ملف: أطباء مصيرهم السجون … منح وكيل الملك 50 يوما دون علمه

الشهادة قدمها محام لإثبات التزوير وتبرئة موكله قبل مدة حطمت الجديدة رقما قياسيا في عدد سجناء يقضون عقوبتهم السجنية بفعل شهادات عجز مزورة ومبالغ في مدتها، وبعد إطلاق سراحهم كانت تصريحاتهم جميعهم "تشدينا بالباطل " تصريحات هؤلاء السجناء تحيل بالطبع على واقع مرير يتعلق بإنتاج عدد كبير من الشهادات الطبية مزورة بالمقابل في الكثير من الأحيان وبالمحاباة أحيانا أخرى. وحطم مستشفى محمد الخامس رقما قياسيا في فبركة شهادات غير واقعية، اعتمدتها النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية كما بمحكمة الاستئناف، لإدانة عديد من الأبرياء وإحالتهم على المحاكمة في حالات اعتقال . وارتباطا بما سبق، شهدت المحكمة الابتدائية بالجديدة، قضية مثيرة الفصول، بطلها طبيب مختص في أمراض الأنف والأذن والحنجرة، منح شهادة عجز مدتها 50 يوما، كانت كافية لترسل دون مناقشة أحد المشتكى بهم إلى سجن سيدي موسى بالجديدة ب "الباطل الأسود "كما يقول أهل البادية. وفي التفاصيل أنه في أحد الأيام الممطرة تقدم شخص عند الطبيب سالف الذكر، من أجل فحص بعد أن ادعى أنه تعرض إلى تعنيف في قضية اعتداء من قبل شخص يعرف هويته الكاملة، وأنه يريد الحصول على شهادة عجز، حرص أن تكون طويلة الأمد وكافية لتقود خصمه بسهولة إلى السجن. فحص الطبيب المختص الماثل أمامه وبعد مفاوضة سلمه الشهادة التي أتى من أجلها ومدتها 50 يوما، وركب له ضمادة جبس على أنفه توحي للناظرين أنه فعلا قد تعرض إلى كسر في الأنف، فأدى أتعاب الطبيب أضعافا مضاعفة وغادر منتشيا بنصر قريب. هرول طالب الشهادة مسرعا نحو أمن الجديدة متأبطا الشهادة المفبركة وكله يقين بأنها الوسيلة التي يختصر بها المسافات لإيداع خصمه غياهب السجن. وفي الحي الذي يسكنه شاع بين الناس حصوله على 50 يوما من العجز تثبته شهادة طبية، خبر التقطه خصمه بمرارة، ففكر أول مرة في الحصول على شهادة طبية مفبركة هو الآخر وبالمدة نفسها، وراجع في هذا الصدد مكتب أحد المحامين وحكى له ما وقع وذكر له اسم الطبيب مانح الشهادة. قطب المحامي جبينه قبل أن ينصح موكله أنه بالإمكان أن يحصل على شهادة مماثلة وبمدة أكثر و من الطبيب نفسه، ولكن أحسن وسيلة لإبطال مفعول الشهادة الطبية للخصم هو الطعن فيها والدفع بزوريتها. ولأن المحامي يعرف جيدا أن الطبيب دأب على إصدار شهادات مماثلة زجت بأبرياء في السجن، دبر خطة للإيقاع بالطبيب أمام النيابة العامة. وفي اليوم الموالي أرسل المحامي إلى الطبيب شخصين في قضيتين مختلفتين، وادعيا أمامه أنهما كانا ضحية اعتداءين في ظروف مختلفة، وبعد أن مكناه من الأتعاب تسلما شهادتي عجز مدة كل واحدة منهما 50 يوما،عادا لتوهما إلى مكتب المحامي وسلماه الشهادتين المفبركتين وانصرفا. امتطى المحامي سيارته وكانت وجهته مكتب وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بالمدينة ذاتها. وبدون مقدمات فاتحه في موضوع موكله الذي أصدرت في حقه النيابة في شخص الوكيل ذاته أمرا بالاستماع إليه وتقديمه على وجه السرعة، وكانت كل المؤشرات تشير إلى أن إحالته على الجلسة في حالة اعتقال، أمر وارد وأكيد. خاطب المحامي الوكيل "أقسم بيمين الغموس أن موكلي بريء والشهادة الطبية مفبركة بالمقابل"، رفع الوكيل نظره إلى المحامي "هذا كلام كبير وخطير هل عندك أدلة على ما تقول"، فتح المحامي محفظته وأخرج منها شهادة طبية سلمها لوكيل الملك، فحملق فيها بسرعة قبل أن تعلو ملامح وجهه علامات تعجب. كانت الشهادة الطبية تحمل اسم "الحاج الشعيبي" ومدتها 50 يوما من العجز، ولم يكن الاسم الذي تحمله الشهادة سوى اسم وكيل الملك ذاته الذي خاطب المحامي "هذه شهادة تخصني، كيف حصلت عليها؟". ضحك المحامي طويلا وأجاب "بالطريقة نفسها التي حصل بها خصم موكلي ولم يضف شيئا". نهض الوكيل من مكانه وكله حنق، فربط الاتصال بالشرطة القضائية للجديدة، وزودها بتعليمات صارمة ولكن هذه المرة باستدعاء الطبيب والاستماع إليه في محضر قانوني عن شهادتين مزورتين واحدة في اسم الخصم وواحدة في اسم الوكيل. آنذاك دخلت القضية منعطفا آخرا، انقلب فيه السحر على الساحر. وبعد أن قرر الوكيل حفظ الشكاية في حق وكيل المحامي، حرك مسطرة المتابعة في حق الطبيب، وأحاله على جلسة المحاكمة في حالة سراح، وتوالت الجلسات عسيرة على الطبيب الذي لم يكن يطلب بطاقة التعريف الوطنية لطالبي شهادات طبية ، كل ما كان يطالب به هو الأتعاب المضاعفة. وجاء منطوق الحكم بعدها مدينا له بعقوبة حبسية موقوفة التنفيذ. عبدالله غيتومي (الجديدة) تراجع وتيرة الشهادات المزورة شاع الخبر مجددا في المدينة خاصة بين أطباء من القطاع العام والخاص، وتراجعت وتيرة الشهادات المفبركة مؤقتا، قبل أن يشيع من جديد خبر ظهور بعض الأسماء المتخصصة في المبالغة في الشهادات الطبية خاصة بالمستشفى الإقليمي محمد الخامس، وهو ما دفع بإدارته بتكليف طبيبة متخصصة، حريصة أن تكون مدد العجز فيها واقعية، وهو ما قلص في الواقع عدد الأبرياء الذين يحلون نزلاء على سجن سيدي موسى ب"الباطل الأسود".

ملف: أطباء مصيرهم السجون … منح وكيل الملك 50 يوما دون علمه

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

البنوك غاضبة من الجواهري

"سماسرة" في قفص الاتهام

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات