في عرضه لمضامين البرنامج الحكومي، تفادى سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، الاقتراب من «أعشاش الدبابير» بقطاع التعليم، مكتفيا بمرور خفيف على أولويات تنزيل الإصلاحات المضمنة في الرؤية الإستراتيجية، في ما يشبه استنساخا للتوجه الحكومي، رغم التغييرات التي حصلت على «قمة» الوزارة. لقد كان حجم البرود الذي تعاطى به رئيس الحكومة مع قطاع حيوي يرهن مستقبل البلد وأجياله مفاجئا، أولا، من حيث إدراج التعليم في محور عام يتعلق بترسيخ التنمية البشرية والتماسك الاجتماعي، وثانيا بترديد المقولات والوصفات و«الكليشيات» نفسها التي أدمنتها الحكومات السابقة على مدى سنوات، أي اختزال إصلاح التعليم في عدد من الدعامات والرافعات والفصول بمضمون بيداغوجي صرف. والحال أن التعليم في المغرب يحتاج إلى رجة كبرى على مستوى القيم وتخليق الحياة المدرسية، ليس فقط بالنسبة إلى التلاميذ، الذين خصهم المجلس الأعلى للتعليم بتقرير صادم، عرى عددا من العيوب والفضائح، ولكن بالنسبة إلى الأساتذة والمعلمين، الذين تحول عدد منهم إلى عائق بنيوي كبير أمام إصلاح المنظومة. فلا يمكن تنفيذ الإصلاح، مهما بلغت دقة أهدافه وتوجهاته، بأدوات إصلاح صدئة، أي لا يمكن تنفيذ مضامين الرؤية الإستراتيجية التي صرفت عليها الدولة ملايين الدراهم، بمجموعة من الأساتذة يختزلون وجودهم الوظيفي في الانخراط في النقابات والجمعيات والتنسيقيات الفئوية لابتزاز الحكومة بملفات مطلبية وإرهاقها في الإضرابات والوقفات الاحتجاجية. إن أهم مهام الإصلاح المغيبة في التوجهات الحكومية منذ الميثاق الوطني للتربية والتكوين، القطع مع أساليب المحاباة والحظوة التي يتمتع بها الأساتذة والمعلمون، لأسباب سياسية، باعتبار أن هؤلاء يشكلون النواة الأساسية للقواعد الحزبية والنقابية، والمساس بهم يعني مساسا مباشرا ببنيات الاستقطاب والتعبئة لعدد من الأحزاب والنقابات. وبسبب هذا المنطق، دخلت المدرسة العمومية في مسلسل من الضياع، وأهدرت وقتا وزمنا ثمينين، تنعكس نتائجهما السلبية، اليوم، على أجيال من التلاميذ يشكون أعطابا بنيوية في التعليم والتكوين والاندماج المهني، بسبب أكبر عملية «تكليخ» تعرضوا لها في السنوات الماضية من قبل أستاذة لا يحضرون القسم إلا لماما، بينما يواظبون على «القطاع الخاص». لذلك، سيكون من المهام الأساسية للوزير الجديد، المتمرس في التدبير الإداري والحكامة، إعادة الانضباط التربوي إلى المؤسسات المدرسية، وفرض عودة الأساتذة إلى أقسامهم، وتدبير جيد للزمن المدرسي، حتى تتمكن المدرسة العمومية من تحقيق الأهداف المسطرة في الرؤية الإستراتيجية المتوافق عليها من قبل جميع الفرقاء السياسيين الممثلين في المجلس الأعلى للتعليم، ليبقى الأهم بالنسبة إلى وزير الداخلية السابق، إعطاء مضمون تدبيري للإصلاح، والاجتهاد في تنزيل حكامة جيدة تقطع مع المنطق السابق وتعيد الأمور إلى نصابها. والبداية، ستكون من إحياء مؤسسة المفتش، وتوفير إمكانيات وظروف الاشتغال لعشرات المفتشين، الذين وضعتهم التجارب السابقة على هامش الإصلاح الحقيقي، وأبعدتهم من مناطق تماس مع الأساتذة والمعلمين، علما أنه لا يمكن تطوير التعليم ومراقبة تنزيل مضامينه، وتقييم عمل المدرسين وإنتاجهم ومردوديتهم، دون هذه المؤسسة الحيوية. بهذا النفس الجريء يبدأ الإصلاح، ودونه سنظل نسبح في مياه النهر نفسه، ونواصل هدر الأموال والجهود في قطاع لا ينتج إلا التخلف والجهل، ونعطي حجة للمؤسسات المالية للدولية للضحك علينا ووضعنا على مسافة 30 سنة من بلد اسمه تركيا.