أسر تتخلى عن علاج أبنائها المرضى نفسيا وعقليا

قانون "حشومة" يشمل بدائرته الأمراض النفسية والعقلية أيضا، ولا يترك لها متنفسا للخروج إلى العلن، إذ قد تفضل أسرة التضحية بصحة أحد أفرادها النفسية والعقلية على أن تكشف نوعية المرض الذي يعانيه هذا الفرد أو تطلب نصيحة علاجه. بل قد تختار بعض العائلات نقل أبنائها المصابين بهذا النوع من الأمراض إلى زوايا "الأسياد" و"أولياء الله الصالحين" ليس فقط من أجل العلاج، بل من أجل التخلي عنهم في هذا المكان، وهي خطوة بالنسبة إليهم أقل ضررا من خطوة كشف "المستور" أمام المجتمع والاعتراف بنوعية المرض الذي أصيب به الفرد.أمام مستعجلات الدار البيضاء، وليس أمام جناح الأمراض العقلية والنفسية، يحيط ثلاثة أفراد من أسرة واحدة بشاب في الثلاثين، مصاب بجرح في يده، تتعثر الكلمات على لسانه، الحيطة والحذر الذي يبدو على وجوه باقي أفراد الأسرة يكشف أن الشاب عنيف، وأن سهو لحظة من الثلاثة قد يمنحه فرصة لإيذاء نفسه أو أي شخص آخر. تلعن الأم "أولاد الحرام اللي كانوا السبب"، في إشارة إلى مروجي المخدرات، قبل أن تشرح لأطباء متدربين أن ابنها يتعاطى مخدرات، وأن إدمانه عليها حوله إلى ما هو عليه، دون أن تجرؤ على نطق كلمة "مريض نفسيا" أو "عقليا"، فبالنسبة إليها هي نوبات غضب ناتجة عن الإدمان فقط، وليس هناك ما يدعو إلى زيارة طبيب مختص في الأمراض العقلية والنفسية".ينتبه باقي زوار المستعجلات إلى الابن المحاط بأفراد أسرته، بعضهم يتهامس، وآخرون يتركون مسافة أمان بينهم وبينه، اعتقادا منهم أن الشاب مجنون.أسرة أخرى رافقت ابنها إل جناح الأمراض العقلية والنفسية بابن رشد، بعد ما اعتبرته فوات أوان، لأن حالته تطورت إلى ما هو أخطر، "لو كنا أحضرناه إلى هنا قبل ثلاث سنوات، لربما كان أفضل حالا، هذه هي المرة الثانية التي نصحبه إلى الطبيب، ولو أن المواعيد متباعدة جدا"، تقول شقيقة المريض، قبل أن تضيف أن والديها رفضا عرض ابنهم المدمن هو الآخر على المخدرات، على طبيب نفسي بعد أن ظهرت عليه أعراض الجنون، "كان كيدخل ويخرج فالهضرة" تقول الشقيقة، قبل أن تضيف "بغينا نديوه للطبيب ما بغاش الوالد، حيت غادي نتشوهو". حاولت الأسرة أن تخفي ما يعانيه الابن، والأعراض التي بدت تظهر عليه، اعتقادا منها أن تخفيض ميزانيته اليومية سيؤدي مباشرة إلى تخفيض عدد الجرعات التي يتناولها من المخدرات، خاصة الحشيش، إلا أن ذلك لم يأت بنتيجة، إذ كان الابن يتدبر مصاريفه بطريقته الخاصة وزاد استهلاكه، كما زادت أعراض المرض، "ما كنا نخشاه بالفعل وقع، لأن الجيران بدؤوا يتهامسون، ويشيرون إليه، ويتجنبونه قدر المستطاع، بل حتى أبناء الجيران الذين كانوا يلازمونه تخلوا عنه، وكثر كلام الناس من حولنا، بل إن أمي تشاجرت مع بعض الجارات في حمام الحي بعد أن سألتها إحداهن إن كان شقيقي أصيب بمرض عقلي" تشرح الشقيقة.فضلت الأسرة في البداية نقل الابن إلى بويا عمر، "فأمي أصرت أن ما أصابه ليس نتيجة طبيعية للإدمان على المخدرات، بل قالت إن به مسا، وأنه مسكون، بما أنه يتحدث إلى أشخاص وهميين، وأحيانا يؤكد أن هناك من يطارده". تركت الأسرة الابن في بويا عمر، مع المواظبة على زيارته، لكنها فوجئت به ذات يوم يعود إلى البيت، "أحيانا أخرى كان يفر إلى أماكن أخرى، ولم يقتنع والدي بضرورة إخضاعه إلى علاج لدى أطباء متخصصين إلا بعد أن كانت حالته قد تفاقمت وكانت بالفعل "الشوهة" قد لحقت بنا"."الشوهة" أيضا هي ما دفعت خطيب شقيقة مريض آخر يتخلى عنها، بعد أن علم أن شقيقها أصيب بمرض عقلي، وأنه يتلقى العلاج في جناح خاص بمستشفى ابن رشد، وهو ما تؤكده شهادة رقية، وهي تلف ذراع شقيقها الذي تؤكد أنه بدأ يتماثل للشفاء، ويستعيد صحته العقلية والنفسية، "كنا نستعد لزفاف أختي، لكن شقيقنا الاصغر اصيب باكتئاب شديد، وكان كلامه غير متزن، وذلك بعد خمس سنوات من الإدمان على الحشيش، لكننا والحمد لله أسرعنا بعرضه على طبيب مختص، وكان في البداية يتناول أقراصا منومة، فرفض المواظبة على تناولها، لأنه يقضي اليوم بطوله نائما، ثم ما لبثنا أن عرضناه على أخصائي آخر، وخضع للعلاج عبر الطريقة نفسها، فكانت أمي تضع له الدواء في الأكل وفي العصائر، ثم أبعدناه عن المخدرات لفترة، والحمد لله بدأ يتماثل للشفاء، لكن النتيجة أن اصهارنا تخلوا عنا بعد أن تناهى إلى أسماعهم أن شقيقي يتلقى علاجا لدى طبيب مختص في الأمراض العقلية والنفسية، والبعض الآخر خمن أن المرض متوارث في عائلتنا، والحال أن ما ظهر على أخي هو نتيجة لاستهلاك المخدرات بإفراط".بعض الأسر قد ترحب بكل العقوبات التي تفرضها عليه نظرات الآخرين، أو المجتمع بصفة عامة، مقابل أن تنقذ مرضاها وتساعدهم على تلقي العلاج في الوقت المناسب، لكن عائلات أخرى تفضل أن تحافظ على صورتها داخل المجتمع وتضحي بفرد من أفرادها وتتخلى عنه مقابل أن تظل بعيدة عن "الشوهة". ضحى زين الدين

أسر تتخلى عن علاج أبنائها المرضى نفسيا وعقليا

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

3 أسئلة: العيب أن يظل المريض يعاني في صمت

الحياء قد يمنع المريض من الكشف المبكر

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات