أسباب تبرير الجريمة والإعفاء من العقوبة

ليس كل خطر يهدد باعتداء ما يجوز صده بالدفاع الشرعي (الحلقة الثانية) بقلم: الحطاب أبو مسلم* يستفاد من هذه المقتضيات، أن الدفاع الشرعي حق يخوله القانون (استثناء) للشخص الذي يجد نفسه مضطرا إلى مقاومة اعتداء يهدد نفسه أو ماله، أو يهدد نفس غيره أو ماله، وهو المعروف في الفقه الإسلامي باسم «قتل الصائل" استنادا من علمائه وبشكل أساسي، على قوله سبحانه وتعالى في سورة البقرة الآية 194 "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم". وغير خاف أن وصف درء الاعتداء الأول بالاعتداء الثاني في قوله تعالى (فاعتدوا عليه....) هو مجرد "مشاكلة" في الألفاظ، مع اختلاف معانيها، واستنادا أيضا على عدة أحاديث شريفة، لعل أبرزها وأكثرها استيعابا للحقوق التي يكون الدفاع عنها دفاعا شرعيا، الحديث الذي أخرجه أبو داود وصححه الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قــال: "من قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد". ووجه الاحتجاج بهذا الحديث عند رجاله، أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رتب الشهادة عن القتل دفاعا عن هذه الحقوق، دل ذلك على أن للمعتدى عليه، أن يقتل المعتدي ويقاتله. ومن هنا جاءت تسمية الدفاع الشرعي ب "قتل الصائل"، والصائل من فعل صال عليه، بمعنى سطا عليه وقهره وتطاول عليه. ونظرا لاختلاف ظروف الحقوق التي ينصب عليها الدفاع الشرعي، واختلاف الشروط المتطلبة فيه، وتماشيا مع الصيغة التي استعملها المشرع نفسه للتعبير عن بعض أنواع الدفاع الشرعي في الفصل 125، وهي كلمة "تعتبر"، ارتأينا أن نقسم الدفاع الشرعي إلى نوعين، حقيقي واعتباري، ونخصص لكل منهما مطلبا يتعلق به. المطلب الأول: الدفاع الشرعي (الحقيقي) نصت على هذا النوع الفقرة 3 من الفصل 124 الوارد تحت عنوان الباب الرابع من الكتاب الثاني من القانون الجنائي: (في الأسباب المبررة التي تمحو الجريمة) الذي جاء قبله "لا جناية ولا مخالفة في الأحوال الآتية: 3 - إذا كانت الجريمة قد استلزمتها ضرورة حالة الدفاع الشرعي عن نفس الفاعل أو غيره أو عن ماله أو مال غيره، بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء". وإذا كانت هاته الفقرة لم تشترط لإباحة الفعل المجرم إلا أن يكون متناسبا مع خطورة الاعتداء، اعتبارا لأهميته القصوى، وتأثيره العميق في تكييف ذلك الفعل، بالفعل المباح، فإن هناك شروطا أخرى أشار إليها الفقه، ويمكن استنتاجها من الألفاظ والكلمات التي عبرت بها الفقرة (3). وسنتناول بشيء من التفصيل لما أجملناه من الشروط التي يجب توفرها لدرء الخطر، قبل تحوله إلى اعتداء فعلي إذ أن الخطر -هنا- وإن لم يقع بعد، فإنه محتمل الوقوع، وأن الحيلولة دون وقوعه لا تتم إلا بالدفاع الشرعي. لكن ليس كل خطر يهدد باعتداء ما، يجوز صده بالدفاع الشرعي، إلا إذا توفرت في كل منهما شروط معينة: أولا– الشروط التي يجب توفرها في الخطر: 1 - أن يكون الخطر المنشئ للاعتداء حالا، و يكون حالا إذا كان الاعتداء وشيك الوقوع الفعلي لولا تدخل المهدد به لصده، قبل أن يبدأ، كمن يهدد آخر بالقتل (مثلا) و يسارع إلى تعبئة بندقية يحملها بالرصاص لاستعمالها في قتله، حيث يكون الخطر حالا أي أوشك أن يقع، ويكون للمهدد به أن يدافع عن نفسه، ويكون دفاعه دفاعا شرعيا، رغم أن الاعتداء لم يبدأ بعد. و يكون كذلك (حالا) أيضا إذا بدأ و لم ينته، كما في الحالة التي يضرب فيها المعتدي شخصا ضربةً أولى، ويتأهب لضربه ضربةً ثانية أو ....، وهذه الحالة كثيرة الوقوع، و من النادر أن يحتج فيها بالدفاع الشرعي، حيث يدان فيها المعتدي والمعتــــدى عليه بجريمة الضرب أو الجرح المتبادل، ويحكم عليهما بعقوبة سالبة للحرية، وذلك لعدم البحث في الظروف والملابسات التي تم فيها تبادل الضرب أو الجرح لمعرفة مَن كان من الطرفين معتديا، أو كان معتدى عليه، أو كان –على الأقل– في حالة استفزاز، حتى لا يكون المعتدى عليه ضحية مرتين : مرة بجسمه و مرة بحريته. 2 - أن يكون الخطر غير مشروع، أما إذا كان مشروعا، فإن القانون لا يعتد به، ولا يعتبر مبررا للدفاع الشرعي، سواء كان واجبا كما في التبليغ عن الجرائم المنصوص عليها في الفصول 209 و8-218 و378 (ق.ج)، أو مرخصا به، كما في الأحوال المنصوص عليها في المواد 66 و80 و74 و142 و392 من قانون المسطرة الجنائية، المرخص بمقتضاها لضابط الشرطة، أو لمن وقع ضبطه من آحاد الناس في حالة تلبس بجناية أو بجنحة يعاقب عليها بالحبس، أو لمن وقع إيداعه بالسجن من المتهمين أو المشتبه فيهم بأمر من ممثلي النيابة العامة أو قضاة التحقيق، أو المحكمة نفسها، أن يقاوموا ما صدر في حقهم من أوامر تتعلق بفقدهم لحرياتهم، بدعوى الدفاع الشرعي، لأن هذه الأوامر مشروعة قانونا: (وجوبا أو جوازا). هذا، ويلاحظ أن القانون لا يشترط لمشروعية درء الخطر أن يكون صادرا عن شخص ذي أهلية قانونية، لأن معيار وصف الخطر بالمشروعية أو بعدمها، معيارا موضوعيا يسري على القاصر والمجنون، بل وعلى الحيوان أيضا إذا استخدمه صاحبه أداة للاعتداء. ثانيا – الشروط التي يجب توفرها في الدفاع الشرعي إن قوام هذه الشروط أن يكون الدفاع الشرعي ضروريا وملحا للتخلص من الخطر، بحيث لا يمكن تجنبه بوسيلة أخرى، وأن يكون متناسبا مع الخطر. وسنبين وبإيجاز، أهم ما يتعلق بهذه الشروط في ما يلي: 1- حتمية اللجوء إلى الدفاع الشرعي، ويقتضي هذا الشرط أن يكون فعل الدفاع الشرعي هو الوسيلة الوحيدة لدرء الاعتداء. ويحترز بهذا الشرط مما إذا كان من الممكن للمعتدى عليه، وبالسرعة التي تتطلبها ظروفه، أن يحتمي بالقوة العمومية، أو بالمواطنين، ممن يظن بهم إنقاذه، أو كان يكفيه مراوغة المعتدي أو مناورته؛ كأن يكون هذا الأخير في حالة سكر بين، أو يكون معوقا، لا يقدر كل منهما على الحركة. وواضح أن المعتدى عليه إذا قام بصد الاعتداء في مثل هذه الحالة، فإنه لا يكون في حالة الدفاع الشرعي. * دكتور في الحقوق رئيس غرفة (سابق) بمحكمة النقض قــــــــــاض شرفي من الدرجة الاسـتثنائية مـــــــحام بهيأة البيضاء

أسباب تبرير الجريمة والإعفاء من العقوبة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شرطي نصب باسم وكيل الملك

عصابة تهاجم أمنيين ب "لاكريموجين"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات