مسار: طه عبد الرحمن…فقيه الفلسفة

في غمرة انشغالات الجميع بطرائف حكومة بنكيران ومفاجآتها، وأحاديث السياسيين المقززة، بعدما صارت السياسة في المغرب بلا لون ولا طعم ولا رائحة، وفي ظل النقاش المطروح حول خيبات المنتخب المغربي ومناورات غريتس ومن معه للتستر على حجم راتبه حتى لا تصيبه عين الحسود. في خضم كل هذا الجو المبتذل يصر الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن، في صمت وبلا جعجعة، مواصلة إبحاره الفكري في عوالم تسمو عن كل هذه السفاسف، ليقدم لنا في زمن متقارب كتابين قيمين الأول بعنوان "روح الدين.. من ضيق العلمانية إلى سعة الائتمانية" والثاني بعنوان "سؤال العمل.. بحث عن الأصول العملية في الفكر والعلم" وكأنه يقول لنا إنه ما زالت هناك إمكانية للتأمل والتفكير وسط الجلبة، وأن للفكر والعقل مكانهما."طه عبد الرحمن" اسم برنة مشرقية، صاحبه دكالي المنشأ روداني الأصل، ويحيل على رمز من رموز الفكر الفلسفي بالمغرب اختار الإبحار ضد التيار الذي كان مهيمنا في الجامعات المغربية، والذي كان يعطي للفلسفة هوية يسارية ويربطها بالمقولات التي تندرج تحت هذا الإطار أو يحصرها في مفاهيم الحداثة الغربية.أسس طه عبد الرحمن متنه الفلسفي على الجمع بين التحليل المنطقي والتشقيق اللغوي، خاصة أنه كان أول من درس المنطق وفلسفة اللغة بجامعة محمد الخامس بالرباط، إلا أن تأثره بإمدادات التجربة الصوفية جعل هذا المتن يمتح مفاهيمه الأساسية من التراث الإسلامي ويستعير بعض المقولات من الفكر الغربي المعاصر خاصة في ما يتعلق بنظريات الخطاب والمنطق الحجاجي وفلسفة الأخلاق.ما زلت أذكر السنة ونصف التي درسني فيها بشعبة الفلسفة بالرباط، وكيف عرضنا لصدمة فلسفية ثانية ونحن على مشارف نهاية سنوات الإجازة، بعد الصدمة الأولى التي اكتشفناها في مستهل هذه السنوات والتي أحدثتها هذه الشعبة في نظامنا الفكري، كطلبة ناشئين، وجعلتنا نعيد النظر في موروثات البيئة التي نشأنا فيها، ليجدد طه عبد الرحمن، بطريقته المتفردة في التدريس، صلتنا بالفلسفة ويقلب كل المفاهيم التي درجنا عليها مرة ثانية.أذكر كيف كان يتحرك طه عبد الرحمن في قاعة الدرس، ويلقننا بكل جوارحه دروس المنطق والسيميولوجيا، بل وفي كثير من الأحيان كان ينتابه دوار بفعل الأدوية التي كانت يتناولها جراء تدهور حالته الصحية، فيتكئ على طاولة فنشفق على حاله لكنه يصر على مواصلة الدرس بكل إخلاص وتفان، ناقلا إياه بجل اللغات الحية التي يجيدها الفرنسية والانجليزية والألمانية وحتى اليونانية بشكل يربطنا فعلا بمنابع الفلسفة في بلاد الإغريق.ظل طه عبد الرحمن يصر على تلقيننا فكرة أساسية وهي أن أزمة الفلسفة العربية والإسلامية هي أزمة ترجمة بالأساس، وكأن سقوطها في ما بعد، كان بسبب "خروجها من الخيمة مائلة" منذ اللحظة التي ترجمت فيها من اليونانية إلى العربية خلال القرون الأولى للهجرة، حملت معها بذور أزمتها، التي تفاقمت بفعل التقليد والاتباع الذي يمقته طه عبد الرحمن ويدعو إلى تجاوزه، فوجه بذلك سهام نقده إلى ابن رشد ومن يدور في فلكه من المفكرين والفلاسفة. عزيز المجدوب

مسار: طه عبد الرحمن…فقيه الفلسفة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

قراءة: سيادة الكتابة في "القبض على الموج"

النسخة الثالثة من منتدى نساء في حراك

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات