منزل مكوار بفاس… شاهد عصر على وثيقة الاستقلال

حريق بقيسارية الكفاح عجل بتوقيع الوثيقة ومسؤولو فاس ينوون تحويل المنزل إلى متحف تحل اليوم (الجمعة) الذكرى التاسعة والستون، لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال التي حررت ووقعت بمنزل المرحوم أحمد مكوار بحي البطحاء في 11 يناير 1944، من قبل أقطاب المقاومة ومناضلي حزب الاستقلال وشخصيات حرة أغضبها استمرار المستعمر في نهب خيرات البلاد واستعباد العباد. وتجسد هذه الذكرى الغالية على كل المغاربة، مرحلة مهمة من تاريخ المغرب ومنعطفا حاسما في مسيرة كفاح المغاربة لرفع الحماية الفرنسية والإسبانية عن بلدنا، فيما يشهد المنزل المقترح لتحويله إلى متحف للمقاومة، على عظمة هذه اللحظة التاريخية التي "هرم" من أجلها كل المغاربة. في هذا اليوم وقبل 69 سنة خلت، اجتمع أعضاء حزب الاستقلال وشخصيات وطنية حرة، بمنزل عتيق بقلب المدينة العتيقة بفاس، لا ليتناولوا وجبة غذاء دسمة أو ما لذ وطاب من "شهيوات"، بل ليطلقوا رصاصة قلبت موازين مستعمر غاشم عاث في البلاد فسادا ونهب خيراتها عن قصد وإصرار. وثيقة قلبت تاريخ المغرب بين ردهاته حرروا عقدا أعلنوا فيه حبهم الكبير لوطنهم الذي لا يقاس بثمن ولم يفرطوا في أي شبر منه. وأطلقوا وثيقة طالبوا فيها باستقلال المغرب ووحدة ترابه تحت ظل صاحب الجلالة ملك البلاد المرحوم محمد بن يوسف، الذي التمسوا منه السعي لدى الدول التي يهمها الأمر الاعتراف بهذا البلد. وثيقة ومنزل يشهدان على منعرج رائد في تحديد السيادة المغربية، وإعطاء انطلاقة إصلاح ترقبه المغاربة من داخل وطنهم دون حاجة إلى مستعمر نهب الأرض واستعبد العباد، اختاره موقعو العريضة، أن يكون نظاما سياسيا شوريا شبيها بنظام الحكم في البلاد العربية الإسلامية في الشرق.نظام توخى موقعو العريضة ممن سعوا إلى تمتع الدولة المغربية بحريتها وسيادتها الوطنية، (توخوا) أن يحفظ حقوق سائر عناصر الشعب المغربي وطبقاته، ويحدد واجبات الجميع، بغض النظر عن تداعيات القرار السياسي الجريء الذي أعلنه أكثر من 60 وطنيا وقع العريضة بمنزل أحمد مكوار. تلك العريضة التي انطلقت شرارتها من هذا المنزل الواقع بموقع إستراتيجي قرب ساحة البطحاء، تعززت بعرائض التأييد من مختلف جهات الوطن التي من آثارها اندلاع انتفاضة 29 يناير 1944 وما رافقها من مظاهرات عارمة سقط إثرها عشرات الشهداء والضحايا بالرباط وفاس وأزرو وسلا.لم يقتصر إشعاع وثيقة المطالبة بالاستقلال التي تعتبر مليكة الفاسي المرأة المغربية الوحيدة التي وقعتها، على الوطن بما كان لها من أثر عميق في نفوس وأوساط المغاربة على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم، بل أرسلت نسخ منها إلى ممثليات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والاتحاد السوفياتي. إن غالبية الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال، كانوا يمتهنون التجارة بالمدينة العتيقة بفاس، ممن لم يستسيغوا الحريق الانتقامي الذي طال مصدر عيشهم، بمتاجر قيسارية الكفاح في سنة 1955 الذي أدى إلى تشريد أسر العشرات من المقاومين وموقعي وثيقة المطالبة بالاستقلال.هذا الحريق كان مصدرا لتأجيج غضب الوطنيين المغاربة، ممن اجتمع بعضهم بمنزل مكوار لتحرير وتوقيع الوثيقة المذكورة، ردا على ما تعرضوا إليه من استمرار نهب وإقبار ودفن معالم تاريخ الوطن، على غرار اجتماعات تنسيقية أخرى احتضنتها منازل ومحلات تجارية أخرى، لم تنل حظها من الاهتمام. منزل من قلب التاريخ تعتبر هذه الوثيقة ثورة وطنية جسدت وعي المغاربة ونضجهم وأعطت الدليل على قدرتهم وحسن إرادتهم للدفاع عن حقوقهم المشروعة وتقرير مصيرهم وتدبير شؤونهم بأنفسهم، ورفض رضوخهم للنفوذ الأجنبي، فيما يعتبر المنزل المحتضن لتحريرها وتوقيعها، معلمة تاريخية تحتاج إلى التفاتة. ما زال منزل المرحوم مكوار الذي احتضن تحرير الوثيقة وتوقيعها من قبل ثلة من الوطنيين والمجاهدين والمقاومين المغاربة، قابعا في إهماله شأنه في ذلك شأن حديقة 11 يناير بساحة البطحاء المؤرخة لهذا الحدث، التي تعيش تحت وطأة التقصير والتهميش وتعتبر ملاذا للمنحرفين. ويقبع منزل المرحوم الحاج أحمد مكوار، بزنقة الدوم بحي البطحاء بمدينة فاس العتيقة، شامخا وشاهدا على لحظة حاسمة في تاريخ المغرب، كانت منطلقا لاستقلاله بعد تحرير وتوقيع وثيقة المطالبة بالاستقلال بين جدرانه. ويستحق أن يتحول إلى مزار للوقوف على عظمة الذكرى والموقع.قبالة المنزل المحروس على مدار الساعات والأيام، يقف تذكار وثيقة المطالبة بالاستقلال، كشاهد على تحدي أعلنته النخبة المغربية، ضد سياسة الاستعمار الذي حاول مساومة قادة الحركة الوطنية لصرفهم عن المطالبة بالاستقلال ومسؤولياتهم الوطنية، دون جدوى. شامخا يقف هذا التذكار مؤرخا لمرحلة تاريخية لن ينساها المغاربة أبدا والفاسيون بالخصوص، الذين كان لهم دور فعال وهام في تحريرها وترجمتها. وهو التذكار الذي يعد أكبر تأريخ لهذه المحطة النضالية الهامة من تاريخ المغرب، ويشكل محجا للسياح المغاربة والأجانب، على غرار منزل مكوار. متحف في الأفق مسؤولو فاس فكروا في تحويل هذا المنزل، إلى متحف للمقاومة وجيش التحرير، اعتبارا للدور الذي لعبه مالكه في إخراج الوثيقة إلى حيز الوجود وتوقيعها من قبل ثلة من الوطنيين ممن غادر غالبيتهم إلى دار البقاء، تاركين وراءهم بصمة تاريخية مهمة سيذكرهم بها جميع المغاربة وكل الأجيال. عدة مثبطات ومشاكل وعراقيل تقف حجر عثرة في وجه إخراج مشروع متحف المقاومة إلى الوجود. لكن هذا المنزل الحامل لرقم 4 بالزنقة المذكورة، قيد رسميا في عداد الآثار، اعتبارا لكونه شهد توقيع وثيقة 11 يناير 1944، باعتبارها منعطفا مهما في تاريخ الحركة الوطنية من أجل استقلال المغرب.في 8 يناير 2007 تقدم المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، بطلب لتقييد المنزل ضمن الآثار، ما استجيب إليه ونشر بالجريدة الرسمية. وبذلك لا يمكن هدم أو إحداث أي تغيير في الشكل العام للمنزل كيفما كانت طبيعته إلا بترخيص من وزارة الثقافة 6 أشهر قبل انطلاق الأشغال. حميد الأبيض (فاس)

منزل مكوار بفاس… شاهد عصر على وثيقة الاستقلال

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تلاعبات في توزيع الشعير المدعم والأعلاف بابن سليمان

دراسة في القانون: هل كسب الرميد معركة مواجهة نادي قضاة المغرب؟

مقالات ذات صلة