العمل الجمعوي… الوصفة السحرية للإنقاذ

راشدي: غياب إستراتيجيات حكومية تحمي من الخواء والفراغ الفكري قال عبد المقصود راشدي، الرئيس المؤسس لجمعية الشعلة للتربية والثقافة، إنه إذا لم يعد الاعتبار إلى فضاءات دور الشباب ومراكز الاستقبال ومراكز التكوين والتأهيل، وإعادة توظيفها بما يلائم تطلعات الأجيال الجديدة، فسيجد المغرب صعوبة في تحقيق تقدم في مجالات الشباب. وأوضح عبد المقصود راشدي، في حواره مع "الصباح"، أن دور الشباب على وضعها أنتجت، في ما مضى، نخبا توجد في قلب المجتمع، قبل أن يتحول الشباب، في ظل غياب رؤية ودعم للجمعيات الجادة، إلى قنابل موقوتة. < يجمع الباحثون على الدور الهام للعمل الجمعوي في بروز نخب، هل اختفى هذا الدور حاليا؟ < في الواقع يجب التذكير أن المشهد الجمعوي كان له دور كبير في سياق تطور المجتمع المغربي، إذ اعتبر مدرسة للتكوين والمشاركة والاطلاع والقيم ونكران الذات والعطاء. لقد ساهم هذا الدور في الحد من العديد من مظاهر الانحراف المتعددة الأنواع، وساهم في الأمن الاجتماعي في زمانه، وأبرز العديد من الكفاءات والأطر التي فرضت نفسها بقيمها وطريقة رؤيتها والإيمان بنسبية الأشياء واندماجها في المجتمع، وأصبحت تشكل قاطرة للنخب بالمغرب، رغم أن الفضاءات التي اشتغلت فيها كانت بسيطة ومتواضعة، لكنها عنوان الاندماج والنجاح الاجتماعي. اليوم، وفي ظل هذه التحولات الديمغرافية والسوسيولوجية التي عرفها المغرب، وتحول القيم وتعدد الانتظارات والأثر السلبي للعولمة، وبروز ذات الفرد باعتباره قوة أساسية في هذا المشهد تبرز تباعد تين رغبات الشخص وقدراته وإمكانياته وطموحاته، مقابل الواقع الذي لا يساعد شباب اليوم على الفعل والاندماج والتكوين والعطاء، وأحيانا ضمان كرامته ومواطنته. لذلك نلمس اليوم حدة هذا التباين، ما يطرح علينا أسئلة جوهرية حول رؤيتنا للشباب. وعلى ضوء الدراسات التي برزت خلال خمس السنوات الأخيرة، نتساءل عن سوسيولوجيا تحولات الشباب كقيم وسلوك وممارسة وتفكير ورؤية للذات والعائلة والوسط وللمجتمع؟ وبالإجابة عن هذا السؤال نكتشف، ربما، الحاجيات الحقيقية لكي نعفي المغرب من ظواهر خطيرة مستقبلا، فواقع اليوم ينتج نوعا من الخواء والفراغ الفكري، وحين يتعلق الأمر بالشباب، فإنه يشكل قنابل موقوتة، لا قدر الله. < من يتحمل المسؤولية في نظركم؟ < المسؤولية يتحملها، بشكل منطقي، المسؤولون عن السياسات الحكومية، فإذا لم نعد الاعتبار إلى فضاءات دور الشباب ومراكز الاستقبال ومراكز التكوين والتأهيل بنظرة مستقبلية مغايرة، لن نستطيع تحقيق تقدم في أي مجال، وطبعا أية رؤية تتطلب إرادة وأفقا وميزانية أساسية لمواكبة هذا التحول الذي أصبح ضروريا. لاحظ أن دور الشباب، على أهميتها وبساطتها وتواضعها، تشكل نشازا وبؤسا لا يغري الشباب اليوم بولوجها، فهي لا تتوفر على وسائل التواصل الحديثة، وقاعات متعددة الاختصاصات، ومكتبات، ولا تحفز على الإبداع والاجتهاد، و المنافسة الشريفة والعمل المشترك. أريد هنا أن أثير انتباه المسؤولين لأهمية إعادة هيكلة وتجهيز مختلف الفضاءات لتساهم في تحقيق أدوارها الطبيعية، فهي تقع في الأحياء الشعبية، حيث توجد فئات شبابية كبيرة جدا لا تتوفر على فضاءات لاحتضانها. والفضاءات بالأحياء لا ينبغي أن تقتصر فقط على ملاعب القرب المحدودة، بل نحتاج إلى خزانات ومعاهد الموسيقى وإعادة توظيف القاعات السينمائية المغلقة. لقد كان المغرب، في زمن ما، يخاف من الشباب وفضاءاته، ورغم ذلك أنتجت أطرا، لكن، اليوم، وأمام الإحصائيات والأرقام التي أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط، ومختلف الدراسات، تجعلنا ندق ناقوس الخطر، فلا مستقبل بدون جعل الشباب جوهر التحولات ببلادنا. فالاهتمام بالشباب يتطلب اليوم رؤية مغايرة ومستقبلية لرهاناته لأنه يشكل قطب بناء مجتمع متماسك يراهن على القيم والكرامة والبناء والإلمام بقدرة الشباب على الإنتاج والعطاء. ولذلك المنظمات المعنية بقضايا الشباب يجب المساهمة في تأهيلها ومساعدتها على التطور والمهنية وضمان الإمكانيات لها على قاعدة تعاقدات محددة البرامج والأهداف والنتائج والمعايير، التي يمكن على ضوئها تقييم مردودية هذه الجمعيات المبنية على العمل التطوعي وعلى الفاعلين بها ككفاءات ضرورية، تعمل على توظيف الخبرة والعمل مع الشباب، مما سيؤهلها للمساهمة في جعل المغرب ورشا شبابيا يواكب الدينامية المجتمعية. ولذلك يجب التفكير، اليوم، في إطار يهتم بالشباب أو في مؤسسة تجمع هذه الفضاءات، فحتى وزارة الشبيبة والرياضة اختصرت مهامها في الجانب الرياضي، واختزلت دور الجمعيات في تنظيم المخيمات، رغم أهميتها ومحدوديتها في الوقت نفسه. ما يهمنا، اليوم، كيف نساهم في تكوين الفكر والقيم والذوات والمناعة وحب الوطن لكي نفتح مجالات جديدة لإبداع الشباب، فبقدر ما نتخوف على المستقبل بقدر ما أوكد أن هناك أملا كبيرا في حالة الاهتمام بالعمل الجمعوي بهذه الصيغة بموازاة مع التعليم والثقافة، وفتح المجال للشباب لمعرفة وطنه وزيارة مناطقه الشاسعة، التي تمنح للشباب حق التجوال في وطنه، وتُمنح له حرية اكتشاف العيش المشترك، وملاحظة تعامل المغاربة في مناطق نائية مع المشاكل والطبيعة والحياة اليومية، كنموذج لتنوع التجارب وتثمينها، فالشباب ليس هو المراكز الحضرية فقط، بل مختلف المناطق الترابية. وربما من المفيد التفكير في صيغ أخرى لتأهيل الشباب، خصوصا مع التحولات المجتمعية والتكنولوجية، إذ يمكن كذلك التفكير في خدمة اجتماعية جديدة للشباب لمدة شهرين أو ثلاثة، إلى غيرها من الأفكار الكثيرة، لكن السؤال الأهم ينحصر في الإجابة على مستقبل الشباب في مغرب اليوم، ومغرب 20 سنة المقبلة؟ نحن في حاجة لأفق جديد يعطي الأمل للشباب رهان الاستقرار والتنمية. < هل افتقدت الحكومات المتعاقبة الرؤية في قضايا الشباب؟ < لا ينبغي أن نكون عدميين، فقد كانت هناك مجهودات، لكنها قطاعية لا ترقى إلى سياسات حكومية تعطي أفقا قويا، وكأننا اليوم يجب أن ننتظر تدخل الملك لامتلاك مبادرة ما، في حين أن الرهان على الشباب هو رهان على تربية المواطنة و الديمقراطية والتماسك الاجتماعي، فلاحظ معي أن الأرقام التي تتحدث عن أعداد غير الحاصلين على شهادة الباكالوريا أو تكوين مهني؟ وكم عدد الشباب خريجي المدارس الأمريكية أو الفرنسية أو الألمانية، ثم لاحظ هذا التشتت في بناء تجانس مجتمعي، والهوة التي سينتجها، سواء بين الأجيال أو مكونات المجتمع، والبون الشاسع التي ينخر المجتمع من الداخل، ويساعد على التشويش على الشباب المغربي من خلال أخطبوط الإرهاب وأشكال الانحراف. لذلك يجب أن نستبق كل هذه الظواهر ونعيد التفكير من موقع سياسة الدولة للعقدين المقبلين عبر برامج شبابية مضبوطة، فقد سمعنا عن استراتيجيات حكومية، لكنها خطاب فضفاض، ومجرد تغطية على الوقائع، فيمكن إحصاء، خلال 10 سنوات الأخيرة، كم عدد المبادرات المخصصة للشباب ومآلها.. اترك لك البحث عن النتائج. يجب التفكير في التعاقد مع الجمعيات الجادة الوطنية أو المحلية والجهوية، طالما لها شروط وقدرة على العطاء، مع المواكبة والتأهيل والمردودية، ومحاسبتها أيضا. يجب توفير شروط العمل للجمعيات وفق تعاقدات كبرى، ومطالبتها بالمردودية والمحاسبة المشتركة، ولاشك أن مثل هذه الخطوات ستجعل الجمعيات تنفتح على الشباب، وستجعل كل الطاقات تتعاون حسب موقعها ومسؤوليتها في إعادة مواكبة الشباب والاشتغال معه من أجل مغرب الغد. < بحكم تجربتكم الطويلة في المجال الجمعوي هل تلاحظ أن هناك أملا لاستعادة إشعاع العمل الجمعوي؟ < نحن نتوفر على إطارات جمعوية كبيرة، ناهيك عن المبادرة الوطنية للتنمية التي أنتجت جيلا جديدا من الجمعيات التي ترتبط بالعمل مقابل الإمكانيات المالية، واليوم هناك قراءات وتقييمات مهمة لأفق هذا المشروع الذي لم يتم استيعابه بعد، لكن إذا حققنا تعاقدا مع الجمعيات في ظل العمل التطوعي وقيم المساواة والحق والواجب والتواضع والمردودية والاستمرارية والآفاق، فأنا متأكد أن الأمل موجود في شباب المغرب. السؤال هو كيفية العمل على تقليص الهوة بين الفئات الاجتماعية الشبابية؟ وكيف نضمن مجتمعا قريبا من التماسك مبنيا على التعددية والتنوع والانفتاح والاحترام المتبادل وتشجيع الإبداع لضمان دينامية مجتمعية منتجة. الرهان على العمل التطوعي < تستعد جمعية الشعلة للتربية وثقافة لعقد مؤتمرها، ماهي أهم القضايا المطروحة؟ < طبعا، إخوتي في الشعلة يستعدون لعقد مؤتمرهم بعد مؤتمر جمعية المواهب وجمعيات أخرى، كما سيتم تجديد اتحاد المنظمات التربوية بأفق مغاير يتجاوب مع انتظارات أعضائه وشبابه. وهو مناسبة لتقييم محطة تمتد لسنوات في مجالات متعددة. فالأولية اليوم، مواكبة تأهيل شبكات هذه الجمعيات لتطوير بنياتها وجعلها مؤهلة باستمرار لتجويد خدماتها التي لا نتوفر على بديلا عنها إلى حد الآن، لذلك فالتعاقد مع مثل هذه المنظمات يتطلب حماية بنياتها وتطويرها للمساهمة في الديمقراطية التشاركية، وضمان مردودية عملها. والشعلة أمام هذا الامتداد الجغرافي الكبير والكم الهائل من الأعضاء، وتجربة أربعة عقود من العمل الشبابي، تسائل محطتها التنظيمية عبر الإجابة عن مشروعها، علما أن الجمعية كانت سباقة لتطبيق مفهوم الجهوية، لذلك نجد الإخوة في المجلس الإداري الأخير حريصين على مواكبة مشروع الشعلة الذي كان دائما في خدمة قضايا الطفولة والشباب، والدفاع عن الحق في التعبير وتأسيس الجمعيات، وتجديد الأسئلة التربوية والثقافية وخدمة الوطن ضمن الديبلوماسيىة المدنية. لذلك فالشعلة ستعيد، في مؤتمرها، قراءة مسارها على ضوء التحولات ومحدودية الإمكانيات المالية والإكراهات التي يعرفها العمل التطوعي، وتشتت الأفكار والخواء الفكري الذي يعيشه المجتمع، فالأولوية ستعطى للسؤال الثقافي، فالشعلة من 1985 إلى التسعينات أثارت نقاشا فكريا قويا في المغرب وأصبحت ظاهرة ثقافية وإعلامية، وأنتجت نخبا جديدة توجد الآن في قلب المجتمع. لذلك سنتوجه إلى المساهمة في خلق نقاش مجتمعي حقيقي حول مغرب الغد، ومغرب الشباب ومغرب المستقبل. وفي هذا السياق ينعقد المجلس الوطني للشعلة، نهاية هذا الأسبوع، في بوزنيقة في دورة تحمل اسم رئيسنا المرحوم محمد أمدي، اعترافا وامتنانا لاندماجه وقيادته للشعلة التي برهنت من خلاله على قدرتها على الانفتاح الداخلي على مختلف الطاقات، رحمه الله، وهي دورة لقراءة التجربة محليا وجهويا ووطنيا، وستتميز بالنقد والنقد الذاتي واستشراف الآفاق، كما تعلمنا في الحركة الجمعوية ومدرسة الشعلة، على قاعدة تعميق الثقافة التنظيمية البناءة، وأولوية السؤال الثقافي والعمل التربوي، وأفق الديمقراطية التشاركية، تفعيلا لمكتسبات الدستور الحالي ومقاربة النوع، فمحطة المؤتمر المقبل ستظل فيها الشعلة، في خدمة قضايا ومؤسسات الطفولة والشباب، والمساعدة على الانخراط في مختلف التحولات التي تعيشها بلادنا، وفي مواكبة السياسات العمومية الشبابية بأفق مغاير. لذلك الأمل في الشباب يوجد في الحركة الجمعوية، فهما جزء من خيارات المستقبل. أجرى الحوار: خالد العطاوي في سطور - أحد أبرز الوجوه الجمعوية والسياسية الوطنية. - حاصل على دبلوم الدراسات المعمقة في علم الاجتماع. - الرئيس المؤسس لجمعية "الشعلة".

العمل الجمعوي… الوصفة السحرية للإنقاذ

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

نصفهـم مدخنـون

مجلس النواب يواجه عطالة "البلوكاج"

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات