العلاقة بين القصر والإسلاميين يضبطها الدستور

زين الدين الباحث في العلوم السياسية يؤكد أن قيادة العدالة والتنمية لا تريد المجازفة بخطها الدعوي لمسايرة قواعدها أكد الباحث في العلوم السياسية محمد زين الدين في هذا الحوار أن تجربة حزب العدالة والتنمية في الحكم مكنت من تحصين المغرب سياسيا وضمنت له الاستقرار، مضيفا أن أي تراجع عن تجربة الإدماج يعني العودة إلى منطق الصراع والتصادم، كما اعتبر أن المرحلة الحالية التي يطبعها تنزيل مقتضيات الدستور الجديد مع ما يحمل هذا التنزيل من تأويل دستوري ديمقراطي، تتطلب من المؤسسة الملكية التدخل لحماية المشروع المجتمعي الديمقراطي الجنيني في المغرب، ولضبط آليات الصراع السياسي بين الحداثيين والإسلاميين المحافظين. في ما يلي نص الحوار: كيف تقيم علاقة العدالة والتنمية بالقصر مع استحضار الدور الذي لعبه الدكتور الخطيب؟مر حزب العدالة والتنمية في إطار علاقته بالقصر بعدة مراحل، فبعد مرحلة الريبة التي طبعت النظر إلى حركة الإصلاح والتجديد، الجماعة الإسلامية سابقا ورفض الدولة لتأسيس حزب التجديد الوطني، ستتمكن بعض قيادات الحركة بوساطة من قبل القيادي الإسلامي المصري صالح أبو رقيق من الاتصال بالدكتور الخطيب بغية إحياء حزبه، فقبل طلبهم لكن وفق ثلاثة شروط هي الإسلام والاعتراف بالملكية الدستورية ونبذ العنف والتطرف، والتقط إخوان بنكيران هذه الإشارة من رجل المهام الصعبة في القصر ليدخلوا في مسلسل تطبيع تدريجي مع الدولة، دون تغييب عنصر الحيطة والحذر، خصوصا في رصد مواقف حركة الإصلاح والتوحيد، الجناح الدعوي للحزب. فعلى المستوى المؤسساتي تم إدماج الحزب بشكل تدريجي في البرلمان بتسعة نواب، ليكتمل تشكيل الفريق ب12 عضوا، لكن المحطة المتميزة في تاريخ حزب العدالة والتنمية كانت هي انتخابات2002 ، إذ فاز ب42 مقعدا، لكنه سيقصى من المشاورات السياسية لتشكيل الحكومة، ليجد نفسه في المعارضة. ثم تطور أداؤه في استحقاقات 2007، وأخيرا في استحقاق 2011 لما أصبح القوة السياسية الأولى في البلاد.أما على مستوى المواقف السياسية، فخاض الحزب عدة معارك التزمت فيها المؤسسة الملكية بدور الحكم والحاكم، مثلما حدث إثر إثارة الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، والتي تصدى لها الحزب بمشاركته الواسعة في مسيرة المليونين بالبيضاء بتاريخ 12 مارس 2002، ما جعل الحكومة تسحب خطتها، فتدخل الملك محمد السادس، إثرها وشكل لجنة وطنية من العلماء والقضاة والمفكرين أعدت مدونة الأسرة التي عرضت لأول مرة على البرلمان. وحتى حينما حدثت الأحداث الإرهابية بالدار البيضاء، وانبرى خصوم الحزب ليضعوه في قفص اتهام، فإن القصر رفض فكرة استئصاله من الساحة السياسية. لذا يمكن القول إن النظام يتعامل مع هذا الحزب كبقية الأحزاب السياسية الأخرى.هل تحالف النظام مع الإسلاميين يستجيب لضغوطات الربيع العربي؟لم يشكل المغرب استثناء لما عرفه العالم العربي من حركات احتجاجية أفضت إلى هيمنة الزحف الإسلامي على العديد من الدول العربية كتونس ومصر، لكن النظام في المغرب عرف كيف يدير اكراهات هذه المرحلة بوضع أجندة اصلاحية شمولية، يشكل وصول جانب من الاسلاميين إلى السلطة إحدى حلقاتها وليس كلها بشكل خدم النظام وال"بيجيدي" على حد سواء، إذ نجح حزب بنكيران في استغلال الحراك الشعبي المتمثل في حركة عشرين فبراير، وكذلك ضعف الأحزاب السياسية خصوصا شتات اليسار، وكذا مكتسبات الدستور الجديد ليصل إلى السلطة مدعوما بشرعية مليون ونصف المليون صوت، لكنه ملزم بضرورة التعايش مع شرعية الحكم التي تنفرد بها المؤسسة الملكية لوحدها.في المقابل مكنت تجربة وصول حزب العدالة والتنمية للحكومة من تحصين المغرب سياسيا وضمنت له الاستقرار السياسي، إذ أن أي تراجع عن تجربة الإدماج يعني العودة إلى منطق الصراع والتصادم، وهو منطق تم القطع معه ولا سبيل إلى العودة إليه، لأن العالم العربي ما بعد ثورات الربيع العربي لن يعود إلى سابق عهده.كيف تقيم علاقة الثقة التي تحدث عنها بنكيران، بين المؤسسة الملكية ورئيس الحكومة؟الأمر لا يتعلق هنا بالبعد الشخصاني، فالأستاذ بنكيران أظهر التزاما ملحوظا في التشبث بثوابت الدولة منذ انطلاق حراك 20 فبراير، لكن المسألة هنا تتجاوز البعد الشخصي، إذ ترتبط بالبعد المؤسساتي المتجلي في ضرورة ترسيم السلطات الدستورية بين مختلف المؤسسات الدستورية وفقا لمقتضيات الدستور الجديد بما يضمن الإبقاء على مهام الملك حكما وحاكما مقابل توسيع اختصاصات الحكومة والبرلمان على حد سواء. وقد اظهر ال"بيجيدي" التزاما ملحوظا لحد الآن، تجلى بوضوح خلال المناقشات البرلمانية لمضامين مقتضيات القانون التنظيمي المحدد للتعيين في المؤسسات الإستراتيجية من قبل جلالة الملك. فرغم الانتقادات القوية التي وجهها الاتحاد الاشتراكي للعدالة والتنمية بهدف إحراجه، إلا أن الحزب تمسك بموقفه المساند لهذا القانون التنظيمي دون أن ننسى إقراره باعتبار المجالين الديني والعسكري مجالين ملكيين قحين. ما هي الآليات التي يمكن للمؤسسة الملكية ان تلجأ إليها في علاقتها مع الحكومة الحالية؟أولا الاحتكام إلى الدستور، وأعتقد أن الوظيفة التحكيمية للمؤسسة الملكية باعتبار الملك حكما وحاكما ستحضر بقوة في هذه المرحلة، ليس فقط في ضبط العلاقة بين الأغلبية والمعارضة، ولكن كذلك في ضبط مآلات الصراع السياسي بين مختلف مكونات المجتمع المغربي محافظين وحداثيين، خصوصا أن المرحلة يطبعها بتنزيل مقتضيات الدستور الجديد مع ما يحمل هذا التنزيل من تأويل دستوري ديمقراطي مما يتطلب من المؤسسة الملكية أن تتدخل لحماية المشروع المجتمعي الديمقراطي الجنيني في المغرب.هل هناك تكامل من وجهة نظركم بين الدور المركزي لإمارة المؤمنين ومرجعية الحزب؟ منذ تأسيس الحزب، قبل بالدور المركزي لإمارة المؤمنين باعتبارها المؤسسة الوحيدة المنوط بها تدبير المجال الديني، وفي هذا الصدد تفادى الحزب توظيف الخطاب الديني، وتحاشى إلى حد كبير مفردات معجمه، كما عمل على إزاحة رموز الحركة الدعوية من المناصب الحكومية مقابل تقوية «العناصر التقنوقراطية» داخل الحزب، لكن مع ذلك ينبغي إعادة هيكلة الحزب من أجل إبعاد إيديولوجيته عن مستوى التدبير الحكومي.وزراء بنكيران وإيديولوجيا الحزب...اعتقد أن أولى الأولويات هي ضرورة تحقيق تنسيق محكم بين مختلف مكونات هذه الحكومة، لأن الخرجات الإعلامية الانفرادية لبعض أعضائها أظهرت تنافرا ملحوظا في تصورها لطبيعة تدبير الشأن العام، وهنا لا يمكن أن نعتبر هذه التصريحات لبعض الوزراء بمثابة آراء شخصية بقدر ما هي تعبير عن مواقف سياسية يتخندق فيها كل طرف بناء على إيديولوجيته السياسية، فيما المطلوب أن يكون هناك تصور مشترك بغية أجرأة البرنامج الذي تقدمت به أمام المواطنين كمسألة التنزيل الديمقراطي لمقتضيات الدستور، خصوصا سن القوانين التنظيمية المتبقية والتهييء للاستحقاقات الانتخابية المقبلة إلى جانب ورش الجهوية الموسعة ومواجهة الاكراهات الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها مغرب الآن.لكن هامش تحركها ضئيل جدا رغم الصلاحيات الدستورية القوية التي أتى بها الدستور الجديد، فحكومة بنكيران سوف تستمر في المسار المسطر من قبل حكومة عباس الفاسي سواء على المستوى النيوليبرالي للاقتصاد أو على مستوى علاقة الدولة برجال الأعمال والمقاولات أو السياحة الخارجية .السؤال الذي ينبغي طرحه، هو هل بإمكان هذا الحزب الانتقال من حركة دينية أصولية إلى حركة سياسية، هذا الثمن هو نسبيا مرتفع جدا بالنظر إلى أن قيادة الحزب لا تريد المجازف بعدم مسايرة قواعدها. وهذا ما يفسر الخرجات الإعلامية الانفرادية وغير محسوبة العواقب لبعض وزراء البيجيدي وبقدر ما هناك تقلص ملحوظ للرهانات الكبرى حول الاختيارات المجتمعية المطروحة في المغرب، بقدر ما هناك تباين في تحديد طبيعة هذه الاختيارات بين تيارين أساسيين لديهم تصورات متباينة، وهنا ينبغي لحكومة بنكيران أن تدبر هذه الاختيارات المتباينة بمنطق الاختلاف لا الخلاف. حكومة الإسلاميين والدعم الملكينسجل دعما ملحوظا لهذه الحكومة من قبل المؤسسة الملكية، وأعتقد أن المؤطر العام للعلاقة بين المؤسسة الملكية والحكومة هي مقتضيات الدستور، وجلالة الملك ما فتئ يوصي الحكومة بضرورة احترام والتقيد بمقتضيات الدستور ولا شيء آخر غير الدستور، وهذا الأمر يكشف وجود إرادة سياسية قوية للدفع قدما بمسلسل الإصلاح الديمقراطي . بيد أن تدبير الشأن العام لا تحكمه فقط المقتضيات الدستورية، بل كذلك متطلبات واكراهات الممارسة السياسية، فحينما نعود إلى الطقوس والمضامين التي واكبت أداء قسم الأستاذ بنكيران بين يدي جلالة الملك محمد السادس بميدلت، قبل تنصيب حكومته على أساس أن يبقى وفيا للملك وللوطن، فإن هذا الإجراء ليس مسألة بروتوكولية إذ يذكرنا بذلك القسم الذي أجراه الملك الحسن الثاني مع الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، عقب تشكيل حكومة التناوب التوافقي، فالأمر هنا لا يتعلق بالبحث عن صيغ التعايش السياسي، مثلما حصل في فرنسا في عهد جاك شيراك /ميتران، بقدر ما يتعلق بضرورة البحث عن توافقات سياسية جديدة، فهناك قواعد لعب جديدة بدأت تتشكل لكن دون انمحاء القواعد القديمة، فمرحلة الخطيب/ البصري أصبحت اليوم متجاوزة بفعل الواقع السياسي الحالي. أجرى الحوار: ر.ب

العلاقة بين القصر والإسلاميين يضبطها الدستور

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بروفايل: أحمد الريسوني...الثمن السياسي

الخطيب والبصري وحكاية احتواء القصر لإسلاميي بنكيران

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات