ظاهرة التشفي ضد قيم العيش المشترك

القري قال إن الإعلام ساهم في تأجيج ظاهرة التشفي بتقديم نماذج ضعيفة وأبطال من ورق قال إدريس القري، كاتب وناقد وباحث في الفلسفة وسوسيولوجيا الجماليات البصرية، إن ظاهرة التفشي باتت منتشرة إلى درجة أنها أصبحت قاعدة اليومي ولونه المتميز، مشيرا إلى أنه من الصعب الحسم في ما إذا كانت دخيلة أم لا. وأضاف القري، في حوار مع "الصباح"، أن نظرة المواطن العادي للعيش المشترك تغيرت جذريا بشكل رهيب، مؤكدا أن الإعلام ساهم في تأجيج ظاهرة التشفي والانتقام والسخرية، بدل حماية إستراتيجية للمقومات الحضارية والثقافية والقيمية للوطن. وتابع "إن مساهمة وسائل التواصل الجديدة عمياء لا مرشد ثقافيا وقيميا لها وأن إدماجها لا يخضع لتفكير وتخطيط عقلاني وبنيوي". وفي ما يلي نص الحوار: هل يمكن اعتبار ظاهرة التشفي دخيلة على المجتمع المغربي؟ الواقع، أن ظاهرة مثل هذه مخالفة للقيم الأخلاقية وقيم العيش المشترك التي تفترض تضامنا اجتماعيا وتآزرا بين المواطنين في الوطن وفي المدينة وفي الحي والأسرة الواحدة. لم تكن هذه الظاهرة والمجتمع سليم إلا هامشية. وما يُقلق اليوم، هو أننا نلاحظ بأنها أصبحت منتشرة أصبحت قاعدة اليومي ولونه المتميز. أما إن كانت دخيلة أم متأصلة فالواقع أنه من الصعب الحسم في هذه القضية، ويصعب الحسم إن كان الرأي العام وفي كل الأوساط والشرائح، يعتبرها متأصلة بالنظر إلى انتشارها الكبير. ومع ذلك ومن باب الاحتراز العلمي، أعتقد أن الأفيد سيكون هو التمييز بينها وبين ظاهرة التنافس القوي، الذي يُلامس تخوم استباحة كل الأسلحة، كما في التنافس السياسي، حيث يتم تغييب الأخلاق والقيم. التربص بأخطاء الآخرين بات أكثر حدة وانتشارا، خاصة مع التطور التكنولوجي ومواقع التواصل الاجتماعي، لماذا في نظركم؟ أعتقد مبدئيا، بأن الأمر كما تحدثتم عنــه هو ظاهــرة التشفي بذاتها، ولعل من الأسباب التي لم نعطيها حقها وبشكل نهائي لتفسير هذه الظاهرة تقريبا، لا في الكتابات العلمية، ولا في الدراسات التي تهيئ للقرارات السياسية، التربوية منها والاجتماعية والاقتصادية والتأطيرية للشباب والرياضة وغيرها، هو طبيعة تأثير تكنولوجيات التواصل الاجتماعي على الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية. فنظرة المواطن العادي للعيش المشترك ولفضاءاته قد تغيرت جذريا وبشكل رهيب: أنا ومن بعدي الطوفان. أقصد أن طبيعة الوسائل التواصلية والإخبارية والتثقيفية التكنولوجية الحديثة انفعالية وجسدية، وهذا يعني أنها فرجوية تدغدغ الإحساس وتثير شهوة الفرجة والإثارة، تماما كما هو تأثير الشعاع الضوئي، الذي يُقدم للعين عبر الشاشات بكل أحجامها. ذلك ما تقوله التحليلات التي تناولت السمعي البصري عموما من بوابات الدراسات التواصلية والسيميائية والجمالية الفلسفية لكن، تلك الدراسات التي هضمت واستدْمجت طبيعة السمعي البصري لغة وثقافة لها خصوصياتها في اختلاف عن اللغة الأبجدية المألوفة والتي تتعامل مع العقل والاستدلال والتجريد وليس الإحساس والانفعال والجسد والخيال. يتعلق الأمر باختصار بنمط حياة وتواصل وعلاقات فرجوي ومثير للمجازفة، وهنا قد تكون المجازفة بحياة الآخرين: فالآخر الرفيق أو المواطن يخسر، يتألم، يسلب حقه، يعاني، وأنا أتفرج بل أضحك، كمن يلعب ويستمتع بسادية جراء آلام الآخرين. هل تعتقد أن الظاهرة لم تعد تقتصر على ذوي الثقافة المحدودة؟ ثم ما هي أسباب تأصيل وتعميم النزوع إلى التشفي؟ ذلك ما أشرت إليه عندما اقترحت ردا على السؤال السابق تفسيرا له بالطبيعة الفرجوية واللعبية لوسائل الاتصال التكتولوجية السمعية البصرية الحديثة، لكن لا ينبغي نسيان بأن هذا النمط الجديد من التواصل الجماهيري له ايجابياته أيضا. إنها ما أسميه تفجير سلبيات المجتمع والسلوكات الاجتماعية السائدة، وإظهار خطورتها على النسيج الاجتماعي والتلاحم الوطني حول قيم ضرورية لبقاء الجماعة بمعناها العام واستمراريتها. إن هذه الوسائل التواصلية الجديدة مساهمة في التحديث والعقلنة، لكنها للأسف مساهمة عمياء لا مُرشد اثقافيا وإيديولوجيا ولا قيميا لها، حاملا لمشروع. من هنا فإن توظيفها وإدماجها في العقليات والسلوكيات وتدبير الحياة اليومية الشاملة للمواطنين، لا يخضع لتفكير وتخطيط عقلاني بنيوي محكم ومحكم، وبالتالي لاستراتيجية ابتكارية تنموية للإنسان على المدى المتوسط والبعيد، في منظومة التنمية البنيوية واستراتيجياتها القيمية. هل ساهم الإعلام حقا في تأجيج ظاهرة التشفي والانتقام والسخرية؟ هذا السؤال مهم جدا لأنه يضع اليد على أحد أخطر مكامن تفشي الظاهرة وخطورتها. فمن المفروض أن الدور الجوهري للإعلام، التلفزة والإذاعات على الخصوص دون نسيان السينما بالطبع والممارسات الفوتوغرافية اليومية لملايين المواطنين التي لا نعيرها أي اهتمام، هو الحماية الإستراتيجية للمقومات الحضارية والثقافية والقيمية للوطن، ولمقومات انسجام ومعقولية الحياة وجوْدِتها فيه. ليست الجودة هنا هي العيش الكريم اقتصاديا فقط، بل هي أيضا السلم والهناء والأمن وسيادة منطق الارتياح في الفضاءات العمومية، وهو ما يتطلب الاحترام المتبادل وشيوع السلوك والاختيارات الحرة في التعامل مع الجسد، ومع الرغبة وتلبية الحاجات، وذلك في توقير للاختلافات في الجنس واللون والدين والمظهر والثقافة واللغة. فهل يسلك إعلامنا هذا المسلك؟ مع تقديري للطاقات التي تشتغل في هذا الميدان الزاخر وطنيا بقدرات خلاقة لكنها مغبونة في ظروف ونظام وسياقات اشتغالها، أعتقد بأن أخطر ما يهدِّم دور إعلامنا هنا، هو إصراره على تقديم نماذج ضعيفة وفارغة وغير أصيلة، ولا ذات قوة وتميز في عطاءاتها الإبداعية وفي كل الميادين، يقدمها كنماذج للشباب وللمراهقين خاصة ولكل المواطنين الذين يشكلون الأغلبية. النتيجة يلاحظها الجميع ويتحدث عنها حتى أصحاب القرار، وهنا المفارقة المدهشة في بلدنا: إنها مفارقة ظهور أبطال ونجوم من تبن في مجتمع يحتاج نجوما وأبطالا حقيقيين للاستمرار في تحوله التحديثي المتعثر جدا ثقافيا وقيميا وإنسانيا واقتصاديا على مستوى الاقتصاد المنتج للمعرفة وللعلم وللفكر وللنساء والرجال الفرحين والنشيطين بناة المستقبل المشرق.. أجرى الحوار: عيسى الكامحي في سطور > من مواليد مكناس في 1955. > باحث في علم الاجتماع > كاتب ومدرس للفلسفة وللجماليات البصرية > عضو الكرسي الجامعي فاطمة المرنيسي > عضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان الرباط الخميسات القنيطرة

ظاهرة التشفي ضد قيم العيش المشترك

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

وزراء يقاطعون مجلس المستشارين

فتح تحقيق في اعتداء على سائح أجنبي بفاس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات