الداخلية تتطهر من “مخلفات” العهد القديم

أسماء اشتغلت زمن البصري مازالت تؤثث فضاء أم الوزارات بأسلوب جديد تغيرت ملامح وزارة الداخلية بنسبة كبيرة منذ رحيل ادريس البصري عنها، إذ حاول كل الوزراء الذين تعاقبوا على تسييرها بعد ذهابه، على وضع بصمة جديدة، رغم أن هذه الوزارة ظلت مسيجة ببعض الأسماء التي اشتغلت إلى جانب "سي ادريس". لا يختلف اثنان، حول أن ادريس البصري شكل صدرا أعظم في وزارة الداخلية، إذ كان يتدخل في كل شيء، وكان يعين الحكومات، ويختار كبار رجال الأمن، ويعين الولاة والعمال، وكان مختصا في تطويع النخب السياسية، إذ أن العديد ممن يقودون بعض الأحزاب كانت علاقتهم سمنا على عسل مع أقوى وزير داخلية· ولم يكن البصري يكتفي بذلك، بل كانت سيطرته تطول حتى التعيينات في القطاع الفلاحي والخارجية والتجهيز، وحتى في الأرصاد الجوية والإعلام وملف الصحراء الذي كان يمسك به بيد من حديد، واستطاع أن يشكل نخبة في الأقاليم الجنوبية، لم تستطع إلى يومنا هذا التخلص من اقتصاد الريع.ولم يكتف إدريس البصري بالتجسس على كل موظفي الدولة، وأيضا على المعارضين في الداخل والخارج، بل حاول معرفة التفاصيل اليومية للحاشية القريبة من الملك، وفي مقدمتهم ولي العهد، وملك المغرب الحالي محمد السادس، لذلك كانت وفاة جلالة الملك الحسن الثاني النهاية الطبيعية لابن حارس سجن سطات، الذي حرس كل سجون المملكة من مكتبه في الرباط. يصف إدريس البصري بنفسه في أحد اللقاءات الصحافية معه في منفاه ما جرى يوم 12 يوليوز عام 2002 عندما تلقى دعوة لحضور زفاف جلالة الملك، بعد أن أقصي عن كافة مناصبه منذ عام 1999، و"خلال فترة وجودي بحفل الزفاف، شعرت أنني مراقب مراقبة لصيقة، كنت محاطا برجال الأمن من كل جانب وأين ما اتجهت، لم يفارقوني قيد أنملة كما لو كنت أحد مبعوثي أسامة بن لادن"، لذلك فضل الخروج إلى المنفى، بدل أن يبقى تحت الظروف نفسها التي عاش تحتها خصومه، وكل من اشتبه فيه سنوات طويلة. ولم يبعد البصري فقط عن كل مناصبه الرسمية، بل أبعد أيضا عن جامعة محمد الخامس، عندما اعترض الأكاديميون عن وجوده بينهم، واستغربوا، بعد سنوات طويلة من الصمت، أن يقوم البصري الذي أشرف على المعتقلات السرية، بتدريس القانون.وفي أوساط سبعينات القرن الماضي برز ضابط المخابرات إدريس البصري لامتلاكه قدرات استثنائية تميزه عن الآخرين، أهمها استعداده التام لتنفيذ سياسة وضعها آخرون، بقليل من الزيادة. يتساءل محمد عشاري، النائب الأول للأمين العام للحزب العمالي، هل كان ليتجرأ وحده ويقلب نتائج انتخابات 1977 التشريعية التي منحت الاتحاد أكثر من مائة مقعد، بل ويطيح بعبدالرحيم بوعبيد في دائرة أكادير؟ اعتقد أن الجمود الذي عاشه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية نتيجة اغتيال المهدي بنبركة وعمر بنجلون والمنفى القسري لليوسفي والفقيه البصري واعتقال الأطر المسؤولة في الداخل قسم ظهر هذا التنظيم، لكن النتائج كانت عكس المتوقع، لذلك وجد النظام في ادريس البصري رجل المرحلة بامتياز. إن قطعة صغيرة مجرد عناوين لن تعطل عمل آلة ضخمة أطلق عليها في مراحل سابقة اسم "الحزب السري" تارة، و"جيوب مقاومة التغيير" تارة أخرى، غير مدركين أنه نظام متين يفوت بكثير هذه الهفوات الصغيرة.فهل تغيرت وظيفة "أم الوزارات" في العهد الجديد؟، وبصيغة أخرى، هل تغير مركز تنفيذ القرارات إلى جهة أخرى غير وزارة الداخلية؟ ذلك ما يجب التفكير فيه مليا، إذ يقول عشاري، أحد أبناء اليسار الذين اصطدموا مع أسلوب البصري، "صحيح أن مرحلة الميداوي وجطو وبنموسى والطيب الشرقاوي المسماة المفهوم الجديد للسلطة، أعطت الانطباع أن وزارة الداخلية قلمت أظافرها ظاهريا، وتغير سلوك الولاة والعمال وموظفيهم في تعاملهم مع الناس دون إغفال تنامي توسع هامش الحريات وإيجابيات انتشار ثقافة حقوق الانسان، لكن ذلك لا يجب أن يحجب عن الفاعل السياسي والحقوقي إدراك ميكانيزمات صناعة القرار السياسي وطريقة تعريفه، لم تعد وزارة الداخلية تتدخل بشكل مباشر لتكييف المشهد السياسي، لكن المحكم في ذلك مازال مستمرا خارج المسالك التي عهدناها. إن وجود وزير حزبي بعد انتخابات 25 نونبر 2011 لن يؤثر، ولو بقليل، في الوزارة، لأن البرنامج الذي قدمه رئيس الحكومة لم يلامس كيفية تحويل الإدارة إلى مجرد آلية لتنفيذ القرار السياسي للحكومة، ولم يتطرق إلى ملامح السياسة الأمنية التي تريدها الحكومة، ودور الولاة والعمال في حدود اختصاصاتهم. وبرأي العشاري، فإن وزير الداخلية الحزبي الجديد يدرك جيدا أنه مجرد ضيف عابر لن يتعب كثيرا أصحاب الدار، وحتى رئيس الحكومة مؤمن رغم السلطات الواسعة المخولة له دستوريا، بالتحفظ والتروي، معتقدا أنه يقدم حسن النوايا، وبرز ذلك في مسألة التعيينات في المؤسسات العمومية، مفضلا اقتسام هذه المهمة مع المؤسسة الملكية ناسيا أو متناسيا أنه لا يقدم خدمة لهذه المؤسسة مادام أن المسؤولية كل المسؤولية مرتبطة بمبدأ المحاسبة. كل وزراء داخلية العهد الجديد وقبل دستور فاتح يوليوز اعتبروا أنفسهم محايدين داخل حكومات بأحزاب متعددة، لذلك اشتغلوا بمنطق البحث عن التوافقات بين الأحزاب في القضايا الأساسية، خاصة الاستحقاقات بمختلف أشكالها، لكن يلزم وزير الداخلية اليوم كما هو الحال في كل الديمقراطيات الالتزام ببرنامج وأجندة واضحة تلزم الحكومة دون غيرها. إن هذا التقليد وحده سيجنبنا مراحل الغموض واليأس وافتعال الأزمات للبحث عن توافقات هشة لا تخدم الديمقراطية. عبدالله الكوزي

الداخلية تتطهر من “مخلفات” العهد القديم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الشرقي اضريس... أمني في الداخلية

البصري... 25 سنة "داخلية"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات