الخطيب والبصري وحكاية احتواء القصر لإسلاميي بنكيران

رفاق باها عملوا بنصيحة الإخوان في مصر والرميد جالس البصري وأعد تقريرا حول الحركات الإسلامية لم يكن مسار إدماج إسلاميي العدالة والتنمية في الحقل السياسي الرسمي، بل مر من عدة منعرجات كادت تعصف بطموح رفاق بنكيران في تأسيس حزب سياسي والخروج من دائرة العمل السري وطموح تأسيس"جمهورية إسلامية" وفق تصور الخميني آنذاك.لذا تعذر على مكونات الإصلاح والتجديد (الجماعة الإسلامية سابقا) سنة 1992 تأسيس حزب التجديد الوطني، إذ رفضت وزارة الداخلية الطلب الذي تقدم به آنذاك رفاق بنكيران والرميد، وبعدها قرروا التوجه نحو حزب الاستقلال من أجل الالتحاق به بشكل جماعي، إلا أن اللقاءات بين الجانبين انتهت إلى الباب المسدود، كما اتصل عبد الإله بنكيران وزمرة من قياديي الحركة بالراحل عبد الله ابراهيم، رئيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فكان أن تعذر، مرة أخرى، على إخوان بنكيران التوصل إلى صيغة مقبولة مع قيادة الحزب من أجل الانضمام إلى صفوفه، وهو ما كان يعني أن هناك توجسا لدى الأحزاب، آنذاك، من مجموعة إسلاميي الشبيبة الإسلامية، سواء من حيث طموحهم السياسي أو توجهاتهم وقناعاتهم العقائدية والسياسية، كما لم تكن تنظر بعض الأحزاب بعين الرضا إلى تحركات «بقايا: الشبيبة المتهمة آنذاك ب» العمالة» للسلطة ولوزارة الداخلية على وجه التحديد.ولعل ذلك كان سببا يكفي لرفاق بنكيران كي يبحثوا لأنفسهم عن مسار سياسي جديد تحت معطف النظام عبر قناة وزارة الداخلية، وكانت لقاءات بعضهم بوزير الداخلية الأسبق الراحل ادريس البصري، تصب في اتجاه البحثعن صيغة مناسبة لإدماج مكونات الحركة الإسلامية في الحقل السياسي، قبل أن يهتدي إخوان بنكيران، باقتراح من أحد أعضاء الإخوان المسلمين في مصر المقيم في المغرب، إلى الحركة الشعبية الدستورية التي كان يقودها رجل محسوب على القصر، ويتعلق الأمربالدكتور عبد الكريم الخطيب، فكان التردد وعدم الوضوح السمة الأولى لمشاورات أعضاء الجماعة وزعيم الحزب، خاصة أن مواقف الطرفين إزاء الحكم وخلفيات كل واحد منهما وطموحه، تتباين، إذ وافق الخطيب بشروط ثلاثة، هي اعتراف الملتحقين بحزبه بالإسلام و إمارة المؤمنين ونبذ العنف والتطرف، ليعقد الحزب سنة 1996مؤتمرا استثنائيا مكن القيادات الإسلامية الجديدة من العضوية في أمانته العامة، ومنذ ذلك الحين بدأ ينظر إلى الحزب باعتباره حزبا إسلاميا.وفي هذه الفترة كانت الحركة الإسلامية تدبر مشروعا اندماجيا بين فصيلين هما حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي، وتوجت هذه الجهود بالاعلان عن تنظيم جديد يضم الفصيلين هو «حركة التوحيد والإصلاح" بقيادة الدكتور أحمد الريسوني.لقاءات الرميد مع البصريكانت الدولة ترفض الترخيص للإسلاميين بتأسيس حزب إسلامي، مقابل التسامح مع أنشطتهم، وبعد اطمئنان الراحل الحسن الثاني لتقرير البصري، الذي أعده الرميد ورفاق له في الحركة الإسلامية، كانت الموافقة على انخراط جزء مهم من الإسلاميين في حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية الذي كان يتزعمه عبد الكريم الخطيب. ويؤكد الرميد، في تصريحات سابقة، أن البصري لم يلوح للإسلاميين بالانضمام إلى حزب الخطيب عكس ما يروج، وأن الاتجاه العام كان يسير في اتجاه الترخيص للإسلاميين بالحصول على حزب سياسي وقال: «عندما انخرطنا مع حركة الإصلاح والتجديد في حزب الخطيب بعد وحدتنا معها، وجدت الدولة أن هذا مخرج مناسب، وطريقة مقبولة لحل إشكالية السماح للإسلاميين بالعمل السياسي».في سنة 1994 بدأت أولى قنوات الاتصال بين إدريس البصري والإسلاميين المغاربة من خلال قيادي العدالة والتنمية الحالي مصطفى الرميد، وكانت تلك الفترة تتميز بعدم ترخيص الدولة للجماعة الإسلامية التي أسسها بنكيران سنة 1983 بعد تبرئه من الشبيبة الإسلامية بعد تشاور من عميد الأمن الخلطي، الذي كان بنكيران على اتصال دائم معه.كما كانت هناك جماعات أخرى شكلت في ما بعد رابطة المستقبل الإسلامي، باستثناء الجمعية الإسلامية بالقصر الكبير التي أسسها أحمد الريسوني، وجمعية الدعوة الإسلامية التي أسسها الشاهد البوشيخي في فاس، وهما جمعيتان محليتان حصلتا على الترخيص في السبعينات.أولى اتصالات الرميد بالبصري كانت في مقر وزارة الداخلية، وطلب منه إعداد تقرير مفصل حول مواقف الحركة الإسلامية المغربية من النظام وعدد من القضايا السياسية والاجتماعية والدولية. والتقط الرميد من البصري إشارات بأن الدولة تستعد لإعداد صيغة ملائمة لدمج الحركة الإسلامية في الحقل السياسي، خاصة تلك التي أعلنت نبذها للعنف، وتكفير المجتمع والدولة. كان الرميد في تلك الفترة مديرا لجريدة «الصحوة» ومعروفا بافتتاحياته السياسية المثيرة حول النظام السياسي المغربي. وتناولت محادثات الرميد مع وزير الداخلية القوي آنذاك كل القضايا المرتبطة بموقف الإسلاميين من النظام الملكي ومن الديمقراطية، إضافة إلى قضايا أخرى مرتبطة بها.نحو هيكلة حقل الإسلاميينلعب الرميد دورا محوريا بعد نيله "موافقة رابطة المستقبل الإسلامي" فيصياغة تقرير جماعي حول أفكار الحركة، كما اتصل بالراحل محمد البشيري عضو مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان الذي أقاله الشيخ ياسين، الذي طلب استشارة أعضاء مجلس الإرشاد، وعاد ليخبره بأن قيادة الجماعة تعتبر بأن كتابة أي تقرير في هذه المرحلة يعد بمثابة تفاوض مع الدولة، وأنها ترفض ذلك، إلا أن البشيري أبلغ الرميد أن العدل والإحسان تثق فيه، وهو ما اعتبر بمثابة تفويض له.ويؤكد الرميد، في حوار سابق لمجلة «المشهد»، أنه ساهم إلى جانب عدد من قيادات الرابطة في صياغة تقرير يشرح تصورات ومسارات الحركة الإسلامية المغربية، وذكر الرميد أسماء المساهمين في التقرير وهم أحمد الريسوني رئيس الحركة، والراحل عبد الرزاق المروري، وعبد السلام بلاجي، وأحمد المشتالي، ورضى بن خلدون وكانوا مسؤولين في الرابطة. الرميد يقدم تقريرا إلى البصريقدم الرميد التقرير إلى إدريس البصري، ويؤكد أنه كان عبارة عن «أفكار واضحة من أجل أن تفهم الدولة تصورات الحركة الإسلامية»، ليتضح في ما بعد أن الراحل الحسن الثاني هو من طلب التقرير المذكور من ادريس البصري لتأهيل الإسلاميين للمرحلة المقبلة، خاصة مع تعاظم العنف في الجزائر جراء تراجع العسكر عن نتائج الانتخابات سنة 1991 والتي آلت لفائدة إخوان علي بلحاج.وكان ادريس البصري على علم بعدد المقاعد التي سيحصل عليها إخوان الرميد وبنكيران في انتخابات 1997 وصرح بذلك لعدد من قيادييهم، مؤكدا أنها ستتراوح ما بين 10 و14 مقعدا.إلا أن نتائج الانتخابات أفرزت حصولهم على تسعة مقاعد فقط، علما أن الترشح لم يتم تحت باسم العدالة والتنمية، إذ كان الدكتور الخطيب يعارض الفكرة من الأساس، إلا أن تحمس إخوان بنكيران للمشاركة في اللعبة السياسية بأي ثمن جعلهم يناولون أولى مقاعدهم في البرلمان في انتظار تأكيد قوتهم السياسية في ما بعد. رشيد باحة

الخطيب والبصري وحكاية احتواء القصر لإسلاميي بنكيران

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

العلاقة بين القصر والإسلاميين يضبطها الدستور

دفاتر التحملات تفجر أزمة والحكومة تختار التهدئة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات