قراءة للمادة الثانية من مدونة الحقوق العينية

إخبار المالك الأصلي المقيد بكل تغيير في رسمه العقاري لا ينفعه في شيء (الحلقة الأخيرة) بقلم: السباغي مبارك * نحمد الله على وجوده القوي وعلى دوره المتميز الفعّال في الحفاظ على الحقوق والتحملات. لولاه ما كانت مكانة للملكية العقارية بمفهومها القانوني المتعلق بالتحفيظ والتقييد، بل سوى الحيازة التي لا ترقى إلى الملكية المقيدة بالسجلات العقارية. فتبقى مصدر نزاعات واستيلاءات بحسن أو بسوء نية لا تحمي أي طرف من الأطراف المتنازعة. بالرجوع إلى المادة الثانية المذكورة أعلاه، يتضح جليا أن ظهير التحفيظ هو المختص في التقييدات والتشطيبات وهو الذي له مبدأ القوة الثبوتية والمنشأة للحقوق والتي بمقتضاها تثبت مواجهة الأطراف في ما بينهم وفي مواجهة الأغيار كذلك فالعبرة بالتقييد الذي لا تقادم له إلا في حالات خاصة، فبمجرد تقييد الحق يصبح المستفيد منه في حماية قوية لا تزعزعها إلا قرينة أقوى منها. ومن الغرابة الكبرى أن يأتي المشرع بفقرة إضافية للمادة الثانية متعارضة معها جملة وتفصيلا:" .. -كما لا يمكن أن يلحق به أي ضرر، إلا إذا كان صاحب الحق قد تضرر بسبب تدليس أو زور أو استعماله شريطة أن يرفع الدعوى للمطالبة بحقه داخل أجل أربع سنوات من تاريخ التقييد المطلوب إبطاله أو تغييره أو التشطيب عليه. فإن كانت النية الحسنة هي سلاح الحق المقيد كما ورد في الفصل 66 من (ظ ت ع)، فلماذا تصنع الفقرة الأخيرة من المادة الثانية سلاحا جديدا يقضي تماما على المادة الثانية نفسها وحتى على الفصل 66 من (ظ ت ع) الذي هو الواجب التطبيق ؟. لأنه هو المختص في حماية الحقوق والتحملات، وهذا هو دوره والغرض منه أصلا. هذه الفقرة تتحدث عن التدليس والتزوير واستعماله لذلك وجب التمييز بين شيئين اثنين. فإن كان المدلس أو المزور هو المستفيد من التقييد مالكا مقيدا، فمن الطبيعي أن يبطل حقه المبني على التدليس أو التزوير بدعوى يقدمها المتضرر من هذا التقييد الفاسد ولحماية حقه عليه اللجوء للتقييد الاحتياطي عاجلا. هنا تقام الدعوى من طرف المتضرر أي المالك الأصلي مباشرة في مواجهة المالك المقيد ذي النية السيئة، فلا مناص له من أن يعاقب ويشطب عليه نتيجة أحكام قضائية نهائية تثبت وجود التدليس أو الزُّور. لكن عكس كل هذا، فإن كان الشخص المقيد ذا نية حسنة ولا علاقة له بالتزوير والتدليس، فإن الدعوى المرفوعة من طرف المتضرر من التزوير في وكالة مثلا أو في عقد بيع سابق، لا تطول حقوقه لا داخل أجل الأربع سنوات من التقييد ولا خارجها، باعتبار الفصل 66 المذكور أعلاه وحتى المادة الثانية رغم فقرتها الأخيرة الغريبة لماذا ؟. لأنه لا مجال القول بأن ما بني على باطل فهو باطل كما استقر عليه الإجتهاد القضائي سابقا ولعقود زمنية خلت، حيث كانت المحاكم تأمر بالتشطيب على جميع التقييدات المنصبة على الرسوم العقارية دون التمييز بين النية الحسنة من سوئها. في هذا السياق نجد عدة قرارات تطبق هذا المبدأ فترجع الحالة إلى ما كان عليها الرسم العقاري قبل التقييدات المطعون فيها، حماية للمالك الأصلي وتخلت عن المالك المقيد ذي النية الحسنة. اليوم ونتيجة للقرار رقم 170 المذكور أعلاه، الذي بنى اجتهاده على عنصر النية الحسنة، حماية لنص خاص (المادة 66 من ظ ت ع)، بدلا من القاعدة الفقهية المبنية على مبدأ ما بني على باطل فهو باطل، فإنه لا داعي للقلق وفقدان التقة في أعظم وأجمل نظام عقاري عبر العالم. فإخبار المالك الأصلي المقيد بكل تغيير في رسمه العقاري لا ينفعه في شيء سوى طلب التعويض ضد من كان سببا في إحداث الضرر له، لأن الاجتهاد القضائي الأخير الذي اعتبر الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري حصنا حصينا يحتمي به المالك المقيد كلما ثبت حسن نيته، يقطع الطريق على المالك الأصلي الذي لا حق له إلا في طلب التعويض داخل الأجل القانوني. إذن على هذا المستوى، يجب تقوية حماية المالك الأصلي قبل تطبيق مقتضيات الفصل 66 من (ظ ت ع)، من طرف المحافظ على الأملاك العقارية. فقرار المحافظ بتقييد المالك الجديد بالسجلات العقارية، قرار لا رجعة فيه إن ثبت للقضاء أن النية الحسنة ثابتة للمالك المقيد الجديد. هذا هو المنحى الجديد والصائب للاجتهاد القضائي الأخير، الذي طبق قانون التحفيظ العقاري تطبيقا سليما لا غبار عليه ولو أنه أتى متأخرا جدا، بعدما كانت كل الاجتهادات القضائية السابقة والمستقرة، وحتى بعض الفقه، لا تعترف بمقتضيات النص الخاص الواجب التطبيق، أي الفصل 66 من ظهير التحفيظ العقاري. اليوم وصل الإجتهاد القضائي إلى الحقيقة. لذلك نتمنى أن يستقر على موقفه ويعزز تطبيق النص الخاص وإبعاد القاعدة الفقهية "ما بني على باطل فهو باطل". نظام التحفيظ العقاري لا يعترف بهذا المبدأ الذي بدوره لا يعترف به. الأحقية والأسبقية لنص خاص لا لنص عام أو بالأحرى لقاعدة فقهية لا ترقى إلى قانون. وعلى الحكومة والبرلمان والمجتمع المدني تفعيل كل الآليات وسن قوانين عصرية تحد إلى أبعد تقدير من حالات التزوير واستعماله بإجراءات قبلية تخفف من حالات هذه الآفة أو القضاء عليها كليا. * موثق بالدار البيضاء ومحافظ عقاري سابقا

قراءة للمادة الثانية من مدونة الحقوق العينية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

موت سياسي

يهود يتحدون إسرائيل للاحتفال بالمغرب

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات