شوارع خالية من السيارات وهجرة معاكسة نحو القرى تفاديا للاختلاط قرر أغنياء المغرب وكبار المسؤولين ونسبة كبيرة من الفاعلين في المجال السياسي، مغادرة فيلاتهم بأكبر المدن، والانتقال إلى القرى للعيش في ضيعاتهم الفلاحية المجهزة بكل ما يحتاجونه، و التي كانوا يزورنها في مناسبات قليلة. واتضح للأغنياء أن الضيعات الفلاحية تعد ملاذا آمنا، خوفا من أن تصيبهم عدوى كورونا، التي لا تميز بين الفقير والغني، وبين الحاكم والمحكوم، وبين أرباب العمل والعمال، وبين المشردين والمالكين للعقارات، وأصحاب الشركات والمليارديرات والمهمشين. ووقعت شبه هجرة معاكسة من المدن نحو القرى، بعدما تحولت المدن الجذابة إلى بؤر انتشار وباء كورونا، إذ لم يكن في خلد أغنياء المغرب، وكبار المسؤولين، وبعض قادة وزعماء الأحزاب والنقابات، أنهم سيعيشون أياما حرجة، مباشرة بعد ارتفاع عدد الإصابات بكورونا المدمر بشكل مثير في كبريات المدن من البيضاء، ومراكش والرباط، ومكناس، وفاس، وغيرها. وزاد الأمر استفحالا لأنه تم الترويج أن كورونا تصيب كبار السن، ما جعلهم يحتاطون كثيرا في بداية الأمر من عدم مغادرة فيلاتهم، لكن حينما اتضح أن الفيروس المدمر يضرب كل الفئات العمرية ازداد التخوف من حصول اختلاط ولو مع الخدم، ما قد يؤدي إلى الإصابة بالوباء وفقدان كل ذلك الكم الهائل من الثروات، التي راكموها على مدى عقود. وارتفعت الرهبة لدى البعض منهم حينما تأكد أن الفيروس الذي يصيب شخصا واحدا داخل الأسرة الواحدة، قد يمتد لباقي أفراد الأسرة، ما جعل البعض منهم يسارع لأجل تقديم المساعدات لبعض أعضاء عائلاتهم الفقراء، الذين لم يكونوا يسألون عنهم حتى عبر الهاتف، ومنهم من قرر إخراج "الزكاة" على ماله وعلى ودائعه البنكية، وعلى الحلي والمجوهرات، أو أداء "الصدقات" للقربى والمساكين، إذ حضر الوازع الديني في زمن انتشار كورونا، حسب الطريقة التي يؤولون بها الأزمات، التي عصفت بكل المؤسسات والمقاولات سواء كانت إنتاجية أو خدماتية، أو تجارية. واختار الأغنياء وكبار المسؤولين، وبعض الفاعلين الحزبيين والنقابيين، الانتقال من المدن التي انتشر فيها الوباء، إلى الضيعات الفلاحية التي يمتلكونها بالقرى، والمشيدة بطرق عصرية، أشبه بفيلات بمساحات شاسعة، وقادرة على تخزين المواد الاستهلاكية الأساسية، التي تم شراؤها. ولم تعد تظهر في شوارع المدن الكبرى، السيارات الفارهة التي يمتلكها الأغنياء وكبار المسؤولين إلا القليل منها، كأنها اختفت مقابل سيارات بعض الموظفين، ودراجات هوائية لبعض المشتغلين ببعض المهن الحرة مثل التجارة، وأغلب المعدمين من الفقراء هم من يتحركون، لذلك تم إلقاء القبض على العشرات منهم في الأحياء الشعبية، واضطرت السلطات إلى تعليق تحرك وسائل النقل العمومية، حتى لا تجد السلطات هؤلاء الفقراء وهم يملؤون فضاء "السويقات" بالمدن العتيقة يتحركون، بالادعاء أنهم خرجوا للضرورة وهم يسعون إلى خرق الحجر الصحي، فيما الأغنياء لا يظهر لهم أثر إلا في حالات نادرة جدا، إذ يطلبون أطباءهم الخاصين بالأسرة لزيارتهم في حال مرض أحدهم. فيما يتحرك أفراد الطبقة المتوسطة بحذر شديد وسط المدن لشراء مواد استهلاكية، أو زيارة الطبيب أو شراء دواء بالصيدليات. أحمد الأرقام