أعطاب الهيكلة الإدارية للمحاكم

ما زالت تعتمد على مكاتب وشعب أصبحت متجاوزة عمليا بقلم: الجيلالي مكوط * تمتاز الهيكلة الحالية لكتابة الضبط بالمحاكم بجناحيها (الرئاسة والنيابة العامة) من جهة أولى بتقادمها وعدم انسجامها مع ما استجد على المستوى التنظيم القضائي من أقسام وغرف وهيآت، ومن جهة ثانية بعدم قدرتها على مواكبة التطور التكنولوجي الحاصل على أرض الواقع في ما يخص تدبير الملفات والقضايا سواء محليا أو عن بعد وفق إستراتيجية وزارة العدل الهادفة إلى تقديم الخدمات المهنية للمرتفقين عن بعد دون ضرورة التنقل إلى المحكمة، ومن جهة ثالثة بتخلفها عن أساليب وآليات التدبير الإداري والمالي الحديث. إن أي تصور لهيكلة جديدة لهذه الوحدات الإدارية (المحاكم) يجب أن يكون واقعيا يؤخذ فيه بعين الاعتبار التقسيم الهيكلي الحالي، دون أن يغفل تقديم مقترحات ترقى بالأداء المهني الإداري والمالي إلى مستوى الحرفية المطلوبة والذي يجعل منه ناجعا وفعالا في الوقت نفسه. وعليه، فإن الهيأة الوطنية للمسؤولين الإداريين لوزارة العدل وهي بصدد تقديم تصوراتها بخصوص مشروع إعادة هيكلة كتابة الضبط على صعيد المحاكم، جزءا لا يتجزأ من مشروع إعادة هيكلة المصالح الخارجية لوزارة العدل، سوف تنطلق من تشخيص الهيكلة الحالية للمحاكم وأعطابها وتنتهي بتقديم تصور موحد يراعي التطور الكمي والمعرفي الحاصل على مستوى الموارد البشرية لكتابة الضبط، ويأخذ بعين الاعتبار الآليات الحديثة لتدبير الموارد البشرية وتطوير الأداء والمراقبة الذاتية لهذا الأداء، ويؤدي إلى توحيد مكاتب وشعب كتابة الضبط حسب النوع والاختصاص، مما يؤدي إلى تبسيط الإجراءات والمساطر وتسهيل الولوج للخدمة القضائية والإدارية والمالية في آن واحد، تحقيقا في النهاية للغاية المثلى من هذا التصور ألا وهي تقديم خدمة قضائية وإدارية ومالية للمرتفق بأقل جهد وأسرع وقت وأجود الطرق. وفي قراءة أولية للتنظيم الهيكلي لكتابة الضبط على صعيد المحكمة يظهر أنه يمتاز بتقسيمه إلى جناحين : جناح الرئاسة (كتابة الضبط) وجناح النيابة العامة (كتابة النيابة العامة)، ويعتبر هذان الجناحان في حكم مصالح بالإدارة المركزية باستثناء مدن الدار البيضاء والرباط ومراكش وفاس ومكناس التي تعتبر بمثابة أقسام بالإدارة المركزية، كما أن كل مصلحة من المصلحتين تقسم إلى مكاتب ذات صبغة إدارية : المكتب الإداري، ومكتب الضبط والإحصائيات، ومكاتب تستند في تقسيمها على الغرف المحدثة بالمحكمة وتسير وفق تقسيمها. وعموما، فإن هذه الهيكلة ما زالت تعتمد على مكاتب وشعب أصبحت متجاوزة عمليا وتم تعويضها وفق الهرم الهيكلي الواقعي بمكاتب وشعب ذات تسميات جديدة، والمثال يصدق على : مكتب الجنايات على مستوى محاكم الاستئناف الذي لم يعد يضم فقط شعبة الجنايات للرشداء وشعبة الجنايات للأحداث، بل أصبح يضم كذلك شعبة جرائم الأموال وشعبة الجنايات الاستئنافية وشعبة التنفيذ الزجري التي عوضت بوحدة التبليغ والتحصيل، وشعبة الحالة المدنية التي لم تعد من مكونات المكتب المدني وأصبح مكتبا مستقلا ضمن هيكلة أقسام قضاء الأسرة، ومكتب الإفلاسات والتصفيات والتسييرات القضائية بالمحاكم الابتدائية الذي عوض بمكتب صعوبات المقاولة بالمحاكم التجارية، إلى غير ذلك من المكاتب والشعب التي أصبحت متجاوزة في وقتنا الراهن. كما أن هذه المكاتب والشعب تمتاز بعدم انسجامها من حيث التقسيم وبعدم توحيدها وفق الأداء الوظيفي النوعي الذي يجمعها، فمثلا المكاتب ذات الصبغة المالية : الصندوق ووحدة التبليغ والتحصيل وشعبة المحجوزات ينبغي أن توحد في مصلحة ذات طابع مالي، والمكتب الجنحي بشقيه (الرئاسة والنيابة العامة) يجب أن يوحد في مصلحة جنحية، وكذلك الأمر بالنسبة للمكتب المدني، وتدبير النسخ والأرشيف إلى ما إلى ذلك من المكاتب والشعب ذات الوحدة في التخصص ونوعية العمل. وهكذا، فإن منشور 1979 المتعلق بهيكلة كتابة الضبط أضحى غير مواكب للتطور النوعي الحاصل على صعيد تدبير مصالح كتابة الضبط وكتابات النيابة العامة بالمحاكم، سواء على مستوى آليات التدبير الحديث (لوحات القيادة والتدبير بالأهداف) أو على مستوى رقمنة الإجراءات في أفق اعتماد الملف الإلكتروني، كما أنه لا يستحضر آليات التدبير الإداري والمالي الحديث من تحليل المعطيات ومراقبة الجودة وتقييم الأداء والتنظيم والتواصل الداخلي والتدبير التوقعي، وهي كلها آليات جديدة للتدبير الأمثل للمرفق العام. وعلاوة على ذلك، فإن القرارات الإدارية والمالية ما زالت ممركزة بيد المسؤول القضائي باعتباره المشرف حاليا على الوحدة الإدارية سواء كانت رئاسة أو نيابة عامة، رغم استقلال السلطة القضائية وانفرادها بمجلس أعلى للسلطة القضائية وبمؤسسة رئاسة النيابة العامة، وهو الأمر الذي يستوجب في احترام تام للمبدأ الدستوري المتعلق بفصل السلطة في إطار التعاون والتوازن أن ينصرف أعضاء السلطة القضائية بالمحاكم إلى البت في الملفات المعروضة على أنظارهم وأن يقتصر دور المسؤولين القضائيين على الإشراف القضائي على القضاة العاملين تحت إمرتهم، وتتبع ومعالجة المساطر القضائية التي تدخل في صميم اختصاصهم، وأن يخففوا من الثقل الملقى على عاتقهم ويسندوا الإشراف الإداري والمالي المتعلق بالموظفين إلى المسؤولين الإداريين باعتباره اختصاصا أصيلا لهم. لذلك، فإن أهم ملاحظة تستحضرنا ونحن بصدد دراسة واقتراح هيكلة حديثة لهيأة كتابة الضبط بمختلف محاكم المملكة أنها لا زالت تعتمد نسقا عموديا هرميا لتوزيع الأشغال يتبع توزيع الغرف داخل المحكمة وفق ظهير التنظيم القضائي المغربي الحالي، وهو ما جعل منها هيكلة متجاوزة وتقليدية لا تستجيب لمتطلبات التدبير الإداري الحديث للمرافق العامة للدولة وفق توجهات صاحب الجلالة في خطابه الأخير لعيد العرش لسنة 2017 والذي جاء فيه :" وتزداد هذه المفارقات حدة بين القطاع الخاص الذي يتميز بالنجاعة والتنافسية بفضل نموذج التسيير القائم على آليات المتابعة والمراقبة والتحفيز، وبين القطاع العام وخصوصا الإدارة العمومية التي تعاني من ضعف الحكامة، ومن قلة المردودية". على أن معالجة الهيأة الوطنية للمسؤولين الإداريين لوزارة العدل لمعضلة البنية التقليدية المتجاوزة والمَرْكَزَة المفرطة للقرارات بيد المسؤولين القضائيين بالمحاكم ستنطلق أولا من تقديم تصورات واضحة تشكل أرضية مثلى للتصور الهيكلي لهذه الوحدات الخارجية، قبل أن نقدم تصورا شاملا لجميع مكونات هذه الوحدات في شكل هيكل تنظيمي إداري. الكاتب العام للهيأة الوطنية للمسؤولين الإداريين لوزارة العدل

أعطاب الهيكلة الإدارية للمحاكم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

البـراءة لوالـد الطفلـة المتوفاة بالمستشفى

10سنوات لهاتك عرض معاق

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات