامي أحمد ريان، وخلفت حينها صدى كبيرا في أوساط المشاهدين بالنظر إلى قوة حضور الراحل سهوم بفصاحته وثقافته الواسعة، قبل أن تختفي هذه الحلقة من أرشيف التلفزيون، كما اختفت غيرها من الكم الهائل للوثائق البصرية التي تعد جزءا من ذاكرة المغاربة. وجدير بالإشارة إلى أن الراحل أحمد سهوم من مواليد فاس 1936، وفيها نشأ وتشبع بعشق الملحون حيث جالس شيوخه في سن مبكرة ونهل من معينهم، قبل أن ينتقل إلى سلا في مطلع الخمسينات، ويشكل رفقة مجموعة من الشيوخ أول ناد للملحون بالمدينة. والتحق سهوم بالإذاعة الوطنية في 1957 إذ قدم عشرات البرامج الإذاعية، أشهرها "أبا مسعف" و"البيت السعيد" و"أغاني الصباح" و"مع التراث" و"إطلالة على التراث"، فضلا عن حضوره في التلفزيون في بداياته خلال فترة البث المباشر، كما أشرف على مكتب الملحون الذي أنشأه الراحل محمد الفاسي حين كان وزيرا للشؤون الثقافية. وقضى سهوم فترة بالصويرة جاوزت أربعا وعشرين سنة، بدأها مديرا لمعهدها الموسيقي، قبل أن يتقاعد ويتفرغ للكتابة والنظم، ليعود في سنواته الأخيرة إلى سلا. عزيز المجدوب