لا وجود لوصفة لتدبير المرحلة

الشعباني قال إن التعامل مع المراهقين يتطلب الكثير من المرونة والتفهم تعتبر المراهقة من المراحل التي تستأثر باهتمام عدد من علماء النفس والباحثين في مجال الاجتماع ، سيما أنها مرحلة انتقالية تعرف تغيرات جسدية وفكرية ونفسية. عن هذه المرحلة وأهم ما يميزها ومحاور أخرى يتحدث علي الشعباني، أستاذ باحث في علم الاجتماع ل"الصباح" في الحوار التالي: كيف يمكن تدبير مرحلة المراهقة؟ لا توجد هناك وصفة محددة وموحدة لطريقة تدبير مرحلة المراهقة. فرغم أن علماء النفس يجمعون على أن مرحلة المراهقة عادة ما تمتد ما بين سن 12 وإلى غاية سن 18، الذي تعتبر بداية سن الرشد عند الذكور والإناث على السواء، فإن كل فرد من الأفراد ذكرا كان أو أنثى يعيش مراهقته بشكل مختلف عن الشخص الآخر. كما أن مرحلة المراهقة يمكن أن تكون مبكرة ويمكن ألا تظهر عند البعض إلا في سن متأخرة على ما هو محدد عند علماء النفس. ولا يجب أن نتغافل عن حضارات وثقافات المجتمعات المختلفة في ابتكار أساليب وطرق تدبير هذه المرحلة والتحكم في انفعالاتها وتنظيم مناهج التعامل مع المراهقين. لكن، ومهما يكن من اختلاف بين المراهقين وبين حضارات وثقافات المجتمعات التي يعيش فيها هؤلاء المراهقون، فمن الواجب على كل مهتم بشؤون تدبير هذه المرحلة، أن يتعرف أولا على مميزات مرحلة المراهقة والتغيرات النفسية والجسدية والفكرية للمراهق قبل أن يختار طريقة من طرق التعامل مع المراهق. فمراهق السن 12 ليس هو المراهق في سن 15 أو في سن 18، إذ لكل من هؤلاء مميزاته وخصائصه النفسية والعقلية والجسدية التي تختلف عن مميزات وخصائص وانفعالات المراهق الآخر. إذن لابد من مراعاة هذه الاختلافات وأخذها بعين الاعتبار عند كل تدبير أو معاملة أو رد فعل. لا بد أن ندرك بأن مرحلة المراهقة هي مرحلة انتقالية ما بين مرحلة الطفولة ومرحلة النضج أو الرشد، لذلك فهي مرحلة تخلط بين خصائص الطفولة وخصائص مرحلة النضج، وبالتالي فالمراهق يوجد في منزلة بين منزلتين، ما هو بطفل وما هو براشد، وحتى من ناحية المسؤولية الجنائية يعتبر قاصرا. ما الذي يميز مرحلة المراهقة؟ تبدأ مرحلة المراهقة بظهور بعض التغيرات الجسمية والسلوكية الممهدة لبلوغ الحلم في السنوات الأخيرة من الطفولة المتأخرة (ما بين 11 و13 سنة). والمراهق كما عرفه المنجد، هو الغلام الذي قارب الحلم أو البلوغ. وتتميز هذه المرحلة ببعض التغيرات التي تهم شخصية المراهق شكلا ومضمونا. وقد حددها علماء النفس والدارسون لمراحل النمو عند الإنسان حسب التالي: أولا تتميز هذه المرحلة باشتداد الرغبة عند المراهق في التعارف وجمع المعلومات عن الجنس الآخر والاهتمام به أكثر وربط علاقات معه. ثانيا، الرغبة في تقليد الأصدقاء والتعلق بهم وكراهية الابتعاد عنهم. ثالثا، التشبث ببعض الهوايات والميول والحرص على تحقيقها. رابعا، الرغبة في الاستقلال عن الوالدين، والحرص على أن يظهر بمظهر الراشد الكبير، والميل إلى الاعتماد على النفس ورفض مساعدة الآخرين. خامسا، الرغبة في إثبات الذات ولو ببعض السلوكات المتمردة والرافضة. سادسا الرغبة في التوصل إلى الاستقلال العاطفي عن الأبوين، والتحرر من التعلق الطفولي بالأبوين والأشخاص البالغين والابتعاد ما أمكن عن الاعتماد عليهم. سابعا تكوين اتجاه إيجابي نحو الحياة الأسرية والتعلق بالجنس الآخر، والنزعة نحو الحصول على المعلومات الضرورية الخاصة بالشؤون المنزلية والأسرية والتربوية. كما تتميز هذه المرحلة عند الجنسين معا بمشاكلها نتيجة لحاجات المراهق، وضغوط المجتمع عليه، فهو لم يعد طفلا، وهو في الوقت نفسه لم يصل بعد سن الرشد، وبالتالي فإن المجتمع يحرمه من حقوق البالغين الراشدين، وهو ما يقوي نزعة التمرد والعناد لديه. كيف ينبغي على الآباء التعامل مع الأبناء في هذه المرحلة وبصفة خاصة مع المراهق العنيد؟ الكل يجمع على أن مرحلة المراهقة من المراحل الحرجة التي يمر بها الإنسان خلال مراحل نموه، لذلك، ليس من الغريب أن نجد العديد من التخصصات العلمية التي تهتم بدراسة وتحليل كل ما يتعلق بهذه المرحلة. ومن بين القضايا التي تستأثر باهتمام هؤلاء الباحثين والدارسين، قضية تعامل الآباء والكبار مع المراهقين. لقد أشرنا أعلاه، إلى أن التعامل مع المراهقين عند اجتيازهم لهذه المرحلة يتطلب الكثير من المرونة والتفهم والاطلاع الواسع بما تقتضيه هذه المرحلة من كياسة وتفهم. إن المراهق في هذه المرحلة العمرية يمر بمرحلة انتقالية، وكل المراحل الانتقالية تتميز بعدم الاستقرار والثبات سواء في المواقف أو السلوك أو الاتجاهات، فبما أنه غير ناضج فمواقفه واتجاهاته السلوكية والفكرية قد ينقصها النضج أيضا، ومع رغبته في إثبات ذاته والتعبير عن أفكاره وميولاته، قد يصبح عنيدا ومتمردا في حالة التشدد في معارضته ومخالفته والحرص على مراقبته والتضييق من حريته. هذا المراهق لم يعد طفلا، لذلك لابد للآباء من الانتباه لهذا المعطى، وأن يعملوا على تغيير أسلوب تعاملهم معه، وأن يجتهدوا في إعداده لمواجهة مراحل النمو الأخرى التي تعده لمواجهة الحياة والشعور بالمسؤولية وتأدية الواجبات، لكن للأسف نجد بعض الآباء لا يرغبون في التفريط في الحضانة التي كانوا يولونها لأبنائهم وهم صغار، ويستمر هذا الأسلوب في التعامل مع هؤلاء الأبناء حتى لو اجتازوا مرحلة الطفولة، مما يقوي نزعة الرفض والتمرد والعصيان عند هؤلاء الأبناء الذين يرفضون استمرار الحضانة والوصاية الزائدة. إن مشاكل التعامل مع المراهقين لم تعد تطرح على صعيد البحث والاهتمام العلمي بها، إلا في المجتمعات الراهنة التي عرفت تغيرات عميقة في تركيبتها الاجتماعية وتحولات جذرية في عاداتها وتقاليدها التي كانت تنهجها في تربية وتنشئة أطفالها. فقد كانت هناك مجتمعات لم يعرف أطفالها مرحلة المراهقة، مباشرة بعد مرحلة الطفولة كنا نجدهم متقمصين لأدوار الكبار، خاصة عندما كانت الفتيات يزوجن في سن جد مبكرة. فهذه الفتاة التي هي طفلة صغيرة بعد تزويجها أصبحت أما "تربي" أبناءها الصغار. والشاب المراهق رجلا يقوم بالأدوار نفسها، التي يقوم بها والده في الحقل أو في ورشة العمل. هل هناك فرق في التعامل مع الإناث والذكور خلال فترة المراهقة؟ بطبيعة الحال، لا بد أن تكون هناك فروقات في التعامل بين الذكور والإناث في هذه المرحلة. إن الفروق الجنسية لايزال لها دور فعال في تقسيم الأدوار وبالتالي في مسألة التعامل وطرق وأساليب تربية وتنشئة الذكور والإناث في مجتمعنا. إن المجتمع المغربي لا يزال متحفظا في الكثير من القضايا التي يفرق فيها بين الجنسين، ومن بينها قضية التعامل بين الذكور والإناث خلال مرحلة المراهقة، ولا تزال شرائح اجتماعية واسعة فيه تحرص ما أمكن على إعداد كل من الولد والبنت للأدوار الاجتماعية التي تنتظرهما في المستقبل خاصة بعد الزواج. ورغم ما قد يلاحظ من توسيع مجال الحرية التي يتمتع بها الأبناء في المجتمع الراهن، إلا أن الآباء ما زالوا متشبثين بالحرص على توجيه ومراقبة أبنائهم والتعامل بشكل من التمييز ما بين الذكر والأنثى داخل الأسرة وخارجها. غالبا ما يبدي المراهقون اعتراضات على سلوكات الآباء أو المدرسين أو محيطهم بشكل عام. كيف يمكن التفاعل معهم؟ هذه الاعتراضات قد تبدو في بعض الأحيان عادية وطبيعية باعتبار المرحلة العمرية التي يمر بها المراهقون. فالرغبة في إثبات الذات والتعبير عن الوعي والإدراك والاستيعاب، ولو الدعاء، قد تكون هي المحرك لهذه الاعتراضات أو المواجهات. لذلك يجب الكثير من التفهم وضبط النفس تجاه الآخرين، وألا يأخذوا هذه الاعتراضات مطية لتعكير وتعقيد العلاقات بين هذه الأطراف. إنه على الكبار آباء أو مربين أو مدرسين أن يتحلوا بسعة الخاطر والتفهم لمواجهة مثل هذه الحالات. فمن حق المراهق أن يعطي رأيه ويعبر عن أفكاره، وألا نقمعه أو نحبطه، بل من الواجب التصحيح والتقويم إن كان مجانبا للصواب، أو التنويه بأفكاره إن كان صائبا وتشجيعه على المشاركة، وألا نواجهه بما كان يواجه به بعض الآباء أو بعض الكبار المراهقين في مثل هذه المواقف ب «اسكت انت باقي صغير"؟ كيف يمكن مساعدة المراهق على تجاوز حالة الشعور بالتمرد والإحباط؟ هذا سؤال مهم ولكن من الصعوبة إعطاء جواب مقتضب للإحاطة بمقتضياته. لذلك لا بد من الإشارة بشكل مختصر لما يتطلبه الموقف. إن الشعور بالتمرد والإحباط من المميزات السلوكية التي تظهر على الكثير من المراهقين الذين لا يجدون من يستجيب لمعاناتهم أو من يخالفهم الرأي والموقف والسلوك. ولتجاوز هذا الشعور لابد من أمرين: أولهما، مراجعة الطبيب المختص أو المرشد والموجه الاجتماعي لدراسة الحالة وتقدير ما تتطلبه من أجل الخروج منها وتجاوزها. هذا بطبيعة الحال في الحالات المستعصية. ثانيهما، احتواء هذا المراهق الذي يجتاز هذه الحالة في بدايتها من قبل الآباء وكل من هو قريب منه والعمل على معرفة أسباب وعوامل هذا الشعور. والعمل بالتالي على دعمه ماديا ومعنويا ودفعه لإدراك أسباب شعوره بالإحباط والعمل على تليين سلوكه المتمرد. أجرت الحوار: أمينة كندي

لا وجود لوصفة لتدبير المرحلة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

جريدة الصباح

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

78 سنة لأفراد شبكة "كوكايين الداخلة"

إقبار مشاريع لـ"الحسن الثاني" بـ 3 ملايير

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات