عبث كله محاكمات

تواصل مسرحية "محاكمات" جولاتها في أغلب المدن، ويستمر ممثلوها في الوقوف فوق الخشبة وأداء الأدوار والحركات والحوارات نفسها أمام كراس فارغة، بعد أن أدرك الجمهور، منذ العرض الأول، أن النص فارغ والفكرة غارقة في العبث. فما يجري اليوم، ببعض المحاكم، هو أقرب إلى هذا السيناريو، وربما أكثر، حين يصر المسؤولون في الحكومة والنيابات العامة وفرق التحقيق والبحث والقضاء على اعتماد المقاربة نفسها، التي "طلعت للناس في الراس" وبدؤوا يطرحون السؤال: هل محاكمات الفساد ومحاربة هدر المال العام موضوع جدي فعلا، أم وسيلة لإلهاء الشعب فقط؟ لسنا في موقع تقديم الدروس إلى أحد، لكن من واجبنا اليوم أن نقول إن كثرة الشيء مفسدة للشيء نفسه، كما أن الإسهال في تلقي الشكايات وإعداد مساطر البحث والتحقيقات التمهيدية والتفصيلية والعرض على القضاء وإشاعة الإحساس، أن الجميع مجرمون إلى أن يثبت العكس، خطر على الاستقرار والديمقراطية والبناء والمستقبل. فما معنى أن تتصدر أسماء الوكلاء العامين للملك وقضاة التحقيق والحكم والفرق الجهوية والوطنية للشرطة القضائية، عناوين الصحف والمواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، بسبب الكم الهائل من القضايا والشكايات والملفات، التي تعرض على هذه الأجهزة ويفتح فيها تحقيق وتوجه إلى القضاء؟ إن ذلك يعني أن هناك خللا في جهة ما، أو عطبا بنيويا ومؤسساتيا وقانونيا يجب أن يعالج في الحال، وإلا تفاقمت الأمور إلى الأسوأ، وتحولنا من دولة مدنية يحكمها القانون ومساطر المراقبة، إلى دولة قضاء صرف وسجون ومعتقلات. فالجميع يعرف، بما فيهم القضاء نفسه، أن أغلب المسؤولين والموظفين المتابعين في قضايا فساد مالي وإداري وتبديد للمال العام، أو تلقي رشاو في حالة تلبس، هم موظفون في إدارات عمومية، أو تابعون لأجهزة عمومية ولمؤسسات الدولة من المفروض قانونيا أن تكون محاطة بكل ضمانات الرقابة القبلية والآنية حتى لا تتفاقم الأمور. لكن الخلل يقع دائما حين تنقلب المنظومة القانونية رأسا على عقب، ويصبح الموظف والمسؤول سيد نفسه، يفعل ما يشاء وقت ما شاء، وهو مقتنع في قرارة نفسه ألا أحد سيراقبه إلا بعد فوات الأوان. إن غياب المراقبة القبلية والآنية وتعويضها بمراقبة بعدية، ترك هذه الفجوة الكبيرة، التي تسللت منها الاختلالات والأعطاب والاختلاسات والفساد ونهب المال العام والتسيب الإداري والجرأة على تلقي المبالغ المالية، على سبيل الرشوة. وتزداد هذه الفجوة اتساعا حين يقتنع عدد من المتهمين في قضايا الفساد ونهب المال العام، أن قضاة المحاكم لن يطالبوهم باسترجاع سنتيم واحد، بل الأكثر من ذلك، ستوفر لهم إدارة السجون إقامة مدفوعة الأجر من جيوب المواطنين لمدة معينة، ثم يعودون إلى حياتهم الطبيعية، مستمتعين بما نهبوه من ملايين "صحيحة". ألم نقل لكم منذ البداية.. إنها مسرحية العبث.

محاولة انتحار موظف سجن بابن سليمان

اعتقال مغتصبي قاصر بالبيضاء

مقالات ذات صلة

أنتم تستعملون حاجب إعلانات