المقدمين و الشيوخ … بنية “مخزنية” عتيقة

شقير أوضح أن الدولة تصر على الطابع غير القار لأعوان السلطة خوفا من نقص المردودية أكد الباحث محمد شقير أن الدولة ترفض تنظيم المقدمين والانتقال بهم إلى وضعية موظفين، لأن تغيير وضعيتهم قد يؤثر على مردوديتهم. وأوضح شقير في حوار مع "الصباح" أن المقدم يلعب دورا أساسيا في مراقبة السكان سواء في القرى أو المدن، ونقل المعلومات عنهم بجميع أنواعها، وتتبع تحركاتهم وأنشطتهم. في ما يلي نص الحوار: أجرى الحوار: برحو بوزياني يلاحظ أن الداخلية تظل رهينة عمل مؤسسة المقدمين والشيوخ. كيف تقرأ استمرار الرهان على جيش غير منظم من الأعوان رغم تعدد الأجهزة الأمنية؟ من المعلوم أن بنية الدولة في المغرب مزدوجة، تضم الجانب العصري وتضم أيضا جوانب تقليدية. ورغم أن الحماية أدخلت هياكل عصرية في التدبير الإداري، إلا أنها حافظت على البنية المخزنية العتيقة التي تقوم على مجموعة من المؤسسات، من قبيل المقدمين والشيوخ والباشوات. وظلت الدولة إلى اليوم تحتفظ بأدوار هاته الهياكل التقليدية. وفي إطار هذه البنية، يلعب المقدم دورا أساسيا في تأطير المنظومة السكانية سواء في القرى أو المدن، إذ يقوم بنقل المعلومات بجميع أنواعها، والتي تتعلق بحياة السكان، وأنشطتهم ومراقبة تحركاتهم، في جميع المجالات، وبالتالي، فهو العين الرقيبة على كل ما يجري في الحي، والمسؤول عن إيصال المعلومة إلى الجهات المعنية، معتمدا في ذلك على شبكة من العيون من بقالين وحراس سيارات وبوابي العمارات والإقامات السكنية. ويمكن اعتباره، وفق هذه الاختصاصات، اللبنة الأساسية في البنية الإدارية بالمغرب. من هنا يتم الاعتماد عليه في صياغة التقرير اليومي الذي يبعث إلى السلطة المركزية، حيث يقوم بجولات يومية في المجال الترابي الذي يدخل في نطاق عمله، لجمع الأخبار والمعلومات، ونقلها إلى القائد، والذي يتكلف بدوره برفع تقرير إلى مديرية الشؤون العامة بالعمالة. وكيف يتم استخدام هذا الجهد؟ هذه المعطيات الدقيقة والجزئية تشكل بالنسبة إلى الأجهزة الاستخباراتية، المصدر الأساسي للمعلومات الأمنية التي تحتاجها السلطة من أجهزة الشؤون العامة و"الديستي" و"لادجيد"، من هنا يبدو الدور المركزي للمقدم والشيخ، في جمع المعلومات. ولعل هذا ما جعل الاستخبارات تعتمد على المقدمين في تتبع الحركات المتطرفة، وتترصد نشاط أعضائها والمرشحين المحتملين للالتحاق بها. ولابد من الإشارة هنا إلى مذكرة سابقة لوزارة الداخلية تحث المقدمين على مراقبة البيوت التي يكتريها بعض النشطاء داخل الأحياء الشعبية، كما أخضع بعضهم لتداريب حول كيفية استقاء المعلومات، اعتمادا على عيون المخبرين، من حراس وبوابي العمارات، وبعض الباعة داخل الأحياء، وهذا الأمر يؤكد الدور السياسي والأمني للمقدم. يقوم المقدم بمهام التسجيل في اللوائح الانتخابية وعمليات الإحصاء والتحري بشأن طلب شهادات الإقامة ونظام "راميد"، دون أن يخضع هؤلاء إلى تكوين أو تدريب. أين تكمن قوة هؤلاء ونوعية المعلومات المتحصل عليها؟ وقعت مستجدات في عمل الإدارة، جعلها تفكر في تشبيب جهاز المقدمين والشيوخ، وتغيير الصورة النمطية التي ترسخت لعقود حول المقدم الأمي أو ذي المستوى التعليمي البسيط. واليوم هناك مقدمون من مستوى جامعي أو على الأقل من مستوى الثانوي، جرى استقطابهم من أوساط العاطلين، من أجل الاستعانة بخدماتهم والاستفادة من علاقاتهم بأوساط الشباب باعتبارهم أكثر قربا منهم. وأصبح من الضروري استقطاب شباب للعمل مقدمين، خاصة أن الأجيال السابقة من أعوان السلطة بلغت سن التقاعد. هل تعتقد أن الشباب سيقبلون هذه المهام؟ ومع الثورة التكنولوجية والاستخدام الواسع للهواتف المحمولة والحواسيب ومواقع التواصل الاجتماعي، بات ضروريا تشغيل شباب مقدمين يتقنون التعامل مع هذه الوسائل في نقل المعلومات، وتتبع نشاط الجماعات المتطرفة، والتي تتعامل بهذه الوسائل في التواصل بين أعضاء خلاياها. وبات من المفروض في أداة استخباراتية من مستوى المقدمين التعامل هي الأخرى بهذه الوسائل التكنولوجية، في رصد وتتبع ونقل المعلومات، وهو ما يميز أداء الاستخبارات المغربية عن مثيلاتها في بلدان أخرى التي تعتمد موظفين نظاميين. إن ما يميز أداء هذا الجهاز هو عمله المستمر في متابعة ومراقبة كل ما يجري عن قرب، وهي الميزة التي مكنت الأجهزة الأمنية من تفكيك خلايا إرهابية، والقيام بعمليات استباقية، آخرها إيقاف شبكة من 11 عضوا كانت تستعد للقيام بتفجيرات إرهابية. يشتكي المقدمون والشيوخ من غياب وضعية إدارية قارة. كيف يمكن تأهيل "المهنة" وفي الوقت ذاته الحفاظ على خصوصيتها، شبكة واسعة لجمع المعلومات دون توظيف رسمي؟ أظن أن المسألة مرتبطة بإرادة سياسية متعلقة برؤية تقوم على ضرورة احتفاظ الجهاز بوضعيته الحالية غير القارة، رغم فعاليته الأمنية، وما يقدمه من خدمات ومعلومات، لأن الانتقال به إلى إطار قار قد يفقده فعاليته. ولذلك، هناك إصرار من قبل المسؤولين في الداخلية على عدم تغيير إطار هذه الفئة، والتي تعتمد بشكل كبير في عملها على الصلات الشخصية وعلاقة القرب، وهم ما يمكنها من تحقيق السبق في الحصول على المعلومة. ويكفي التذكير هنا بالدور الذي يقوم به هؤلاء في مد المخابرات بمعلومات عن أعضاء في خلايا إرهابية تنشط بأوربا، ونقلها في إطار التعاون الأمني مع هذه الدول إلى نظيرتها الأوربية. وحسب منطق الداخلية، فإن نقل هؤلاء إلى وضعية موظفين، يمكن أن يساهم في تراخيهم وتراجع مردوديتهم، في حين أن وضعيتهم غير القارة تجعلهم دائما في وضعية تهديد بالعزل، ما يدفعهم إلى المثابرة أكثر لنيل رضا المسؤولين. بالإضافة إلى ذلك، تفكر الدولة بمنطق الكلفة المالية الباهظة في حال ترسيم هذا الجيش من المقدمين والأعوان، ولذلك تفضل أن يظلوا في وضعية أعوان فقط، وليس موظفين برواتب قارة وتعويضات على غرار موظفي الإدارة العمومية. غياب إرادة سياسية الدولة لها إرادة في الاحتفاظ بالطابع غير القار لهؤلاء، لاستغلالهم بشكل أكثر فعالية وبأقل كلفة مالية، وبمرونة في التشغيل، إذ يمكن التخلي عن المقدم بسهولة وتعويضه بعون آخر، وفق رغبة القائد، وهي وضعية تسهل التحكم فيه وابتزازه بشكل من الأشكال. والخلاصة في هذا الصدد أنه ليست هناك إرادة سياسية لتغيير وضعية هؤلاء، بل هناك إصرار على أن يظلوا في وضعية غير قارة، ومجرد أعوان سلطة، فلا هو بالموظف ولا برجل السلطة، بل عون فقط يمكن التحكم فيه وتحديد مهامه حسب الحاجة، بل إن عددهم المرتفع، حسب عدد القيادات والدوائر، يظل غير معروف بدقة لأنه يخضع دائما للتغيير حسب الحاجة. أعباء جديدة بسبب الإرهاب طرح ملف مكافحة الإرهاب أعباء جديدة على المقدمين، خاصة في الأحياء الشعبية بالمدن، زاد من أعبائهم. كيف تقيم دور المعلومة التي يوفرها المقدمون في كشف الشبكات الإرهابية؟ صحيح ازدادت أعباء المقدمين في السنوات الأخيرة، وإن كانت عملية مراقبة المساجد قد بدأت في الثمانينات من القرن الماضي، بعد ظهور الحركات السلفية، وأصبحت من مهام المقدم حضور صلاة الجمعة، وإعطاء تقديراته حول الحضور ونوعية المصلين، وكيفية التعامل مع الخطبة، خاصة في المساجد العشوائية التي كانت تحتكرها بعض الجماعات الدينية. واليوم بات التركيز أيضا على المساجد الكبرى، لتتبع نوع معين من المصلين، من الذين تظهر عليهم نزوعات التدين، خاصة في أوساط الشباب من قبيل أصحاب اللحي أو الحجاب بالنسبة إلى الفتيات والنساء، الذين يمكن أن تكون لهم ارتباطات بجماعات متطرفة، ما يفرض مراقبتهم وضبط أعدادهم. في سطور > أستاذ باحث في العلوم السياسية > إطار بوزارة الاقتصاد والمالية > صدرت له العديد من الكتب منها "السلطة وتطور المراسيم العسكرية بالمغرب"- "الفكر السياسي المغربي المعاصر"- "القرار السياسي بالمغرب"- "التنظيمات السياسية بالمغرب" و"تطور الدولة بالمغرب". مواضيع الملف: المقدمين والشيوخ … أيتام الدولة حـراك أعـوان السلـطـة رصد الإرهاب… الشاذة والفاذة وكالات استطلاع متنقلة 67 درهما و”كمل من عندك” تـجنـيـد مـدر للدخـــل لكحل: وضعية ملتبسة عون سلطة… “البوراق” أكباش فداء متطوعون 4 أسئلة: نموذج صالح للتصدير “كريمة” يتوارثها الأبناء عن الآباء ميكروطروطوار

المقدمين و الشيوخ … بنية “مخزنية” عتيقة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الجزائر ترد على المغرب بخصوص تصريحات وزير خارجيتها

التشطيب على 12 محاميا بالبيضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات