“إبداع” في العلاج

قطع المغرب شوطا كبيرا في الطب، وكل دروس أكبر المعاهد تقف حائرة عند أطباء وممرضين يتفوقون على زملائهم في كبريات المستشفيات العالمية ب»إبداع» طرق جديدة في العلاج، ومن رأى ليس كمن سمع. في الأسبوع الماضي، حملت سيارة رشيدة على وجه السرعة إلى قسم المستعجلات بمستشفى محمد الخامس بالبيضاء، فقد كانت تتلوى من شدة الألم، وبجانبها والدتها تواسيها وتخفف عنها الآلام، ثم انهارت المريضة تماما، حين اكتشفت أن يوم مرضها صادف العطلة الأسبوعية، فطالما سمعت قصصا «خرافية» عما يحدث داخل القسم من غرائب وعجائب لا تخطر في بال أشد المتفائلين بقطاع الصحة بالمغرب. وصلت رشيدة منهارة إلى قسم المستعجلات، وقصدت والدتها شباك الاستقبال من أجل أداء مبلغ 40 درهما، ثم فتح لها حارس أمن خاص الباب ووجهت إلى أقرب سرير، في حين ظلت والدتها تنتظر قدوم الطبيب من أجل إنقاذ ابنتها.. وليتها ما فعلت ذلك. مرت الدقائق طويلة كأنها الدهر كله، وطال غياب الطبيب، رغم أن الحالة الصحية لرشيدة ازدادت تفاقما، فقررت الأم البحث عنه، وحين ولجت أحد المكاتب وجدت الممرضات منهمكات في تناول وجبة الفطور، وتبادل الأحاديث، غير عابئات بوفود المرضى المستلقين على الأسرة، ولأنها أشفقت على حال ابنتها فقد توسلت إليهن بإسعافها، فوعدنها خيرا.عادت الأم إلى جانب ابنتها الممددة على السرير تنتظر، مرة أخرى. وبعد طول انتظار دخل أحدهم ببذلته البيضاء مسرعا، غير عابئ بنظرات المرضى المتوسلين إليه، ثم توجه إلى سرير فارغ جعله مكتبا مؤقتا وبدأ يستفسر المريضة عن شعورها ومكان ألمها، دون أن يعاين، ولو لفترة، جسدها، فقد منح راحة للسماعة حتى تستمر مدة أكبر تحيط برقبته، وشرع يدون في ورقة ما عددا من الأدوية. إنه الطب الجديد، فلا حاجة للطبيب لفحص المرضى، وقياس الضغط الدموي والحرارة، بل يكتفي فقط بالاستماع إليهم، ثم يمدهم بالوصفات الطبية... إنه العلاج عن بعد، كما اخترعه الطبيب المداوم بقسم المستعجلات بمستشفى محمد الخامس بالبيضاء. فجأة، ثارت الأم من مكانها، حين مدها الطبيب بوصفة الأدوية، واتهمته باللامبالاة، فلا يعقل إطلاقا أن يقتصر على سماع شكوى المريضة، دون فحصها، حينها التزم الطبيب الصمت، سيما حين تعددت شكايات أقرباء مرضى عانوا بدورهم بسبب «عبقرية» الأطباء والممرضين بمستشفى محمد الخامس. نبهت الأم الطبيب إلى أنه، على الأقل، كان يجب منح المريضة دواء لتخفيف الألم، فجاء الجواب من باقي المرضى بأن لا وجود له في القسم. خرجت الأم من المستشفى، دون الحصول على الوصفة، فهي لا تثق في طبيب يجيد فن المراوغة والتنصل من قسم أبي قراط لإنقاذ الأبرياء، وأقسمت أمام كل حراس الأمن الخاص على عدم العودة إليه مجددا، دون أن يرف لهم جفن، فربما اعتادوا على احتجاج المرضى وأقربائهم من سوء معاملة الأطقم الطبية لهم، أما المسؤولون عن المستشفى، فهم آخر من يعلم. إنه نموذج لتعامل أطباء مع المرضى في المستشفيات، دون الحديث عن مستشفيات انقطعت السبل بمرضاها، فتحولوا إلى متسولين يجوبون القاعات، بحثا عمن يمدهم بمبالغ مالية قصد اقتناء الأدوية، في مشاهد مؤثرة، أو يصبح سوقا تقصده النساء لبيع الملابس في أوقات الزيارة.. إنها المستشفيات التي تحقق أرقاما قياسية، ليس في التطبيب أو الالتزام بقسم أبي قراط، لكن في التنكيل بالمرضى. خالد العطاوي

“إبداع” في العلاج

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

بعث من قبره ليجري معاملات بالملايير

عاجل ..انفجار يهز باريس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات