بنكيران بين الهوية وإكراهات التدبير

انتقل من دور معارضة شعبوية إلى قيادة الأغلبية الحكومية يعيش العدالة والتنمية على إيقاع تحولات جارفة تكاد تعصف بوحدته الداخلية مستقبلا، إذا لم ينجح في توسيع قاعدته الاجتماعية والحسم مع ازدواجية الخطاب التي طغت على مواقفه السياسية في وقت سابق.فالحزب الإسلامي بعد انتقاله من دور المعارضة إلى قيادة الحكومة، يجد نفسه اليوم في مواجهة إكراهات التأقلم مع متغيرات سياسية جديدة، وفرضت عليه حتمية الخلود إلى الذات لمراجعة خطه السياسي ومرجعيته الايديولوجية الدعوية أساسا. لم يكن حزب العدالة والتنمية مستعدا بما فيه الكفاية لولوج تجربة حكومية مثقلة بالإكراهات الذاتية والموضوعية، في سياق ربيع عربي حمله إلى سدة الحكم "مكرها"، رغم أنه بدا مستعدا لخوض المغامرة، إلا أن التردد والخوف من حرق الأوراق والرأسمال الرمزي للحزب، ظل هاجسا يؤرق إخوان بنكيران، خاصة أنهم يدركون جيدا حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الحزب، وهو يقود الحكومة في مرحلة دقيقة من تاريخ المغرب، ودرجة الثقل التي تمثلها قوى تعاكس توجهاته داخل الدولة، وهو الذي دخل معها في صراعات كادت تستنزفه أيام المعارضة، فالعدالة والتنمية الذي استمد قوته التعبوية والتنظيمية وجسارة خطابه السياسي الممزوج ب"عفة سياسية" و"طهرانية" أخلاقية، من عدم مشاركته في تدبير الشأن العام في الحكومات السابقة، كان يعي جيدا أن ميزان القوى لن يكون في صالحه وأنه سيشغل دور "المنفس" للنظام في فترة تميزت بحراك الشارع العربي، وأنه لن يقتسم الحكم مع المؤسسة الملكية، بل سيشارك في تدبير القرار الحكومي إلى جانب قوى سياسية لا تشاطره المرجعية والتوجه السياسي ذاته، كما أن بنكيران يدرك جيدا أنه "كافح" من أجل دستور يستمر في منح المؤسسة الملكية الكلمة الفصل في أهم القرارات الإستراتيجية، رغم أنه كان من أوائل المطالبين بـ"نزع" صفة القداسة عن الملك في الدستور، وبملكية برلمانية توسع هامش تدخل الحكومة بشكل يجعلها مسؤولية أمام البرلمان في تنصيبها ومحاسبتها ومراقبتها.كل هذه الإكراهات التي أحاطت بقيادة بنكيران لحكومة نصف ملتحية، جعلت جهات داخل الحزب تتخوف من أن يكون توافق الملكية مع إسلاميي الدكتور الخطيب، تجربة محدودة في الزمن سرعان ما تنتهي بمجرد انتهاء أسبابها التي أنتجتها، وبالتالي فإن التنازلات، المطلوب من الحزب اليوم تقديمها، للتأقلم مع وضعه الجديد، قد تؤدي به في نهاية المطاف إلى التحول إلى حزب مكمل للأغلبيات مستقبلا، أو تنتهي به إلى معارضة غير مؤثرة وممسوخة، كما كان الشأن عليه بالنسبة إلى أحزاب اليمين الإداري، التي طالها النسيان بعد أن حاولت ممارسة معارضة لا تناسبها ولم تنشأ من أجلها، إلا أن ذلك لا يمنع من مراهنة حزب المصباح على توسيع قاعدة الانتساب إليه ومراجعة مرجعيته السياسية الدعوية لاستقطاب فئات اجتماعية جديدة، والسير على منوال حزب العدالة التركي في التجذر في المجتمع وبعث رسائل مطمئنة إلى النخب العلمانية، الموجودة في دوائر القرار من خلال حرصه على الدفاع عن الاختيار الديمقراطي والقبول بالحق في الاختلاف والايمان بالتعدد والاحتكام إلى الشرعية الدستورية. رشيد باحة

بنكيران بين الهوية وإكراهات التدبير

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

لكحل: على العدالة والتنمية التخلي عن ثقافة المعارضة

حساسية المرحلة وراء تليين مواقف الحزب الإسلامي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات