الإسلام والمرأة والعنف…بين الغلو والحقيقة : النساء ضد عمر بن الخطاب

وهناك حادثة طريفة وبليغة تدل على نفور النساء من عمر ابن الخطاب بسبب معارضته للرسول الذي كان يرغب في المساواة بين الجنسين. كان عمر يرفض التشاور مع زوجته التي استنجدت بسنة الرسول للدفاع عن حقها. ويروي ابن عباس الحادثة عن عمر بن الخطاب"، "كنا معشر قريش نغلب النساء لما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فصخبت علي امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني (تناقشني) قال: فقالت لي عجبا لك يا بن الخطاب ما تريد أن تراجع أنت ، وإن ابنتك لتراجع رسول الله حتى يظل يومه غضبان"، فقام عمر فأخذ رداءه مكانه حتى دخل على حفصة فقال لها: يا بنية بأنك لتراجعين رسول الله حتى يظل يومه غضبان، فقالت حفصة: والله إنا لنراجعه...فقال: ثم خرجت حتى دخلت على أم سلمى لقرابتي منها فكلمتها فقالت أم سلمى: عجبا يا بن الخطاب دخلت في كل شيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله وأزواجه (البخاري "فتح الباري كتاب التفسير" باب تبتغي مرضاة أزواجك حديث رقم 4913 جزء 9 ص655-656). لم يتحمل بعض الرجال إذن "الحركة النسوية" التي ظهرت بالمدينة وأصبحوا يضغطون على النبي لتغيير الوضع، وكان عمر بن الخطاب يتزعم هذه الحركة. وتفاقم الوضع إلى حد أصبح ينذر بالانفجار. كل ذلك عشية "أحد" أي في فترة كان فيها المسلمون مطوقين بالأعداء داخليا وخارجيا. وهي ظروف تحتم وحدة صف المقاتلين وكلهم رجال ومن أهمهم وأبسلهم عمر بن الخطاب، لذلك تم تقديم الأهم على المهم. ونزلت تلك الآية التي علق عليها الرسول بقوله "أردنا أمرا وأراد الله أمرا والذي أراده الله خير" (الرازي: التفسير جزء 10 ص88).إذن بعد مضي ثلاث سنوات من تجربة المساواة تبين أن رجال قريش ليسوا مهيئين لقبول مثل هذا التغيير فكان لابد، وتحت ضغط أكبرهم منصبا، من تقديم تنازلات حفاظا على وحدة الصف، صف الرجال الذين كانوا مقبلين على خوض معركة هامة في ظروف عسيرة.وفي قراءة تاريخية ومقاصدية لهذه الآية، وبعد بيان الظروف الاجتماعية والسياسية التي حفت بنزولها، يستنتج الأستاذ محمد الطالبي أن "غاية الشارع ومقاصده القصوى تقتضي أن تزول هذه الإباحة بزوال الظروف التي املتها" (محمد الطالبي: "قضية تأديب المرأة بالضرب" مجلة المغرب العربي عدد 182 بتاريخ 22/12/1989). وبهذا يتضح أن إباحة تأديب الزوجة بالضرب لم تكن غير "تنازل ظرفي عند ضغط الواقع في وضع حرج"، كما يقول الأستاذ محمد الطالبي الذي يعتبر هذه الإباحة "إباحة إنكار" و"إباحة كراهية" ودليله في ذلك ما حصل ليلة نزول الآية، حيث انهال الرجال على أزواجهم ضربا موجعا فالتجأت النسوة إلى حرم الرسول يحتمين به. فقال الرسول: "لقد أطاف الليلة بآل محمد سبعون امرأة، كلهن يشتكين أزواجهن، ولا تجدون أولئك خياركم". وقد أدرك بعض العلماء المقاصد الحقيقية للشارع فحاولوا التخفيف إلى أقصى حد من حدة هذا الحكم. بل إن هناك من الفقهاء من منع الضرب مثل عطاء بن أسلم بن صفوان ابن رباح الذي علق على الآية 34 بقوله "لا يضربها وإن أمرها ونهاها فلم تطعه، ولكنه يغضب عليها"، أما الشيخ الطاهر ابن عاشور فهو يذهب إلى أبعد من ذلك ليعود بنا إلى منع الضرب والعقاب عليه أي إلى ما كان يقضي به الرسول قبل نزول هذه الآية. فيقر بأن "أصل قواعد الشريعة لا تسمح بأن يقضي أحد لنفسه لولا الضرورة"، ويردف أنه "يجوز لولاة الأمور، إذا علموا أن الأزواج لا يحسنون وضع العقوبات الشرعية مواضعها، ولا الوقوف عند حدودها أن يضربوا على أيديهم استعمال هذه العقوبة ويعلنوا لهم أن من ضرب امرأته عوقب". وبهذا يكون قد تقدم على بعض قضاة اليوم بأشواط، مثل قاض سوداني. يقول القاضي السوداني اليوم "أصبحت المرأة تطلب الطلاق لأبسط الأشياء، مثلا هناك نساء يطلبن الطلاق بسبب الضرب. وعندما تحقق المحكمة في ذلك تجده شيئا لا يستحق وهو فقط ضرب بقصد التأديب وليس الأذى فلا تحكم للمرأة بالطلاق".والضرب يتناقض مع القرآن برمته، إذ كيف يمكن للخالق الذي يقول "وقد خلقناكم من نفس واحدة" أن يأمر بضرب نفس خلقها؟ فالله لم يأمر حتى بضرب العبيد وأمر بالرفق بهم. وقال الرسول في ذلك "من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته عتقه" (جامع الأصول ج 9 ص36). كما أمر بالرفق بالحيوان ورفض أن يأخذ بشهادة الزوج على زوجته الزانية، والزنى أعظم من النشوز. فكيف ترفض شهادة الزوج من ناحية في قضية خطيرة ويمنح الحق في أخذ حقه بيده في قضية عادية من ناحية أخرى؟إذن لابد أن الضغط السياسي كان شديدا إل درجة جعلت المشرع يعدل عن مخالفة ممارسات الجاهلية. وفي فترات الضغط السياسي تتخذ قرارات استثنائية تعود بالمجتمع القهقرى. ففي العراق وخلال الحرب مع إيران، منعت النساء من السفر دون مرافق خشية إذائهن، وهن في حالة ضعف عاطفي جراء وجود الرجال في الجبهة. والمغزى من هذا القرار هو عدم الإساءة للوطن أكثر من حماية شرف المرأة الذي يبقى مسؤولية شخصية في الحالات العادية.وفي فترة نزول آية التأديب بالضرب، بدأ العنصر السياسي، أي عنصر إنشاء الدولة في التشكل، فضغط بكل ثقله حتى اختل الميزان. فهذا إذن استثناء لابد أن يزول مع الزمن. ولنتذكر أن عمر بن الخطاب الذي كان من أكثر المتحمسين لضرب النساء، اشمأز مع مرور الزمن من ممارسة رجل كان يضرب عبده واحتج مستنكرا بقولته الشهيرة :"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"، وقولته هذه تعبر ببلاغة عن مواقف ثلاثة: رغم اعتراف القرآن بمؤسسة العبودية فإن عمر يدينها ضمنيا، ثانيا رغم الاعتراف بحقوق السيد على عبده فإن عمر رفض أن يأخذ الرجل حقه بيده، وثالثا اشمئزاز عمر من ضرب إنسان بعد بعده زمنيا عن الجاهلية ومسكه مقاليد الحكم، يدل على تطوره عن ممارسات وحشية لم تعد تتماشى والدولة الإسلامية المتطورة والمتحضرة، فهذا عدول من طرف عمر نفسه يمكن القياس عليه.فظروف اليوم تقتضي إذن أن تزول هذه الإجابة بل أن يعاقب عليها.ضحى زين الدين

الإسلام والمرأة والعنف…بين الغلو والحقيقة : النساء ضد عمر بن الخطاب

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

رؤساء لفظتهم شعوبهم : "شارلز تايلور" حوكم بجرائم ضد الإنسانية

متصوفة استهوتهم "السلطة الرابعة" : 20 مقالا عن الطريقة الكتانية

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات