كلنا في سراح مؤقت

تذكرت وأنا أتابع آخر فصول محاكمة ملف "باديس"، أول أمس (الثلاثاء)، مشهد الممثل الإيطالي فرانكو نيرو في دور مهندس معتقل بسبب حادثة سير أدت إلى مقتل راجل هارب وسط الطريق السيار، وهو تحت تأثير الصدمة بين أخطر المجرمين، لا يصدق كيف تحولت الواقعة إلى قتل مع سبق الإصرار والترصد. عاودتني مشاهد الفيلم، الذي أخرجه "داميانو داميني" بداية سبعينات القرن الماضي، تحت عنوان "كلنا في حالة سراح مؤقت"، بالتزامن مع إعلان إدانة غرفة الجنايات الابتدائية لجرائم الأموال باستئنافية فاس، العلمي، المدير العام السابق لصندوق الإيداع والتدبير وغنام، المدير العام السابق للشركة العامة العقارية، بسنة واحدة حبسا نافذا و5 آلاف درهم غرامة لكل واحد منهما، بجنحة "التصرف في مال بسوء نية ممن سبق له التعاقد معهم بشأنه". زادت إفادة المدير العام السابق، قبيل النطق بالحكم، من أوجه التشابه بين الفيلم وواقع الحال، إذ أوضح للهيأة كيف كان حريصا على الحفاظ على الادخار ومراكمة التطور، مستغربا كيف يمكن مؤاخذته بأخطاء يرتكبها في العادة رئيس ورش وليس رئيسا لـ60 شركة. لا يمكن بمثل هذا المشهد أن نتخلص من شبهة النية المبيتة في إرسال المستهدفين من محاكمات المال العام إلى السجن، بأي ثمن، فبعد ثلاث سنوات من التحقيق، لم نجد في صك الاتهام سوى تكييف لواقعة "تصرف بسوء نية"، وكأن هناك من يملك مفاتيح كل المعتقلات، يمكن أن يسجن من يشاء ويفرج عمن يشاء. دافع العلمي عن نفسه دون جدوى، وأكد أن مشروع "باديس"، المتابع بشأن اختلالات شابته، كان من أحسن المشاريع السكنية بالحسيمة، وأنه لم يتلق أي حجة تؤكد مؤاخذته، وأن المسؤولية تتحملها جهات أخرى موكول لها دور المراقبة والتتبع، لكن دون جدوى، وكأن الإدانة قرار محسوم. لابد للقضاء أن يكسر قيود السياسة، لأن أخطر المزالق، التي تهدد مبدأ دولة الحق والقانون، أن تتغول السلطة التنفيذية، وتصبح المحاكمات مجرد تنزيل لقرارات اتخذت وحسم الأمر فيها قبل كل دفع أو دفاع، وأن يوضع المواطن تحت سلطة مزاجية لا تتردد في الشطط في استعمال العنف المشروع. سلب الحرية هو آخر سلاح يجب أن تلجأ إليه الدول التي تعتبر نفسها مؤسسة على القانون، إذ لا تقاس العدالة بحجم البنايات وتعدد درجات التقاضي وكثرة التشريعات، بقدر ما تقاس بوجود القاضي المتحرر من قيود السلطة والحسابات، كيفما كان مصدرها وأهدافها، لأن شعار أكثر المحاكم استقلالا في العالم، امرأة تحمل سيفا بيد وميزانا بأخرى، معصبة العينين، حتى لا تميز بين المنعم والمغضوب عليهم. إنها مفارقة غريبة في زمن أرعن؟

كلنا في سراح مؤقت

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

لعنة "عين أسردون" تطيح برئيس البلدية

أخبار الصباح

مقالات ذات صلة