محاولات لإفراغ واجب تحفظ القضاة من فلسفته

الخطاب الملكي والمرجعية الدولية الأساسان الرفيعان لتأويل المبدأ الدستوري نص الفصل 111 من الدستور على ما يلي:» للقضاة الحق في حرية التعبير، بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية.يمكن للقضاة الانتماء إلى جمعيات، أو إنشاء جمعيات مهنية، مع احترام واجبات التجرد واستقلال القضاء، وطبقا للشروط المنصوص عليها في القانون.»والملاحظ أنه بعد أقل من عام على صدور الدستور الجديد بدأت بعض التأويلات الاستباقية للمقتضيات التي جاءت فيه مدعِّمة لاستقلال السلطة القضائية، ومن بين هذه المقتضيات واجب التحفظ، الذي يريد البعض من خلاله إفراغ كافة الحقوق التي أتى بها دستور 2011 لفائدة استقلال القضاء من محتواها. فما هو التأويل الذي يمكن أن نعطيه لواجب تحفظ القضاة؟يجب قبل أن نبحث في هذا التأويل أن نتفق على قواعد ديمقراطية لتفسير النصوص الدستورية حتى «نحرر محل الخلاف» كما يقول علماء الأصول، ذلك أن النص القانوني كيف ما كان إذا لم يُحتكم في تفسيره إلى مرجعية معينة فإن تأويله يمكن أن يؤدي إلى تحويره وفق أهواء وغايات غير ديمقراطية. وتفاديا لذلك فإننا نحدد مرجعية تفسير واجب التحفظ المفروض على القضاة في ما يلي:إن أكبر مرجعية لتفسير نصوص الدستور المغربي الأخير هو الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش يوم 30 يوليوز2011 بعد المصادقة على الدستور من طرف الشعب المغربي، إذ قال جلالته بالحرف «إن أي ممارسة أو تأويل مناف لجوهره (أي الدستور) الديمقراطي يعد خرقا مرفوضا مخالف لإرادتنا ملكا وشعبا».المرجعية الثانية في تفسير واجب التحفظ هي مرجعية دولية على اعتبار أن الدستور الجديد نفسه اعترف بسمو الاتفاقات الدولية على القانون الداخلي (تصدير الدستور)، وهي اتفاقات تتضمن معايير عالمية ومما يرتبط بها ويكملها الاعلانات الدولية وميثاق الأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية وبعض المبادئ العالمية الجاري بها العمل كمبادئ «بلغانور» وغيرها.المرجعية الثالثة التي يمكن الركون اليها في تفسير نصوص الدستور عند الاختلاف هي الرجوع الى مذكرات الجمعيات الحقوقية المغربية المرفوعة إلى الجهات التي كانت مكلفة بإصلاح القضاء، والى لجنة تعديل الدستور وهي المذكرات التي تضمنت مطالب الحقوقين ورؤيتهم بشان استقلال القضاء، وتعد هذه المذكرات خصوصا تلك التي تقدمت بها عشر جمعيات تجعل من اهتمامها قطاع العدالة ببلادنا وفي مقدمتها جمعية هيآت المحامين بالمغرب (الذين نحييهم بالمناسبة على دعمهم للمطالب العادلة للقضاة في كل مؤتمر يعقدونه) وجمعية عدالة وغيرهما. وبالرجوع إلى المرجعيتين الثانية والثالثة نجدهما تتضمنان مقتضيات هامة تهم حق القضاة في حرية تكوين نقابات خاصة بهم للدفاع عن مطالبهم المهنية واستقلال قرارهم القضائي وكذا حريتهم في التعبير عن آرائهم الفكرية، وقد تم تكريس ذلك بمقتضى عدة اعلانات ومواثيق صادرة عن الأمم المتحدة ومن بينها إعلان مينلانو بايطاليا سنة 1985 والميثاق العالمي لاستقلال العدالة الصادر بموريال بكندا سنة 1983 والذي نص في مادته التاسعة على ما يلي:»على القضاة أن يعملوا بصفة جماعية على حماية استقلالهم المهني..» كما أن الاتفاقية رقم 87 الصادرة عن منظمة الشغل الدولية تنص على حرية تكوين النقابات المهنية لجميع الفئات المهنية بمن فيهم القضاة. وبالعودة إلى مفهوم التحفظ الذي نص عليه الدستور المغربي فإن ما تبنغي الاشارة اليه هو أنه ورد ضمن الفقرة المتعلقة بحرية التعبير عند القضاة وليس بمناسبة الحديث عن حرية تكوين جمعيات أو نقابات مهنية وبالتالي فإن واجب التحفظ ينصرف أولا إلى ما هو أخلاقي يهم جميع المواطنين وليس فقط القضاة، إذ يجب أن لا يصدر عنهم أي قول مشين ومخل بالأخلاق المتعارف عليها داخل المجتمع، وثانيا ينصرف إلى ما هو مهني خاص بالقضاة دون غيرهم، من قبيل إعطاء رأي في قضية سياسية معينة أو مناصرة فريق على آخر في قضايا من شأنها أن تعرض على القضاء أو الاخلال بالاحترام الواجب للرموز الوطنية وما شابه ذلك بالحرف دون تمطيط، لأن العلة في ذلك كله هو مبدأ الحياد وحتى لايُجرَّح القاضي في حالة ما إذا وصلت القضية التي سبق أن اعطى رأيه فيها إلى القضاء، هذا هو منتهى الأمر وكنهه لا أقل ولا أكثر. أما القول بأن مجرد تقديم المطالب المهنية والدفاع عنها بجميع الأشكال التي لا تتنافى مع القانون بأنه يشكل خروجا عن مبدأ واجب التحفظ، فإن ذلك يبقى محاولة استباقية لزرع التقييدات في النصوص التنظيمية المؤطرة لعمل السلطة القضائية وكذا بعض النصوص الأخرى، ومنها محاولة النص في مشروع قانون الاضراب على منع القضاة من ممارسة هذا الحق (المادة44 من المشروع) فأرى أن الأمر فيه خروج واضح عن التأويل الديمقراطي للنص الدستوري، يتعين تداركه ومع ذلك لنا أمل في المكلفين حاليا بتنزيل مقتضيات الدستور على أرض الواقع في ما يخص السلطة القضائية، لأنهم كانوا حقوقيين قبل أن يكونوا مسؤولين، والله المعين. عبداللطيف الشنتوف (الكاتب العام لنادي قضاة المغرب)

محاولات لإفراغ واجب تحفظ القضاة من فلسفته

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تنقيط القضاة ضمن أولويات تستدعي إعادة النظر

الحوار حول إصلاح العدالة يعتمد مرجعية الخطاب الملكي

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات