المحاكم التجارية فاعل أساسي في التنمية

رئيس المحكمة يجب ألا يقتصر دوره على النظر فقط في الأمور الإستعجالية وتدبير الشأن الإداري بقلم: محمد الواحي * (2/1) في إطار بحث دور القضاء في التنمية في كل أشكاله من قضاء جالس و نيابة عامة مع محاولة إظهار قيمة القضاء الإنتاجية داخل المجتمع باعتباره ضمانة فريدة للتنمية وحسن سير جميع المرافق والعلاقات الإنسانية التي تجمع الفاعلين ثم المواطنين و المقيمين، فإن بحث اليوم يخص دور المحاكم التجارية محاكم متخصصة التي لا نرى لها نتاجا مهما ولا تأثيرا واضحا على الحياة التجارية والاقتصادية التي أنشئت من أجلها بحيث علت بعض الأصوات التي تطالب بإلغائها و ضمها كقسم تابع للمحاكم العادية، والشيء نفسه ينطبق على القضاء الإداري لهذا الاعتبار أيضا. إن الهدف من هذا البحث هو إعادة مهام القضاء التجاري للنقاش من جديد، إذ لا يخفى على الجميع أن وزارة العدل أحدثت المحاكم التجارية لغاية تبسيط المساطر بالنسبة للتجار و للمتعاملين معهم لضمان السرعة المطلوبة، خاصة و أن المعاملات التجارية مرتبطة بقيم مالية تحسب باليوم بل ربما بالساعة، وهذا لم يكن مطلبا محليا باقتناع عميق بقدر ما هو ضرورة تفرضها وتيرة التفاعل الدولي للوجود في مصاف تسابق الحداثة. وتفاديا للحشو أدخل في الموضوع بصورة مباشرة وبالطريقة التي تضمن في نظري ضرورة إبراز الدور الاقتصادي وإنتاجية القضاء التجاري كفاعل أساسي في التنمية، فلا معنى للحكم لمدعي كشركة مثلا بمبلغ مالي لم يؤد لها في الوقت المحدد له دون الاهتمام لما خلقه هذا المبلغ من عجز في حساباتها اليومية، التي تؤدى عنها فوائد يومية أيضا لتستفيد من حكم بالمبلغ المطلوب من تاريخ الحكم لا من تاريخ استحقاقه وبفائدة قانونية لا بنكية قدرها ستة في المائة سنويا . ألا ترون معي أن هذا ما يحبط الاستثمار ويخلق أزمات مالية للمدعي رغم الحكم له بالمبلغ المطلوب؟ هل تحقق مثل هذه الأحكام التوازن المرتبط بقانون ضبط المحاسبة؟ هل هذا المنهج الذي يعتمد على سلطة القاضي فقط في سن تعويض جزافي غير مدروس علميا؟ فالتقديرات العصرية يجب أن تشمل قيمة الخصاص اليومي في المحاسبة و ما يؤدى عنه للأبناك إن كانت هناك قروض و ما أدى له هذا الخصاص ربما من تفويت فرص استثمار هذه الأموال في حالة اعتماد هذه الشركة عليها في إعادة استثمارها دون وجود تمويلات أخرى، بحث هذه الأمور يقتضي تكوينا علميا دخل أغواره بعض قضاة المحاكم التجارية و لو في غياب الإطار المؤسساتي، إلا أنها تبقى اجتهادات متفرقة ومبادرات فريدة قد ينعت أصحابها بالتنطع، في غياب قناعة جماعية بضرورة الانتقال لمستوى تقديرات اقتصادية عصرية تشجع الاستثمار والمستثمرين خاصة الأجانب الذين يبحثون في هذه الأمور عبر شبكات التواصل الإلكترونية ويترجمون الأحكام والقرارات ويستشيرون في إطار بحث المخاطر التي تأخذ منهم حيزا مهما من إطار المشروع قبل بدايته أو الموافقة عليه، فالدعاوى التجارية يجب أن تأخذ منحى آخر يساهم فيه القضاء التجاري في التنمية بمطالبة المدعي بالإدلاء بقوائمه التركيبية لتبرير مطالبه، والتي من خلالها فقط يمكن معرفة مدى تأثير هذه المديونية محاسباتيا على سيرها الاقتصادي ويمكن القضاء التجاري أيضا من مراقبة مشروعية هذه السيولة المالية ومصدرها. وبالحديث عن مصدر الأموال أفتح قوسا مهما في هذا الإطار والذي يهم استقرار الاقتصاد بصفة إجمالية رغم محاولتي التهرب من كل جدال حول بعض الضوابط القانونية ،إذ أن قانون الشركات وقوانين المحاسبة يلزم الملزم الضريبي بتموين مديونيته محاسباتيا وله بعد ذلك أجل اثنا عشر شهرا لتقيم دعواه ليستفيد من الحق في الخصم في اعتبار رقم الأعمال. هذا الإلزام بحسب نوع الشركات يقع أيضا على كاهل مراقب الحسابات أو مسيري الشركات للإعلان عنه و المحكمة التجارية في إطار القوس المفتوح و في نظري ملزمة بمساءلة مجلس إدارة الشركة ومسيرها ومراقب الحسابات عن عدم الإشارة لهذا الخصاص، إن لم تتم الإشارة إليه في إطار مسؤولياتهم و التي نظمها القانون تحت طائلة المحاسبة. ومن خلال ذلك ستتمكن المحكمة من معرفة أسباب هذه المديونية أو عدم وجود مبرر لها في نشاط الشركة أو المقاولة، ما يجعل منها مبالغ مشكوكا في نشأتها. حينها يصبح التبليغ عن هذه المديونية إلزاميا إذا ما ثبت أنها وهمية أمام اللجنة الوطنية لمراقبة غسيل الأموال في إطار الحفاظ على الدورة الاقتصادية ومصداقية قيمها المتداولة، وفي ذلك أيضا مساهمة للقضاء التجاري في محاربة تبييض الأموال والتي تفسد الاقتصاد وتساعد على التهرب الضريبي وتسمح برواج سيولة لا نعرف وجهتها ويصبح القضاء التجاري مراقبا لأمن البلد من جهة ومشجعا للاستثمارات السليمة في مواجهة لوبيات خطيرة تروج مبالغ كبيرة تضرب عرض الحائط روح المبادرة، وسيخرج القضاء التجاري من السوق من يمتهنون النصب باسم شركات بإيقاف نزيف الشيكات والكمبيالات التي أغرقت دواليب المحاكم وحطمت طموح استثمارات ربما منها الأبناك نفسها ومالية الدولة. سأغلق القوس ولو أنه موضوع يجب دراسته بإمعان و الانتباه لخطورته للرجوع إلى الأدوار المباشرة للقضاء التجاري في التنمية لمناقشة مسؤوليات مؤسسة رئيس المحكمة التجارية. فاستعمال عبارة مؤسسة له مقاصده باعتبار المسؤوليات الجسام التي يتحملها رئيس المحكمة التجارية والذي يجب أن يصبح مؤسسة فعلا وألا يقتصر دوره على النظر فقط في الأمور الإستعجالية وتدبير الشأن الإداري لمحكمته، إذ تعرض على رئيس مديونيات لتجار ومؤسسات تجارية من المفروض النظر إليها باعتبارها خللا اقتصاديا يخفي تصرفات غير مقبولة في الدورة الاقتصادية ومثال ذلك أن يقدم طلب أمر بالأداء تجاه شركة تجارية مستوفي لكل الشروط الشكلية والموضوعية ليصدر قراره بأمر هذه الشركة بأداء قيمة الدين الثابت مع الفوائد القانونية والصائر ويمكن الطالب من النسخة التنفيذية لممارسة باقي المساطر. هذا غير كاف في وجهة نظري إذ أنه أصبح أمرا روتينيا في ممارسات المحاكم التجارية في الدول التي استوردنا منها هذه القوانين فواجب رئيس المحكمة التجارية الاحتفاظ بنسخة من هذا الملف، مع طلب السجل التجاري لهذه المؤسسة المدينة ومراقبة ملاءمة ملفها الإداري للضوابط القانونية، ثم مراقبة إيداعها للقوائم التركيبية داخل الآجال القانونية وفق الإلزام القانوني الموجود، وفي ذلك مراقبة قبلية لما سبق سرده سابقا ثم استدعاء المسؤول القانوني لهذه الشركة سواء كان مسيرا أو رئيسا لمجلسها الإداري، باعتبار هذه المؤسسة متوقفة عن الدفع للبحث معه عن أسباب ذلك، فقد يكون الأمر عرضيا لصعوبة وقتية ولأسباب خارجة عن إرادتها، يمكن لهذه المؤسسة أن تتجاوزه بإجراءات بسيطة هي أيضا من اختصاص الرئيس بتعيين مصالح وفق إجراءات نظمها القانون تمكن هذه المؤسسة من تجاوز الصعوبة، قبل أن تتفاقم و في ذلك مساعدة للدائن والمدين. وقد يكون الأمر تلاعبا باسم تلك المؤسسة أو سوءا في التسيير يوجب التدخل الفوري لفهم منبع الخلل بتعيين خبير محاسباتي يعطي تقريره صورة واضحة عن نشاط المؤسسة، إذ تعطى للخبير صلاحية بحث وضعية المؤسسة ابتداءً من وجود النشاط التجاري فعليا، وبحث مصاريف التدبير والاستثمار قدر المعاملات والإنتاجية، بحث المبيعات مقارنة مع الموجود بالمخازن و إعطاء تقرير حول أسباب التوقف عن الدفع. * عضو مجلس هيأة المحامين بمكناس

المحاكم التجارية فاعل أساسي في التنمية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

مختصرات

مكاشفة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات