يجب إبرام صفقة بين الدولة ومعتقلي الحسيمة

عبد الصمد بلكبير دعا إلى مسيرة "الخيط الأبيض" لخلق الثقة بين إدارة الدولة والمجتمع أجرى الحوار: برحو بوزياني (تصوير: تطوان ميديا) أكد عبد الصمد بلكبير، الكاتب والمثقف اليساري، أن أزمة الحسيمة تعكس سوء فهم تاريخي لا يتصل فقط بمرحلة الاستقلال، بل ما قبله، إذ لمس أبناء الريف أن بعض نعم الاستقلال لم تنعكس عليهم، بل عمق عزلتهم، وتركوا للبحر والهجرة وللتهريب ولتجارة المخدرات. وأوضح بلكبير أن الجميع دولة ومجتمعا مطالب بتكثيف الجهود للخروج من المآزق الموروثة عن الماضي، وتعميق الثقة والانتقال الديمقراطي. في ما يلي نص الحوار: < أطلقتم مبادرة باسم مسيرة «الخيط الأبيض» نحو الحسيمة. هل يتعلق الأمر في رأيكم بسوء فهم، أم أن الأمر أعمق ويسائل سياسة الدولة تجاه الريف عموما؟ < صحيح، التوصيف الأول المتعلق بسوء الفهم قائم ولا شك فيه، وهو سوء فهم تاريخي، ولا يتصل فقط بمرحلة الاستقلال، بل ما قبله، أي منذ بنية الدولة التقليدية، وأعيد إنتاجه خلال فترة ما بعد الاستقلال، إذ لم يكن استقلالا بالنسبة إلى الشمال، بل كان إعادة إنتاج الاستعمار الفرنسي الذي امتد نحو الشمال، ولمس أبناء الريف أن بعض نعم الاستقلال لم تنعكس عليهم، بل بالعكس عمق عزلتهم، وتركوا للبحر والهجرة وللتهريب ولتجارة المخدرات. وهذه الوضعية ضاعفت من شروط العزلة، إلى درجة من الانغلاق، الأمر الذي تفاعل فيما بعد، ولا ننسى أن أحداث 1958 للأسف الشديد، كانت في قيادتها سلوكات تشير إلى نزوع انعزالي وحتى انفصالي، عمق العزلة وسوء الفهم وانعدام الثقة المتبادلة. < لكن دعنا نتحدث عن علاقة الدولة بالريف منذ تولي الملك محمد السادس العرش. ألم تتغير الوضعية كثيرا في جميع المستويات؟ < ما يجب ذكره أن عهد محمد السادس عالج هذه الوضعية الموروثة معالجة جدية، حيث بادر الملك إلى المصالحة مع الجغرافية، قبل تدشين المصالحة مع التاريخ، في إطار هيأة الإنصاف والمصالحة، ووقف بنفسه على المصالحة من خلال الرحلات المستمرة إلى الشمال، والكثير من الإجراءات التي ظهرت نتائجها الإيجابية، سواء في المشاريع الكبرى المهيكلة مثل ميناء طنجة المتوسط، أو من خلال مشاريع الناظور، والحسيمة اليوم ليست هي الحسيمة قبل عقدين، والطريق الوطنية بالشمال ساهمت في فك العزلة. ولولا تلك الإجراءات الجدية، وإن كانت غير مكتملة، لكنها واعدة، لكانت أحداث 20 فبراير لا قدر الله سببا في مآسي في العلاقة بين جنوب المغرب وشماله. ورغم أننا فوتنا الفرصة بتلك الجهود التنموية على الأخطار الداخلية والخارجية، فلا يعني ذلك، أننا قطعنا النهر، فما زالت هناك قضايا تحتاج إلى معالجة، من جملتها أن رهان الدولة على حزب أغلب أعضائه من شباب ويساريي الشمال، لم تكن في التدبير موفقة تماما، وبالتالي انعكاساته السلبية ظهرت واضحة الآن. ولا يجب أن ننسى أن عواقب 7 أكتوبر، وتعثر تشكيل الحكومة، وما نتج عنه من عرقلة حوالي 520 ورشا تنمويا في المنطقة، سهل ردود الفعل التي لاحظناها في الحراك بكل فضائلها وعيوبها. وقبل ذلك كله، لا يجب أن ننسى أن المغرب مستهدف، فله خصوم وأعداء، وهؤلاء يجدون، للأسف الشديد من يتعامل معهم سواء من مغاربة الخارج أو من مغاربة الداخل. كل هذه العناصر مشتبكة ومتداخلة، يمكن أن نفسر بها هذه العلاقة المتشنجة أو المليئة بسوء التفاهم، والتي اعتبرها بمثابة امتحان للضمير المغربي وللعقلانية والذكاء المغربيين. وأنا على يقين بأننا ستخرج منها موفقين، وأكثر تضامنا بين الجهات، وأكثر تطلعا لتعميق الانتقال الديمقراطي، الذي هو وحده الكفيل بالحل الذاتي للمشاكل ذات الطبيعة الموضوعية. < كيــــــف كان التجاوب مع مبادرتكم ؟ < كان الصدى إيجابيا جدا من خلال العديد من التقارير الإعلامية والحوارات حول المبادرة، وأيضا من خلال العديد من الاتصالات التي توصلت بها من عدد من الشخصيات الوطنية، التي تدعم فكرة المبادرة، وتؤكد على أهمية تضافر كل الجهود من أجل إنهاء حالة الاحتقان. وعلى صعيد الهيآت، فقد تجاوب مع الفكرة، العلماء، وهم علماء يتميزون في المغرب بمصداقيتهم، من خلال مواقفهم التي تمنحهم احتراما كبيرا، وفي مقدمتهم العالم مصطفى بنحمزة من جهة الشرق، الذي تجاوب بشكل إيجابي مع المبادرة، ومعروف أن هيأة العلماء هي شبكة معتبرة، وتضم علماء يمكن أن يعبئوا لوحدهم المئات والآلاف في هذه المسيرة. كما اتصلت شخصيات من الشمال لاحقا تؤكد الحاجة إلى مبادرة من هذا النوع. < لكن شباب الحراك يشترطون أولا إطلاق سراح المعتقلين ؟ < طبعا يصر أصحاب الاتصالات على أهمية إطلاق سراح المعتقلين، باعتبارها خطوة أولى لاستعادة الهدوء والثقة، وان المبادرات الحكومية حول تسريع المشاريع لا تكفي لوحدها. واعتبر أن إطلاق سراح معتقلي الحسيمة، لا يمكن أن يتم إلا في إطار توافق أو صفقة تاريخية، وأيضا دعم المبادرة العديد من الشخصيات الوطنية، فمولاي عبد السلام الجبلي ليس شخصية عادية، وهذا من مؤسسي المقاومة وكلمته لها وزن. كما توصلت بإشارات غير مباشرة من شخصيات وطنية مثل أحمد عصمان، وأيضا من الاتحاد المغربي للشغل. إن «الخيط الأبيض» مبادرة مثقف وقوة اقتراحية فقط، ولا امتلك هيأة لتحقيقها، ولذلك كان الرهان منذ البداية على الاتحاد المغربي للشغل، الذي يبقى في رأيي قوة جماهيرية ولوجيستية مؤثرة، قادرة على لعب دور يشبه الدور الذي قام به الاتحاد العام التونسي للشغل. فلا يمكن أن أتدخل أكثر من حدود معينة في تحديد زمان وشروط المبادرة، لأنه يفترض الاستشارة لمعرفة إذا ما أخذت التزامات مع الجماهير بالحسيمة، سيقع التجاوب معها على صعيد إدارة الدولة العليا. ونحن في الانتظار، وأتصور أن الدولة بصدد نقاش، وهذه دولة فيها مؤسسات وآراء واستشارات. الفتنة موجودة داخل الأحزاب < أثارت خرجة عباس الجراري الكثير من الجدل. كيف قرأتم تصريحاته بشأن مسؤولية الأحزاب والدولة في تنامي الاحتجاج في العديد من الجهات؟ < من الناحية النظرية العامة، كلامه صحيح، لأنه في التقاليد الديمقراطية، الجمعيات المدنية المختلفة، وأهمها الأحزاب، تجمع بين وظائف الدولة ووظائف المجتمع، وبالتالي، فهي مسؤولة عن كل ما يأتي من الشارع، كردود أفعال من المجتمع، خاصة حين يتم التعبير عنها بوسائل خارج القنوات والمؤسسات، وربما خارج القانون أحيانا. ولكن من الناحية الواقعية، لا يجب أن ننسى أن الفتنة موجودة حتى داخل الأحزاب. والحسيمة موجودة قي كل حزب، ونحن نلاحظ معاناة حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، و»البام» أيضا الذي راهن على تصدر الانتخابات، ولم يتحقق له ذلك، ناهيك عن أنه يتحمل المسؤولية في الجهة وأغلبية الجماعات بإقليم الحسيمة. إذن المشكل معقد والأطراف كلها في أزمة، دولة وأحزابا، ولا يمكن الخروج من أزماتنا المختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، بالانتظار من جهة، أو بالتعويل ورمي المسؤولية بين هذا وذاك من جهة أخرى. فالمفروض، كما هي تقاليدنا، أن نفهم بأننا مازلنا لم نقطع النهر، وأننا مازلنا في مرحلة انتقال ديمقراطي، وليس في الديمقراطية، وبالتالي ما زلنا في حاجة بعضنا للبعض، وفي حاجة إلى تكاثف الجهود والحوار، لأن تضرر أي طرف سيلحق الضرر بالأطراف الـأخرى. ولا يجب أن ندخل مرحلة الصراع في الديمقراطية، فالمطلوب هو التوافق في المبتدأ وفي المنتهى، لأن الانتقال الديمقراطي هو توافق وصراع. انظر إلى تونس أو مصر التي لم تفهم نخبها أنها في مرحلة انتقال، ومارست ديمقراطية الإقصاء، والنتيجة هي المأزق الذي يعيشه البلدان. في حين فهم المغرب هذه الوضعية، لكن يبدو أننا تناسيناها، ويجب العودة إلى ما كنا بصدده في بداية التسعينات. التوافق لإنجاح الانتقال الديمقراطي < أمازلتم تؤمنون بإمكانية قيام مصالحة بين التيار اليساري والإسلامي، وما هي شروطها؟ < صحيح مازلت أؤمن بالفكرة ذاتها، ولا بديل عنها، ويجب أن ندخل إلى العملية بصدق، لأن التاريخ لا يسير بالرغبات، وله منطقه وقواعده، وبالتالي، إذا أردت تغيير التاريخ وتقليل الخسائر، عليك أن تحترم قواعده، وقاعدة الانتقال الديمقراطي، هي أن من يقوده هم المعتدلون، ويعتمد على التوافق وليس على الإقصاء، وعلينا ألا نكل من الحوار الدائم، ثم إننا نعيش في منطقة عاشت انتقالات ديمقراطية، في إسبانيا والبرتغال، لذلك نحن أقرب البلدان لفهم منطق الانتقال الديمقراطي. وما يفرض علينا التوافق لإنجاح الانتقال، هو أننا أمام مهام التنمية وتوفير الشغل والقيام بالعديد من الإصلاحات، إلى جانب مهام الانتقال الديمقراطي. وهناك أيضا مشكل الصحراء الذي مازال قائما، ويواجه تحديات خارجية، وبالتالي، فإن تضرر الدولة سيعني تضرر كل الطبقات. إن ما يفرض علينا بشكل مضاعف الاشتغال بمنطق التوافق، هو تحديات القضية الوحدة الترابية، وما تتطلبه من وحدة وطنية وشعبية. وبخصوص المواقف الأخيرة للعدل والإحسان، والتي لها رهانات خاصة، باعتبارها القوة التي تظل لحد الساعة خارج بنية المؤسسات، وهي قوة ليست بالهينة، فالآفاق واعدة والنخبة المغربية عموما، رغم أن جزءا كبيرا منها أصبح لامباليا ومبتعدا، يبدو أن تطور الأحداث سيفرض على الجميع العودة إلى الساحة، والجلوس حول مائدة مستديرة للحوار، لنستعيد حكمتنا وذكاءنا الجماعي. طبعا الدولة لها مسؤولية في ما جرى، ولكن حتى هي تشترط التأكد من حسن النية، تقول بأن من يعاديها يصالح الخارج، وفي الداخل يجب أن تكون الخصومة وليس العداء. وهناك أمل كبير في أن ننجح في امتحان الحسيمة الذي يثير العديد من الأسئلة، اعتقدنا خطأ، أننا أجبنا عنها، والحال أنها مازالت مطروحة، وتتطلب اجتهادا وجهادا من أجل التوصل إلى حلول وطنية وشعبية، وهي أمور مترابطة، تشمل قضايا الانتخابات وتقييم تجربة انتخابات 7 أكتوبر، ولم لا حتى الحوار في المسألة الدستورية. الدولة تقتضي وجود الأحزاب < لماذا فقدت الأحزاب القدرة على التأثير بعد المشاركة في تدبير الشأن العام؟ وما هي مسؤولية الدولة في إضعافها؟ < ما هي الدولة؟ الدولة هي المجتمع من جهة، وإدارة الدولة من جهة أخرى، والكثير من الناس يخلطون بين الدولة وإدارة الدولة. والدولة تقتضي وجود الأحزاب، باعتبارها طرفا من الدولة، لأنها مؤطرة للمواطنين دستوريا. هذه الجدلية الطرف الرئيسي فيها هو إدارة الدولة وليس الأحزاب، فلذلك، يحاول الديمقراطي إصلاح إدارات الدولة المختلفة، لأن اختلالات مرافق الإدارة تنعكس سلبا على المجتمع. ولذلك نراهن على الانتقال الديمقراطي لإصلاح المجتمع. صحيح أن الأحزاب تضررت من المشاركة في تدبير الشأن العام، لأن التأخر في معالجة الاختلالات يصعب مهمة الإصلاح، وها نحن نرى كيف خرج الاتحاد الاشتراكي منهكا من تجربة الحكم، والشيء نفسه بالنسبة إلى العدالة والتنمية، والاستقلال أيضا. كاتب وسياسي > أستاذ جامعي متقاعد > من مواليد مراكش عام 1947. > قيادي في منظمة العمل > عضو مجلــس النواب باســــــم منظمة العمل الديمقراطي الشعبي 1993-1997 > مستشار للوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي في حكومة التناوب. > عضو قيادي في الحزب الاشتراكي الديمقراطي المندمج في الاتحاد الاشتراكي > له حضور في الساحة الثقافية والفكرية > أسس جريدة «الجامعة» التي وصلت مبيعاتها إلى 100 ألف نسخة. ساهم في تأسيس عدة منابر ثقافية منها أسبوعية «أنوال الثقافي» ومجلة «عيون المقالات». > مدير مجلة «الملتقى» التي صدر منها أكثر من 30 عددا. > شارك في تأسيس المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الإسلامي

يجب إبرام صفقة بين الدولة ومعتقلي الحسيمة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

إسبانيا: أمننا يبدأ من جنوب المغرب

اعتقال قاصرين سرقوا شقة بالبيضاء

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات