ميزانية “الطاسة”

تدبر حكومة الحزب الإسلامي "ورطة" حقيقية، حين تقبل باستمرار تدفق عائدات مالية من قطاعات يعتبرها النص الديني القطعي في حكم الحرام، مثل الكحول والمشروبات الروحية. ولا يملك حزب العدالة والتنمية ونوابه أي جواب مقنع، عدا عبارات اللف والدوران في موضوع بالغ الحساسية دينيا، من قبيل أن هذه الزيادات تهدف بالأساس إلى تقليص استهلاك الخمور، وليس الغرض منها تحصيل الموارد المالية، في حين أن المعطيات تؤكد أن استهلاك المغاربة من المشروبات الكحولية لم يتقلص، بل سجل ارتفاعا، خلال 2018، بنسبة 7 في المائة، مقارنة مع السنة التي قبلها. وطبيعي أن يجد هؤلاء أنفسهم في موقف حرج، وهم الذين ظلوا يملؤون اللجان والجلسات العمومية بمجلس النواب، والصحافة، وساحات الاحتجاج، صراخا قبل 2012، منددين باستمرار الترخيص لمحلات بيع الخمور، واعتماد ميزانية دولة إسلامية على موارد حرام من قبيل الكحول والقمار وألعاب الرهان، بل تصدوا إلى ذلك في قطاع الإشهار الموجه إلى قنوات القطب العمومي. أما اليوم، فمن الواضح أن الحزب الديني "طبع" مع الوضع، وتحول إلى كائن "رقيق" و"براغماتي" يتفهم السياق العام، بل إن رئيس الحكومة لا يتورع في مهر فصول كان "الفقيه" يعتبرها سابقا خطوطا حمراء!! وهكذا، وبعد ميزانيتي 2018 و2019 اللتين أثارتا جدلا كبيرا، تتجه حكومة العدالة والتنمية إلى إقرار زيادة أخرى في الضرائب المفروضة على الخمور في مشروع قانون المالية 2020، إذ تقترح رفع الضريبة الداخلية على استهلاك الجعة بدرهم في اللتر، وزيادة مماثلة على النبيذ. واعتادت الحكومة أن تلجأ إلى جيوب مستهلكي هذه المشروبات كلما واجهت ضائقة مالية، وهي المرة الثالثة التي تعمد الحكومات التي يرأسها العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية، إلى زيادات في الاقتطاعات الضريبية على هذه الفئة. بالمقابل، عندما نلاحظ تطور الموارد الضريبية المتحصل عليها من الاقتطاعات الضريبية على هذه المشروبات، نجد أنها عرفت زيادة متواصلة خلال ولاية الحكومات التي يقودها العدالة والتنمية، لتصل، حاليا، إلى أزيد من 4 ملايير درهم، إذا أخذنا بعين الاعتبار مختلف أنواع الضرائب والرسوم المفروضة على هذه المنتوجات. كل هذه المعطيات تؤكد أن الهاجس المالي هو المتحكم في قرارات الزيادة، ويعكس ذلك غياب إجراءات مواكبة تعزز الإرادة المعبر عنها في تقليص الاستهلاك، من قبيل توفير بنيات استقبال المدمنين الراغبين في الإقلاع عن تناول الخمور، وتكثيف البرامج التوعوية. فحكومة الإسلاميين تكتفي فقط بالزيادة في الضرائب، لأنها تعي جيدا أن مثل هذه التدابير لن تحفز المغاربة على الإقلاع، بل ستساهم فقط في رفع موارد الميزانية، التي أصبحت تستحق، عن جدارة، لقب ميزانية "الطاسة".

ميزانية “الطاسة”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

توقيع اتفاقية لإعادة تجديد واستغلال فندق لينكولن بالبيضاء

تصوير جلسة يوقع زوجة محاسب

مقالات ذات صلة