“آلهة” الأرض

عنبي قال إن تمسك المغربي بالمحسوس دفعه إلى البحث عن تجسيد أرضي لما في السماء فسر عبد الرحيم عنبي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة ابن زهر بأكادير طغيان الخرافة في المجتمع المغربي بحمــولات من عهد الوثنية استمرت فــي زمن الإســلام، معتبرا أن تمسك العقــل المغربي بالمحسوس قلص حجم الإيمان بالغيب، وتسبب ذلك في نفـوره من الغيبيات، الأمر الذي جعله يستورد طقوسا من ديانات سماوية أقدم ألبست لباس الإسلام. واعتبر الباحث في علم الاجتماع القروي والتنمية أن الديانات الوثنية التي مارسها المغاربة مازالت ممارساتها موجودة إلى اليوم ولم تختف بمجيء الديانات السماوية، لأن آلهة الأرض فرضت نفسها في مواجهة آلهة السماء على حد تعبير إدموند دوتي. أجرى الحوار: ياسين قُطيب بماذا تفسرون طغيان الخرافة في المجتمع، رغم اتساع فئة المتعلمين وتعارضها مع الدين الإسلامي؟ تجمع أغلب الدراسات الاجتماعية على أن بنية العقل المغربي مبنية على الخرافة، والتي يجمع فيها كل ما له ارتباط بالطقوس والسحر والطلاسم، التي كانت وما زالت تتحكم في الوعي الجماعي والفردي لدى المغاربة رغم خطابات الحداثة والدين، ومرد ذلك إلى ما هو أقدم من نظريات عصر الأنوار وأقدم حتى من الإسلام، على اعتبار أن المغرب كانت فيه ديانات وثنية مازالت إلى اليوم ممارساتها موجودة ولم تختف بمجيء الديانات السماوية، بل تأقلمت مع مقتضياتها، ذلك أن كثيرا من طقوس مغرب اليوم وثنية في الأصل قبل أن توضع في قالب إسلامي. بغض النظر عن التفسير الأكاديمي ما هي مظاهر سيادة الخرافة في الممارسات اليومية للمغاربة؟ من ذلك، مثلا، ما تقوم به الأمهات عند إصابة أبنائهن بما يسمونه "الجعرة" عند زيارة سيدي "أركركور"، والذي يعني بالدارجة المغربية كوم الحجارة، ما يعني أن المزار ليس ضريحا لولي صالح عالم بالدين، الأمر الذي يؤكد مقولة أن الإيمان بالخرافة متجذر في مجتمعنا منذ زمن عبادة النار والمغارات والكهوف والعيون، وكل الممارسات الموجودة قبل وصول الإسلام إلى أرض المغرب الأقصى. كيف تمكنت هذه الممارسات من الصمود في وجه الدين؟ إن تمسك العقل المغربي بالمحسوس قلص حجم الإيمان بالغيب، وتسبب ذلك في نفوره من الغيبيات، الأمر الذي جعله يستورد طقوسا من ديانات سماوية أقدم أخذت وألبست لباس الإسلام، كما هو الحال بالنسبة إلى الزوايا، حيث أصبح المقدم يلعب دور الأب في الممارسات الكنسية، ويمكن تفسير ذلك بوجود قصور في تفسير كل شيء بمنطق الغيب، خاصة في ما يتعلق بفهم قضايا انتصبت في وجه الإسلام. وبماذا تفسرون شيوع بعض المعتقدات الخرافية حتى في أوساط الدائرين في فلك الدين؟ لتجاوز القصور في فهم البعد الغيبي، كان الحل بالنسبة إلى مجتمعنا هو اللجوء إلى الشعوذة والسحر، اللذين أصبحتا من أساسيات الحياة اليومية للجميع بما في ذلك المحسوبون على الطبقة المثقفة، إذ نرى كيف أن السياسيين ورجال الأعمال يؤمنون بأن معتقدات خرافية هي التي ترسم المسارات الناجحة، من خلال وضع "حجابات" "القبول"، وحتى المهاجرين المغاربة في الخارج لم يتخلصوا من الخرافات وأورثوها للأجيال الثانية والثالثة، وإلا كيف نفسر الإقبال الكبير على الأضرحة والمواسم من قبل أفراد هذه الشريحة في فترة العطل السنوية والمناسبات الدينية. ألم يلعب التحضر وتقلص ديموغرافية العالم القروي دورا في تراجع وطأة الخرافة؟ لا يعني اتساع دائرة التحضر أن الخرافة سيخفت نجمها، بل العكس من ذلك، فقد سبقنا إلى عالم الاجتماع جاك بيرك إلى القول بألا ليس هناك تغيير بانتقال المغاربة من البادية إلى المدينة، لأن الخرافة أصبحت من الموروث النفسي، إلى حد أن أستاذ السوسيولو جيا المعروف إدموند دوتي وصل إلى حقيقة مفادها أن هناك مغاربة يعيشون وسط متاهة صراع آلهة الأرض وآلهة السماء. كيف ذلك، وماذا يقصد إدموند دوتي بـ"آلهة الأرض"؟ عندما يعجز الشخص عن استيعاب تفسيرات غيبية في الدين، يبدى حاجة إلى الوسطاء، وهنا يتعاظم دور الفقيه والمشعوذ وأشباههم بقصور العقل المغربي والعربي عموما في تفسير كل الظواهر المحيطة به إلا بعد تجسيدها في الأشخاص و الأشياء، إما من خلال الكتابة باستعمال "السبوب" أو"الجدول" أو "الحراز"، وذلك بالكلام من خلال أشباه الأدعية والأناشيد والطلاسم أو بتقديم الأماكن والمزارات. هل يعني ذلك أن هناك سوء فهم بين المغاربة والإسلام؟ المسألة ليست كذلك، على اعتبار أن كل منطقة تتعامل مع الإسلام بطريقتها، فأهل الشمال مثلا غلبوا الإيديولوجيا على فهمهم للدين، لحاجتهم إلى الجهاد ضد الخصوم في شبه الجزيرة الإيبيرية للاستفادة من غنائم الحرب، التي أصبح لها ما يشرعنها، في حين لم يكن بإمكانهم الرد على القراصنة قبل ذلك. في سطور > من مواليد 1968 بأكادير > باحث في علم الاجتماع القروي والتنمية > حاصل على الدكتوراه في علم الاجتماع القروي والتنمية حول موضوع الأسرة القروية والتحولات السوسيو اقتصادية > أستاذ علم الاجتماع بجامعة ابن زهر أكادير > عمل أستاذا مساعدا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس الرباط، بين 2004 و2006 > خبير مستشار في عملية تقييم وتتبع برامج محو الأمية > خبير في التنمية والتهيئة المجالية لدى مكاتب الدراسات والأبحاث

“آلهة” الأرض

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بعد الدورة 23 ... نتائج وترتيب البطولة

سخرية "فيسبوكية" حول دعم الأضرحة

مقالات ذات صلة