بني ملال … عاصمة “الصهد”

المسبح الوحيد تم الحجز عليه وعين أسردون فضاء لانتعاش الفوضى والسكان حائرون إنجاز: خالد العطاوي (موفد الصباح إلى بني ملال) "عاصمة الصهد" ليس عنوان رواية خيالية أو فيلم سينمائي مشوق، بل هي مدينة تحضنها جبال الأطلس، ويعبث بها المنتخبون بوعودهم... مرة فكر الفرنسيون في اختيار بني ملال عاصمة للمغرب، لكنها، الآن، عاصمة "للصهد" فهي أشبه بقرية كبيرة: بنايات عشوائية وأتربة ونفايات في فضائها السياحي الوحيد، وغياب كل وسائل الترفيه والاستجمام، رغم أن المدينة تشهد حرارة مرتفعة جدا صيفا، تدفع شبابها إلى الاستجمام في الأودية لغياب المسابح... قصة معاناة المدينة ترويها "الصباح"، كما عاشتها في نهاية الأسبوع الماضي، لتذكر المسؤولين أن هناك مواطنين "خارقون" تستطيع جلود أجسادهم ورؤوسهم مقاومة درجات حرارة قياسية. عبث مراهقون بلوحة لتحديد السرعة، عند مدخل بني ملال، فاللوحة التي كانت تُحدد السرعة القصوى للسيارات في 60 كيلومترا في الساعة، أصبحت تشير إلى 600 كيلومتر في الساعة... وفي ذلك رسالة إلى الزائرين، لا يفكون شفرتها، إلا بعد قضاء ساعات داخل المدينة. في مدخل المدينة، أيضا، أوراش قنوات الصرف الصحي "تعبث" بالإسفلت، وأكوام التراب وآلات الحفر تعيق حركة السير، ولوحات إشهارية تخفي "بؤس" المدارة الرئيسة... رسائل تحذر الزائرين من الاختناق، في حال اعتقادهم، أنهم يزورون "جنة" طبيعية، فبني ملال التي فكر الفرنسيون، في مراحل تاريخية سابقة، بجعلها عاصمة للمغرب، أصبحت، الآن، عاصمة ل"الصهد" يذوب تحت أشعتها الملاليون، ويتوفى شبابها في أوديتها الخطيرة، في غياب مسبح ومنتزهات تنعشهم من الحرارة المفرطة. عاصمة الحرارة لا يُحتسب الزمن في بني ملال بالثواني والدقائق، وربما فهم العابثون بلوحة تحديد السرعة بأن الزمن في بني ملال لا معنى له إطلاقا، فعقارب الساعة تتوقف أمام الحرارة المرتفعة وغياب فضاءات الاستجمام، ومعاناة الأطفال والشيوخ في مدينة تصبح صيفا مثل الجمرة المتقدة. الحياة في بني ملال، صيفا، بطيئة ومملة وبائسة، والشمس الحارقة تجبر سكانها على الالتزام بعادات تنفرد بها بين باقي مدن العالم، و"جبروت" الشمس والطقس الجاف" أشد وطأة من الصحارى يدفعهم إلى التكيف بطريقتهم الخاصة. يحكي عبد الكريم، أحد سكان حي باب الفتوح"، عن البرنامج اليومي لأغلب قاطني المدينة، وقال متهكما: "نستيقظ صباحا باكرا حين تلفح الشمس أجسادنا، ثم نتوجه لقضاء الأشغال، قبل أن تتوسط الشمس كبد السماء، وحين تصل الساعة منتصف الزوال تدوي "صفارات الإنذار" معلنة حظر التجول، فيختفي سكان في منازلهم، حتى أنك تشعر أن المدينة خالية أو يتعرض سكانها للإبادة، ولا يظهرون، إلا بعد أن يرخى الليل سدوله، فيجلسون في المقاهي أو يتبادلون الزيارات"... وهكذا دواليك. تحدت "الصباح" طقوس الملاليين، وقررت القيام بجولة في شوارعها، في حدود الساعة الثالثة بعد الزوال، ويا ليتها ما فعلت، فالشوارع الرئيسة خالية، وكراسي المقاهي ضجرت من غياب زبنائها، فجمعها البعض في انتظار حلول الزبائن ليلا، ومحلات البقالة والمواد الغذائية مغلقة تماما، وأضواء إشارات المرور تنتظر سائقين علها تطرد الرتابة لغيابهم. وحدهم بضعة رجال أمن المرور يقفون، في المدارات، لفحت أجسادهم الشمس الحارقة، فتغير لون بشرتهم ليبدو أكثر سمرة. في الثالثة بعد الزوال، لا طيرا في السماء ولا إنسا يمشي في شوارع بني ملال، والمضطرون منهم إلى الخروج، يظهرون فجأة، ثم يختفون بسرعة، مثل الأشباح، وإذا صادفت أحدا، فاعلم أنه غريب عن المدينة أو تائه يبحث عمن يسعفه بقطرة ماء تنقذ حياته. أحيانا، يواصل عبد الكريم، تسجل مقاييس الحرارة 52 درجة، وتشبه المدينة صحنا حديديا كبيرا يطبخ فوقه السكان، فيخلي أغلبهم المدينة، هربا من "الصهد"، علما أنها لا تتوفر على مسبح عمومي، أو حدائق عمومية تغري بالاستظلال بأشجارها أو فضاءات الترفيه لاستقبال الأسر من ذوي الدخل المحدود، أو حديقة ألعاب تنسي الأطفال ضيق يد معيلهم... وحدها "عين أسردون" تمتلئ بالباحثين عن الانتعاش، لكنها غرقت، بدورها، في الفوضى والتلوث ومصادرة مياهها. أودية الموت تتشابه حكايات الصيف في بني ملال كل سنة، ويحصي السكان قتلى الأودية. ولأن الحاجة أم الاختراع، فإن سكان المدينة، خاصة ضواحيها، يفرون، بسبب ارتفاع درجة الحرارة وغياب المسابح، إلى الأودية المجاورة للسباحة والاستمتاع بالمياه المتدفقة من أعالي جبال الأطلس، بعيدا عن وعود منتخبين فشلوا في الحفاظ على مسبح وحيد، وتركوهم يواجهون "الشمس" وحرارتها. اضطرت وكالة الحوض المائي لأم الربيع، خلال الأسبوع الماضي، إلى إطلاق حملة تحسيس حول مخاطر السباحة في مجاري الأودية وحقينات السدود ببني ملال، فالوكالة فطنت إلى أن الأودية تعتبر ملجأ الملاليين لطرد "خمول" الصيف من أجسادهم، رغم أنها تشكل خطرا على أرواحهم، خاصة أمام استحالة مراقبة العدد الكبير من الأودية، وضعف الامتثال لعلامات التشوير، ولجأت إلى توزيع منشورات على السكان وتثبيتها في الأماكن العامة، للفت انتباههم إلى المخاطر المحتملة بسبب السباحة في هذه المياه. لا يعبأ الشباب بكل تلك الحملات، فالرغبة في السباحة تغريهم، يقول عبد اللطيف محامد، شاب اعتاد التوجه إلى عدد من الأودية، فالأولى، حسب المتحدث نفسه، أن تفتح الجماعة أبواب المسابح، بدل تحذيرهم، مشيرا إلى أن الرغبة في الاستمتاع بالصيف تدفع الشباب إلى المخاطرة بحياتهم، وأغلبهم يدركون أن الأودية والبحيرات قاتلة، ففي السنة الماضية أزهقت أرواح الكثيرين، أما خلال السنة الحالية، فالعدد يصل إلى أربعة أشخاص لقوا حتفهم غرقا. خطورة تلك الوديان أنها توحي لمرتاديها، من خلال النظرة الأولى، بأنها آمنة ويمكن السباحة فيها، حسب الحملة التحسيسية، إلا أنها تحتوي على كميات كبيرة من الأوحال والعوائق، وتعد سببا رئيسيا في غرق الكثيرين، إذ تجذبهم إلى الأسفل، فلا يكون بمقدورهم الصعود إلى الأعلى، حتى وإن كانوا أشخاصا بالغين أو سباحين ماهرين.كما تكمن خطورتها في كثافة مياهها وعمقها الذي يتجاوز في بعض الأحيان 100 متر، كما أن جنباتها غير مهيئة، ولا تسمح بولوج سهل للمياه، إضافة إلى أن قعر الأودية يحتوي على أوحال وعوائق... لكن لم أغلق المسبح الوحيد أبوابه؟ الحجز على مسبح بني ملال قصة مسبح بني ملال عنوان الفشل في التسيير الجماعي، هكذا يعلق كل من سألتهم "الصباح"، فالمسبح أصبح ملكية شخصية لدائن عجز المجلس البلدي عن تسديد مستحقاته التي تصل إلى 15 مليون درهم، مما دفعه إلى اللجوء إلى القضاء، فصدر حكم نهائي من المحكمة لصالحه، ولجأ إلى إجراءات الحجز التي تقضي بحيازة المرفق العمومي " المسبح البلدي" الذي تخترقه ساقية قديمة ومساحته 83 سنتيارا، ويتكون من أرض يوجد بها مسبح وبناية تقليدية ومستودع للملابس، وصهريج للماء. باشر الدائن كل الإجراءات القانونية ونجح في تحويل شهادة الملكية لفائدته مستغلا إفلاس المجلس وعوامل كثيرة يرويها السكان، مما يعني حرمان أطفال وشباب بني ملال من مرفق عمومي هام كان يوفر الراحة والاستجمام، سيما أن درجات الحرارة تصل مستويات قياسية، فيضطرون إلى السباحة في الأودية غير المحروسة، وتعرضهم للغرق في غياب وسائل الإنقاذ. لا يثق سكان المدينة، في وعود المنتخبين، أو هكذا خلصت "الصباح" حين استماعها لعدد من السكان، فالمجلس البلدي سبق أن وعد بتشييد "مسابح القرب" في الحملات الانتخابية السابقة، ناهيك عن وعود بإحداث مسابح في إطار شراكة مع الجماعات الترابية، والحقيقة أن مدنا صغيرة وجماعات قروية، قريبة من المدينة، تتوفر على مسابح عمومية، في حين أن شباب وأطفال بني ملال يكتوون بسوء تدبير ممثليهم في المجلس. عين أسردون مرحى بالفوضى اعتاد سكان بني ملال وزوارها صيفا على الهروب من أشعة الشمس الحارقة إلى أحضان مياه وطبيعة عين أسردون، إلا أن هذه الجوهرة الطبيعية الخلابة لم تسلم من العبث، كما عاينت "الصباح"، نهاية الأسبوع الماضي. كراس اقتلعت من أمكنتها دليل على غياب الصيانة. غياب تام للحراس، والحدائق تموت عطشا، رغم أن جداول المياه لا تبعد عنها إلا بأمتار قليلة، وروائح نتنة ونفايات وأكوام الأزبال في كل مكان... إنها الجوهرة التي أصبحت نقمة لمن يفكر في زيارتها. "أصحبت عين أسردون مهددة بالانقراض"، يروي شيخ جلس قرب منبع العين، فالفوضى في كل أرجائها، أطفال يتسابقون لبيع سلع مجهولة المصدر، وبائعي الفواكه في الممرات والتذكارات يحتلون كل الأمكنة، ولا أحد يتدخل لإنقاذ العين من العبث. في أسفل العين، أيضا، لم يكتف الباعة باحتلال الممرات، بل استولوا أيضا على الوادي، فشيدوا "أسرة حديدية" فوق الجداول، في مشهد مقزز يبعث على الأسى لكل من عاين وديان العين قبل عدة سنوات، ناهيك عن سطوة كل أنواع الباعة الجائلين الباحثين عن مصدر رزق، ولو بتشويه معالم العين، فهناك مقاه عشوائية شيدت بالحديد والأخشاب ومطاعم غريبة و"الفراشة"، والكل يتخلص من نفاياته في الوادي الصغير. لا أحد يتدخل لإعادة الروح للعين الوحيدة بالمنطقة، بل إن الوضع يزداد سوءا أمام عرض لحوم غير خاضعة للمراقبة، وآخرون يمارسون سطوتهم في غسل السيارات عنوة، ورائحة المخدرات التي تفوح من كل الزوايا وتجبر من فكر في التنزه بالحدائق المتبقية إلى الفرار خوفا على نفسه من "التشرميل"، خاصة أن الفضاء نفسه شهد حالات اعتداء عديدة. يقول زائر إن "العين" فقدت بريقها، فكل من زارها مرة واحدة يرفض العودة إليها، فهي مهددة بانجراف التربة واقتلاع الأشجار والتلوث وغياب قنوات الصرف الصحي، أمام لامبالاة الجهات المسؤولة التي لا تفكر في تشجيع السياحة الداخلية وجعل عين أسردون متنفسا للسكان. ركود سياحي "قاتل" تعرف بني ملال والمناطق المجاورة لها طقـــسا قاريا حارا تتراوح حرارته ما بين 38 درجة و44 . الشيئ الــــذي يجعل سكان المدينة، خاصة العتيقة، يهجرون منازلهم للبحث عن أماكن باردة، مثل المدار السياحي لعين أسردون الذي يقضون به وقتا طويلا من الليل إلى حدود الخامسة صباحا. وتنضاف هذه المشاكل إلى إغلاق المسبح البلدي الذي تم الحجز عليه بسبب الديون المتراكمة على المجلس البلدي، إذ يحرم شباب وأطفال المدينة من السباحة، ومن يرغب في ذلك عليه التوجه إلى مسابح محطات الاستراحة الموجودة بمخارج المدينة، والتي يفوق سعر الدخول إليها 100 درهم. فبني ملال تعيش في الصيف شبه ركود، فعلاوة على ما سبق فالمدينة خالية من المهرجانات الثقافية والفنية التي تجلب المصطافين وتساعد على الرواج التجاري والاقتصادي، فحتى التسعينات كانت المدينة تعرف حركة كبيرة بسبب تنظيم الأيام الثقافية والسياحية لعين أسردون التي كانت تستقطب فنانين وأدباء ورياضيين. المشكل نفسه تعيشه المدينة على المستوى السياحي، إذ نجد وكالة واحدة بالمنطقة تروج منتوج بين الويدان، وتفرض على المشاركين المبيت بأحد فنادق المدينة وزيارة المعالم السياحية ومعامل الزيتون، كما أن أغلب الوكالات السياحية الموجودة بالمنطقة تسير من قبل أصحاب "الشكارة"، وليس لها مديرون حاصلون على تصاريح من الوزارة الوصية . والركود الذي تعرفه المدينة يساهم فيه عدم اهتمام الجهات المعنية بتسويق منتوج المنطقة السياحي، وتوقف نشاط المجلس الجهوي للسياحة نتيجة بعض الاختلالات في التسيير، واستقالة رئيسه، كما أن لجنة السياحة بالجهة غير مهتمة تماما بالمجال السياحي رغم أن الجهة تتوفر على مناطق سياحية، مثل شلالات أوزود التي أصبح صيتها عالميا، وعيون أم الربيع بمنطقة خنيفرة وحفريات خريبكة ، إضافة إلى بني ملال التي تزخر بمياه عين أسردون والطبيعة الأيكولوجية وجبال الأعشاب. فالمطلوب اليوم تضافر جهود جميع المسؤولين بالمنطقة من أجل النهوض بقطاع السياحة، حتى يتسنى إنعاش اقتصاد وسياحة الجهة.

بني ملال … عاصمة “الصهد”

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

عسكري يتاجر في "القرقوبي"

تهمة ابتزاز "العمران" تلاحق برلمانيين

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات