يوم استثنائي لاستقبال الزفزافي بالمحكمة

طرائف وجوانب إنسانية واستنفار أمني ميز استنطاق زعيم احتجاجات الريف إنجاز : محمد بها الساعة تشير إلى الواحدة والربع. المكان محكمة الاستئناف بالبيضاء. استنفار أمني على كافة الأصعدة، فبمجرد الرغبة في الدخول إلى فضاء العدالة لابد أن تثير انتباهك إجراءات أمنية مشددة تحيط بكافة جنبات المحكمة وهو ما يجعل الداخل يتساءل عن سبب هذا الاستنفار غير المسبوق. بمجرد تجاوز المدخل الرئيس لباب المحكمة لابد أن يستوقفك مشهد حافلة يوجد على متنها عدد كبير من رجال الشرطة إضافة إلى وقوف عدد آخر من حراس السجون وأمنيين من مختلف الرتب والتلاوين قبل أن تعرف من خلال همسات أن الاستنفار الاستثنائي سببه استقدام ناصر الزفزافي زعيم احتجاجات الريف الذي صار المتهم رقم واحد في المغرب. تجاوز مراحل دخول محكمة الاستئناف بالبيضاء يحيلك مباشرة على تجمع كثيف لفريق من الصحافيين وممثلي وسائل الإعلام الوطنية ووكالة أنباء إسبانية وهو الفريق الذي أبى إلا أن يأتي لتغطية عرض الزفزافي ورفاقه المتهمين على أنظار الوكيل العام للملك وقاضي التحقيق. تمر الدقائق ومعها يبدأ التشويق في انتظار استقدام الزفزافي ورفاقه الستة، وهي اللحظة الحاسمة التي ينتظرها الصحافيون والمتعاطفون مع المتهم رقم واحد في المغرب على أحر من الجمر، فرغم الصيام وأشعة الشمس الحارقة التي تحاصر المنتمين إلى مهنة المتاعب، إلا أنهم أصروا على تبني خيار تحدي البقاء متسمرين حتى لو اضطروا إلى الإفطار أمام باب المحكمة وكلها تضحيات تهون من أجل الحصول على المعلومة التي ينتظرها الرأي العام المغربي والدولي. الساعة تشير إلى الساعة الثالثة ومازال الانتظار والترقب سيدي الموقف، قبل أن يسمع منبه صوت سيارات الأمن التي كانت تقل ناصر الزفزافي وشركائه بعد استقدامهم من مقر الفرقة الوطنية بالبيضاء. وما إن سمع صوت منبه سيارات الشرطة حتى أعلن من يوجد باستئنافية البيضاء النفير لاستقبال ضيف خاص جاء مصحوبا بشركائه المتهمين، وهو الذي أدى إلى ظهور تنافس شريف بين رجال الأمن والصحافيين الذين كان كل طرف منهم يرغب في القيام بمهمته على أكمل وجه، فالجانب الأمني كان طاغيا على دخول السيارة التي تقل زعيم احتجاجات الريف، وهو ما أدى إلى القيام بإجراءات أمنية مشددة سواء بمحيط المحكمة أو من خلال إسراع رجال الشرطة لمنع ممثلي وسائل الإعلام أو أي شخص غريب من الاقتراب من الموكب الأمني الذي كان يقل صاحب شعار «السلمية ثم السلمية ثم السلمية». أجواء الهدوء التي طبعت قاعات الجلسات ومحيط محكمة الاستئناف بالبيضاء، طيلة الأيام الماضية من رمضان، كسرها حدث استقدام ناصر الزفزافي لمناسبة عرضه على الوكيل العام وقاضي التحقيق، وهو ما ظهر جليا من خلال تجمع فريق الصحافيين من أجل التقاط الصور ومحاولة الحصول على أي معلومة تخص زعيم احتجاجات الريف، وإسراع رجال الأمن إلى ضرب طوق أمني على ممثلي وسائل الإعلام ومحاصرة جميع منافذ القبو الذي دخلته السيارات التي تقل المتهمين السبعة، إذ لم يكن مسموحا لأي شخص بالدخول إلى القبو الذي يؤدي إلى مكتب استنطاق الوكيل العام للزفزافي وشركائه، سوى للمحامين الذين تتشكل منهم هيأة الدفاع عن ناصر ومن معه. بعد إقفال جميع المنافذ التي يمكن أن تتسرب منها وقائع التحقيق مع المتهمين، عاد الصحافيون أدراجهم إلى مكانهم القريب من باب قبو المحكمة، وهو المكان الذي تحول إلى خلية يشتغل فيها ممثلو وسائل الإعلام للإسراع في تنزيل الفيديوهات والصور على المواقع الإخبارية، وكل ما من شأنه أن يوثق لخبر نقل الزفزافي وشركائه الستة من مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالبيضاء إلى محكمة الاستئناف بالبيضاء التي تحتضن مكان استنطاق المتهمين. لم تمر بعض الدقائق حتى ظهر والدا ناصر الزفزافي وهما يترجلان من سيارة أحد المحامين الذين ينتمون إلى هيأة الدفاع بعد أن استقدمهم من الرباط إلى العاصمة الاقتصادية لمؤازرة ابنهم المتهم في قضايا متعلقة بالمس بسلامة الأمن والنظام العامين. وبمجرد أن لمح الصحافيون والدي المتهم الرئيس في احتجاجات الريف حتى تسابقوا نحوهما من أجل الظفر بتصريح لهما في هذه النازلة، إلا أنهما رفضا ذلك باعتذار، مشيرين إلى أن حالتهما النفسية والصحية لا تسمح لهما بإعطاء أي تصريح، كما أن همهما الآن منصب حول كيفية رؤية ابنهما والتطورات التي سيعرفها ملفه ومن معه ما بعد عرضهما على الوكيل العام وقاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف بالبيضاء. بعد اعتذار والدي الزفزافي اكتفى ممثلو وسائل الإعلام بأخذ صور لهما إلى جانب الحصول على تصريح المحامي الذي جاء لمؤازرة موكله أثناء الاستنطاق، وكشف أن موكله بريء إلى أن تثبت إدانته وأن إعطاء تفاصيل عن حالته الصحية والتهم الموجهة له لن يتأتى إلا بعد انتهاء التحقيق معه من قبل الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالبيضاء وإحالته على قاضي التحقيق بالمحكمة ذاتها. كما كشف المحامي نفسه كواليس استقبال عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة السابق لوالدي زعيم احتجاجات الريف التي تميزت بالجانب الإنساني وذكر الطابع الاجتماعي والاقتصادي للمسيرات التي تعيش على إيقاعها مدن الريف، قبل أن تمتد إلى مدن أخرى تضامنا مع معتقليها ومطالبهم، إضافة إلى معاتبة الخروج عن السلمية التي تميزت بها الاحتجاجات في بداياتها ونتائج ذلك على الأمن والنظام العامين. بعد التحاق محامي الزفزافي بزملائه في هيأة الدفاع عن المتهمين السبعة بمكتب الاستنطاق، ركن والدا الزفزافي إلى زاوية بأدراج المحكمة بعد أن أمرهما رجال الأمن المكلفون في المحكمة بمغادرة بهو المحكمة في انتظار انتهاء التحقيق مع المتهمين. وبعد ساعات طويلة من الانتظار بالقرب من قبو المحكمة وقبل دقائق معدودة من موعد أذان المغرب لإعلان الإفطار خرج المحامون للإدلاء بتصريحات صحافية حول استماع حسن مطار الوكيل العام لاستئنافية البيضاء إلى الزفزافي والمتهمين الستة وما ميز ذلك من دفوعات المتهم الرئيسي بخصوص التهم الموجهة إليه، والذي حاول أن يدفع عنه التهم الثقيلة الموجهة إليه بالإنكار، قبل أن يعلن دفاع المتهمين أن الوكيل العام أمر بإحالة الزفزافي على قاضي التحقيق للبحث معه في الاتهامات التي تم توجيهها إليه، وهي المرحلة الثانية التي شهدها فضاء محكمة استئنافية البيضاء والتي عاش فصولها المثيرة الصحافيون وعائلة المتهمين إلى ساعات متأخرة من صباح اليوم الموالي. جانب إنساني رغم التهم الثقيلة التي يتضمنها ملف الزفزافي وما نتج عن ذلك من أجواء مشحونة لدى الرأي العام المغربي، إلا أن تقديم ناصر الزفزافي الاثنين الماضي على أنظار الوكيل العام لم يخل من جانب مثير أظهر الحس الإنساني في عالم القضاء المعروف عنه صرامته في تطبيق القانون، ويتجلى ذلك بعدما سمح الحسن مطار الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالبيضاء لوالدي زعيم الاحتجاجات التي يعرفها الريف بزيارته، بعد أن حلا بالمحكمة لمؤازرة فلذة كبدهما متحملين عناء الطريق من أجل الظفر بفرصة رؤية ابنهما وعناقه وهو ما تحقق لهما في الأخير. طرائف التعب الشديد الذي تربص بأجساد الصحافيين نساء ورجالا أثناء محاولاتهم الكبيرة لرصد كل صغيرة وكبيرة في ملف الزفزافي ومن معه، ساهم في بروز طرائف عديدة أرخت بظلالها على أجواء متابعة عرض زعيم احتجاجات الريف ومن معه على الوكيل العام للملك وقاضي التحقيق لمواجهتهم بالتهم المنسوبة إليهم. وتبقى أقوى الطرائف تلك التي حدثت من شدة حرص الصحافيين على عدم تضييع فرصة خروج الموكب الأمني الذي يقل الزفزافي وشركاءه المتهمين، إذ بمجرد أن يفتح باب القبو للسماح بخروج سيارات أمنية لنقل سجناء الحق العام حتى يهرع الصحافيون والمصورون نحوها ظنا منهم أنها تلك التي تقل الزفزافي وهم يصيحون بعبارة «هاوا هاوا هاوا»، قبل أن يكتشفوا أنه ليس الزفزافي، وبعد تكرار المشهد نفسه أكثر من ثلاث مرات تفتقت عبقرية أحد ممثلي وسائل الإعلام الوطنية حينما عمد إلى التهكم على زملائه من أجل تزجية الوقت حتى لا يتسرب إلى صفوف المنتمين إلى مهنة المتاعب الملل والفتور بعدما أصبح ينادي «هاوا هاوا» ليحولها إلى كلمة «هاو هاو» تقليدا لصوت الكلاب وهو ما حول المكان إلى فسحة.

يوم استثنائي لاستقبال الزفزافي بالمحكمة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تدبير شكايات المتقاضين آلية للتجويد

نصاب عمرة رمضان في قبضة الأمن

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات