مشاهد سخط واحتجاج داخل مقاطعات البيضاء

إضرابات الجماعات المحلية تساهم في تعطيل مصالح المواطنين وترفع أعداد طوابير الانتظار تقف راضية مشدوهة، مترددة، تتأفف بما يشبه الهمس، قبل أن تفصح عما يدور في رأسها، "واش نتسناو ولا نمشيو لمقاطعة أخرى؟"، يأتيها الرد سريعا من فم مرافقها، "كلهم بحال بحال، وقفي تما نمشي نشري التانبر"، تخاطبه امرأة أخرى من الطابور، "كلها مكتظة، مررت باثنتين وأرشدوني إلى هذه فهي على الأقل منظمة". وباستسلام عنيد تقف راضية في آخر الصف، وهي تتمتم بعبارات ساخطة. يتكرر المشهد مرارا، مع أحمد وعلي وفاطمة والجيلالي وأنور ورابحة وسعيد وفرح ومروان، وكلها أسماء مفترضة لمواطنين غير افتراضيين يواجهون يوميا محنة الطابور في مقاطعات الدار البيضاء، خاصة في حي المعاريف، حيث يفد مواطنون من ولاية الأمن وإدارات أخرى قريبة تحيلهم على هذه المقاطعات للمصادقة على وثائق تنقص ملفاتهم، ويكون أمامهم وقت ضيق للعودة إلى الإدارات المعنية.راضية مهاجرة مقيمة بفرنسا، اكتشفت وهي في ولاية الأمن لإيداع ملف طلب وثيقة الإقامة لزوجها فرنسي الجنسية أن ملفها "ناقص"، وهذا ما أخبرها به موظفو القسم الخاص بملفات بطائق الإقامة، "رغم أنني زرتهم قبل إيداع الملف وطلبت منهم تحديد نوع الوثائق المطلوبة مني، لأنه لم يبق أمامي وقت طويل من أجل العودة إلى فرنسا، وفي الوقت الذي توقعت أن أتلقى إرشادات جيدة، تلقيت معلومات ناقصة، لذلك ما أن أحضرت الملف مع زوجي لإيداعه اكتشفت أنه ناقص، وأن علي المصادقة على وثائق أخرى". تقول راضية، بيأس.قبل أن تغادر ولاية الأمن استفسرت أحد العاملين بها، إن كانت هناك أي مقاطعة في محيد الولاية، كي لا تضطر إلى العودة إلى سيدي عثمان حيث صادقت على الوثائق الأولى، "لو تدرين كم عانيت لأصادق على بضع وثائق هناك، وكم هدرت من أموال لأحصل على شهادة سكنى لأن المقدم بدأ يتلاعب بي، ولأني لم أعرف كيف أتصرف فقط استسلمت له، وخضعت لابتزازه، إلى أن حصلت على الوثائق". راكمت راضية السخط والسخط والسخط، فيما كان رفيقها يحاول تهدئتها، ويشير عليها بضرورة الصبر، "أخشى أن أعود إلى الولاية وأجد موظفي القسم غادروا مكاتبهم، أو أن يكون مكتظا هو الآخر، فالإدارة في بلادنا لا تحترم المواعيد ولا يمكن أبدا ضمان وجود الموظف في مكتبه في الوقت المناسب".يمر الوقت بطيئا، يظهر الموظفون من وراء زجاج شفاف غير معنيين به، يمررون الوثيقة وراء الأخرى بشبه تثاقل، أحدهم يسأل مواطنا "من اختار هذا الاسم لابنتك؟"، يرد عليه المواطن بغضب "واش شغلك؟"، يتبادل المواطنون المتراصون في صف طابور لا ينتهي، النظرات باستغراب، بعضهم يعلق "فعلا ما دخله في من اختار الاسم". يسأل آخرون عما وقع، ويضيع الوقت، ينسكب من بين يدي الموظف كالرمل، فيما يحاول المواطنون الإمساك به، "وا عباد الله والربعا قريبا، غادي يخرج ويخلينا".بالكاد تمرر راضية وثيقتها من فتحة الزجاج الشفاف، تتلقى من الموظف سؤالا سريعا، "أين هي الأصلية؟"، تبحث بيدين مرتجفتين في ملف، قبل أن يسقط منها وتتبعثر الأوراق تحت أقدام المتراصين في الصف، ليزداد غضب راضية "يا على زهر....."، يساعدها البعض في تجميع الملف من جديد، فيما يعتبر البعض الآخر ذلك تضييعا جديدا لوقتهم. مواطن آخر يحتج، لأنه مضطر إلى ترك الطابور والبحث في مكتب صغير مجاور عن تمبر، بدل ذاك الذي سبق أن اقتناه بالفعل، خاصة عندما يعلم أن ثمن الثاني يصل إلى 20 درهما، ويزداد غضب المحتج نفسه لأن وثيقته تتعلق بالتزام وموافقة على إجراء عملية جراحية لطفلته، ويشتكي قلة إمكانياته المالية وحاجته الماسة إلى كل درهم، "الذين يصادقون على وثائق المشاريع الكبرى لا يؤدون إلا درهمين وأنا أدفع 20 درهما؟".لا تنتهي احتجاجات المواطنين، ولا ينتهي الصخب وسط القاعة ولا داخل الطابور، ببساطة لأن المقبلين أكثر من المغادرين، وكل واحد يصطدم بالطابور يشعر برغبة في الاحتجاج، خاصة بعد أن توالت الإضرابات في الجماعات المحلية واستغلها حتى الموظفون الإداريون غير المعنيين بها. ضحى زين الدين

مشاهد سخط واحتجاج داخل مقاطعات البيضاء

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مطالبة بالتحقيق في صفقات مشروع كيش الوداية

توقف مشاريع التنمية ببنسركاو وأنزا وتيكيوين

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات