تفاصيل مجزرة حشادة

ضحايا وأقاربهم يروون لحظات جحيم وسط إطلاق عشوائي للرصاص يحال الأستاذ المتقاعد، مرتكب مجزرة دوار حشادة بأزرو، اليوم (الأربعاء) على الوكيل العام باستئنافية مكناس، بعد اعتقاله من قبل الدرك الذي استنفر عناصره لمقاومته لها قبل إصابته برصاصة في يده تلقى العلاج من جرحها، ما سهل السيطرة عليه، ليحقق معه لفك لغز وأسباب هذه الجريمة التي خلفت ثلاثة قتلى وخمسة جرحى أغلبهم ما زالوا بالمستشفى. إعداد: حميد الأبيض - تصوير: أحمد العلوي لمراني (موفدا "الصباح" إلى أزرو) الغموض يلف ظروف هذه الفاجعة الحقيقية التي عاشتها تلك الأسر ووقفت عليها "الصباح" في زيارتها للدوار الذي شيع أول أمس (الاثنين) أول ضحايا المعلم القناص في انتظار تشييع الضحية بدر وصهره بعد حضور أخيه المهاجر. كان المعلم عازما على إبادة كل جيرانه، والسر مكنون في صدره في غياب مبرر معقول أو مشاكل مستفحلة أو خلافات معهم. جنازة رجل الساعة الثامنة من مساء أول أمس (الاثنين)، حشود بشرية كبيرة مرابطة بمدخل مقبرة حشادة، وسط حراسة أمنية، في انتظار جثمان أحد ضحايا مجزرة ارتكبها معلم متقاعد. في باب المقبرة صلي على جنازة رجل لم يكن إلا "حسن" صاحب مشتل للورود والأغراس، جبل على الخير وأغرق معارفه فيه، قبل أن يخطفه الموت برصاصة غادرة في طريق عودته وصديقه لمنزله على متن سيارته، بعدما اقتنى لأسرته حاجياتها من الخضر والفواكه، دون أن يكتمل فرحه بلقاء متجدد مع زوجته وأبنائه الثلاثة في ليلة اغتصب فيها في حياته. الدموع عنوان مشترك في وداعه ليس فقط من أهله، بل كل من عرفه وعايشه للخير متوخيا ولماء بئره عارضا لكل ذي حاجة إليه للسقي أو الشرب، وحتى بين أفراد القوات العمومية المؤمنين للجنازة. أحدهم عانق ابنه الأكبر لينخرطا في بكاء هستيري حرك مشاعر كل من عاين مشهدا لا تمثيل فيه، كما عبارات مواساة أهله. مات حسن في نهاية عقده الرابع، برصاصة غادرة أصابته في فكه، وجرحت مرافقه، بعدما تحاشى بعودته للوراء، سيلا من الأعيرة على سيارته التي ظل محركها مشغلا طويلا، وتحول هيكلها إلى غربال بثقوب متفاوتة الأحجام والإيلام، لما كان عائدا إلى دياره حالما بليلة يبادل فيها أبناءه الضحك والمرح والتنكيت وسعادة أجهضت بعنترية معلم اصطاد حلمه. استهان حسن بتحذير مرافقه الناجي بعد تلقيه مكالمة هاتفية من زوجته تشعره بخطورة العودة عبر تلك الطريق، لعلمها بالمجزرة التي ارتكبها المعلم في حق جيرانه بدوار آيت يحيى أوعلا. "وايلي واش السيبة فالبلاد" هكذا كان رده كما روى ابن أخته في حديثه ل"الصباح"، مؤكدا أن المعلم المتربص بالمارة، "أطلق الرصاص عليه بمجرد اقترابه منه". دقة التصويب احتمى المعلم وسط الأغراس، دون أن يظهر للعابرين في ممر مضاء بمصباحين، الذين يراقب حركاتهم وسكناتهم، مترصدا كل عابر للطريق قريبا من منزله الذي يعيش فيه وحيدا بعد أن طلق زوجته، دون أن يسلم أحد في تلك الليلة، حتى كلب قتله أثناء احتمائه وصاحبه وراع، في سطح منزل حول بابه الرئيسي ونافذتين لغرابيل بثقب بعضها بدا كبيرا. خبرته في القنص والرماية، جعلته لا يخطئ أهدافه، رغم إطلاقه العشوائي للرصاص ليلا وبمكان بإضاءة ضعيفة، إذ لم يمكث بمكان محدد، بل تنقل بين أماكن مختلفة كلها محيطة بمنزله الغارق في فوضويته سيما من خارجه حيث الحشائش عنوان لمحيطه الكاشف طبيعة حياته منعزلا وانطوائيا، لا يخالط الناس ويتحاشى محادثتهم وحتى رد السلام أحيانا. "كان يطلق الرصاص على كل عابر للطريق" يقول الجمعوي حميد مرشيش الذي عاش بدوره دقائق في الجحيم، بعد أن حضر تلبية لدعوة صديقه الحميم العامل المغربي المهاجر الذي هاتفه من لندن طلبا لتنقله إلى منزل عائلته لاستقصاء حقيقة ما تعرضت إليه، بعدما قتل اثنان منها وجرح ثلاثة بينهم شقيقتاه وعمه الذي نقل للمستشفى الجهوي محمد الخامس بمكناس. لما حضر مرشيش كان حسن سائق البيكوب الخضراء غادر لدار البقاء، ومرافقه يتألم والدم ينزف منه. عبثا حاول إنقاذه، لكن المعلم استهدفهما، وأرغمه على العودة أدراجه، في وقت كانت أخت صديقه هائمة بين القصب تبحث عن منفذ تتخلص عبره من موت وشيك يداهمها بعدما خطف زوجها طارق سائق سيارة الأجرة الصغيرة بأزرو، منها قبل دقائق من ذلك. نجاة زوجة "كان في قمة النشاط والفرح، في جلسته مع زوجته وابنيه يشربون الشاي بالحديقة. مازحني بعد عودتي وأمي من أزرو" تسترجع أخت بدر لحظات سبقت خروجه لسقي أشجار خلف المنزل، لتتعقبه الزوجة قريبة المعلم المتقاعد بطل هذه الفاجعة، قبل أن يسمع صراخها ودوي رصاصة لم يظن أحد أنها في "جنب" زوجها وأب ابنيها، الثلاثيني. عبثا حاولت الزوجة لابسة البياض حاضنة ابنيها بمدخل الغرفة، مغالبة دموعها المنهمرة، في حكيها عن مشهد لا ولن تتمناه امرأة، خاصة لما سقط بدر أمامها يصارع الموت، وبعد أن صوب العم إليها بندقيته، ساخرا بقوله "وافين المخزن ديالكم" ومدخنا سيجارته في نشوة غريبة متربصا بأخت زوجها المصابة، وكأنه يتفنن عن سبق إصرار، في التمثيل بهم وبكرامتهم. متهم منطو لم يكن اعتقال المعلم الستيني، سهلا، بل تطلب تعزيزات أمنية لإحكام السيطرة عليه، بعدما أبدى مقاومة شرسة لعناصر الدرك وأطلق النار عليها، قبل أن يتلقى رصاصة أصابته في يده بعد ساعات ارتكب فيها مجزرة لن تكفي جميع العقوبات الرادعة في محو أثرها على عائلات فجعت في أقاربها في ليلة هادئة، عكر فيها الجاني صفاء القرية. 15 دركيا ا جندوا لاعتقاله بعدما ترجلوا من سيارات الدرك تحت جنح الظلام، ليحاصروه قريبا من منزله ويحولوا دون رفعه حصيلة المجزرة التي لم تعرف دوافعه لارتكابها، في غياب مبررات مقنعة، خاصة أمام نفي عائلات الضحايا لأي نزاعات معه، اللهم مما قالته بعض المصادر من احتمال علاقة انتقامه، بشكوكه في الوشاية به لصيده الخنزير عشوائيا. "ما عمرنا تقابلنا معاه أو تعايرنا. كل واحد شاد تيقارو. مخليونو طرانكيل، وعلاقتنا مزيانة مع حبابو" تحكي قريبة ضحية نفت وجود عداوة معه، ودليلها حضور طليقته وابنته لتعزيتهم، ما أكدته عدة شهادات استقتها "الصباح" بالمكان، كلها أجمعت على انطوائه وعدم اختلاطه بالناس، إلى درجة أنه لا يرد السلام على كل من يحييه، إلا نادرا. ويؤكد بعض شباب المنطقة أن المعلم الذي كان ماهرا في الرمي ويحتل الريادة في مختلف المسابقات المنظمة في المجال، كان لا يحضر إلى منزله إلا في العطل، ولما تقاعد وطلق زوجته وعاش وحيدا لدرجة أن جيرانه كانوا لا يرونه إلا قادما بسيارته أو مغادرا في اتجاه مجهول دون أن يخالط أحدا منهم، أو يتبادل الزيارات وصلة الرحم حتى في الأعياد الدينية. طارق البشوش حضر الزوجان لما كان المتهم يحاول إتلاف قفل باب منزل عائلة الزوجة، لاقتحامه والإجهاز على ما تبقى من أفراد العائلة، بعدما قتل بدر الثلاثيني وأصاب أخته وعمهما. كانت الأم وابنا بدر وزوجته، منبطحين بالداخل دون حركة، خوفا بعدما جرب الطواف بالمنزل وإطلاق الرصاص من النوافذ. جرب طارق السائق البشوش المتزوج بدون أبناء، حيلا لإقناع المعلم بالكف عن إيذاء عائلة زوجته، لكنه تلقى رصاصة أقبرت حقه في الحياة ليسقط ممرغا في دمائه قريبا من ساقية الماء، دون أن تسلم زوجته من بطش قاتله الذي لاحقها مصوبا إليها عدة طلقات أصابتها في صدرها ويدها وأطرافها، قبل نقلها إلى المستشفى من طرف صاحب دراجة نارية. لم تعثر على منقذها رغم طرقها أبواب الجيران الخائفين، وأتقنت لعبة "قطع الأنفاس" إيهاما بالوفاة، لدرء شر قناص قتل أخاها وزوجها. تخفت وسط القصب وجربت الزحف في اتجاه كل المنافذ الممكنة لخلاصها وتحاشت الإجابة عن مكالمات عائلتها من الداخل والخارج، في سبيل نجاتها على يد شاب قاده القدر إليها في ليلة عاشتها في جحيم انتظار النجاة. حالة زوجها طارق الغارق في دمائه وصورة أخيها بدر الميت بالساقية، أدمت قلبها وأنستها معاناتها، هاربة من مصير لا تتمناه امرأة في عز شبابها، وشبح الموت يداهمها في صورة معلم اصطاد ضحاياه الواحد تلو الآخر، دون شفقة لحالهم وحال أبناء سيعيشون يتامى محرومين من الآباء والحنان، في وقت حاجتهم الماسة إليهم في عمر قد لا يعون فيه بشاعة الفاجعة.

تفاصيل مجزرة حشادة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المديرية العامة للضرائب تطلق شهادات إلكترونية جديدة

لقجع: رونار باق معنا

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات