تمثيل الجريمة وتأثيره على سرية البحث

لا حجية له في الإثبات ويبقى مجرد تجسيد للاعترافات أمام العموم (2/2) بقلم: بوشعيب عسال * إن غاية المشرع من سن سرية البحث التمهيدي هو تمكين ضباط الشرطة القضائية من جمع الأدلة وإجراء التحريات اللازمة لإيقاف المشبوه فيهم وكذا تهييء وسائل الإثبات الجنائية، فالبحث التمهيدي إذن يكون دعامة أساسية وأرضية قانونية للمحاكمة اللاحقة، لذلك فإن المشرع حرص على إحاطته بالسرية حتى لا يعمد أحد إلى طمس الأدلة التي تكون الضابطة القضائية على وشك جمعها والتنقيب عليها، وحتى لا يستطيع المشبوه الذي كشفت التحريات الأولية عن تورطه من الإفلات من يد العدالة، وتفعيلا للجزاء على خرق سرية البحث التمهيدي الواردة في المادة 15 من قانون المسطرة الجنائية فقد أدين سابقا أحد ضباط الشرطة القضائية الذي أفشى اسم أحد المبحوث عنهم أثناء إجراء البحث التمهيدي في قضية ما عرف باسم "ملف بلعيرج" بعد أن توبع بجنحة خرق البحث التمهيدي وإفشاء السر المهني. موقع تمثيل الجريمة من البحث التمهيدي وآثاره على سريته: إن عناصر الضابطة القضائية سواء ضباط الشرطة أو ضباط الدرك الملكي يلجؤون أحيانا وفي اختتام البحث التمهيدي الى ما يصطلح على تسميته بتمثيل الجريمة، وذلك أمام الجمهور بحضور شخصي لممثل النيابة العامة في بعضها خاصة في جرائم القتل الخطيرة، التي تكون محل اهتمام وتتبع من الرأي العام، وذلك بعد أن يحصلوا من المتهم على اعترافات دقيقة ومفصلة عن مراحل الإعداد للجريمة وطريقة تنفيذها وأدوات اقترافها. وإذا كانت الصور التي تلتقط من قبل عناصر الضابطة القضائية خلال تمثيل الجريمة تضاف إلى محضر البحث التمهيدي وتكون من مشمولاته، ويعول عليها بعد ذلك في الإثبات أمام قاضي التحقيق وأثناء المحاكمة، فما هو السند القانوني الذي يخولها هذه الحجية؟ إنه باستقراء نصوص المسطرة الجنائية فإنه لا توجد بها أي مادة تتحدث عن تمثيل الجريمة لا في إطار الكتاب الأول منها المتعلق بالتحري عن الجرائم ومعاينتها ولا في القسم الثاني الخاص بإجراءات البحث التمهيدي، ولا في غير ذلك من باقي مواد المسطرة الجنائية. واستنادا لذلك فإنه يمكن القول بأن تمثيل الجريمة لا يعدو أن يكون اجتهادا من قبل الضابطة القضائية، والنيابة العامة التي تشرف على البحث التمهيدي لا تمانع في هذا الاجتهاد، بل إن ممثلها يحضره أحيانا. ويلاحظ أن هذا الإجراء - تمثيل الجريمة - حسبما وصل إلى علمنا لا يلجأ إليه رجال البحث التمهيدي في الدول الأوربية التي اقتبسنا عنها معظم تشريعنا في المسطرة الجنائية، وذلك حرصا منهم على التطبيق الحرفي لسرية البحث التمهيدي. ومن جهة أخرى فإنه لا جدال في أن تمثيل الجريمة ما هو إلا تجسيد للاعترافات يتم أمام العموم أو الجمهور الذي من المفروض أنه مواجه بالسرية، كما أن التمثيل يتم ومسطرة البحث لم تختتم ولم تحل على النيابة العامة، وبالتالي فهذا التمثيل يصطدم بصراحة المادة 15 من قانون المسطرة الجنائية ولا يمكن أن يوصف إلا بأنه خرق لسرية البحث التمهيدي ويشكل تأثيرا سلبيا يعيب مسطرة البحث التي تكون عناصر الضابطة القضائية قد بذلت في إنجازها مجهودا كبيرا. حجية تمثيل الجريمة في الإثبات: نرى من وجهة نظر شخصية وإعمالا لما سبق بيانه فإن تمثيل الجريمة لا حجية له في الإثبات، ويبقى الإثبات المعول عليه هو المستقى من إجراءات البحث التمهيدي الأخرى التي لها سند قانوني في المسطرة الجنائية. وسبب عدم حجية تمثيل الجريمة في الإثبات يرجع للعلتين التاليتين: الأولى: لأنه يشكل خرقا للمادة 15 من قانون المسطرة الجنائية التي أوجبت أن تكون مسطرة البحث التمهيدي سرية، وعدم التقيد بمقتضيات تلك المادة يجعل من إجراء تمثيل الجريمة إجراء كأن لم يكن، وهذا الجزاء رتبته المادة 751 من القانون نفسه التي نصت حرفيا على أن: "كل إجراء يأمر به هذا القانون ولم يثبت إنجازه على الوجه القانوني يعد كأنه لم ينجز". الثانية: لعدم وجود السند القانوني لهذا الإجراء، إذ أن قانون المسطرة الجنائية يفتقر إلى وجود مادة تنص على إجراء تمثيل الجريمة. ويستحسن أنه إذا أريد لهذا الإجراء أن يكتسي الصبغة القانونية وأن تضفى عليه صفة الشرعية ضمن مشمولات البحث التمهيدي أن يتم النص عليه في إحدى مواد المسطرة الجنائية كمادة مكررة في القسم الثاني من المسطرة الجنائية المتعلق بإجراء البحث التمهيدي، بعد أن يتم تعديل المادة 15 ، بحيث يستثنى إجراء تمثيل الجريمة من سرية البحث التمهيدي. وأخيرا فإننا لا نروم من هذه الدراسة سوى إثراء النقاش القانوني، في ظل ما يقال عن وجود نية تقديم مشروع جديد لمدونة المسطرة الجنائية. *محام بهيأة سطات

تمثيل الجريمة وتأثيره على سرية البحث

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

شذوذ جنسي وراء قتل شاب

عماري يشيد قصور أوهام بـ 52 مليار درهم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات