سياسيون استعملوا الدعم العمومي وميزانيات الجماعات الترابية لشق الطريق إلى الثروة كثرت الأمثلة الشاهدة على أن الدعم العمومي للأحزاب و ميزانيات الجماعات الترابية أصبحت طريق السياسيين إلى الثروة، إذ تحول النضال الحزبي إلى ما يشبه مأذونيات لاستغلال "مقالع" الريع في المجالس المنتخبة و"الاستثمار" في بورصات المجالس الجماعية. وقبل أن تبادر الدولة إلى وضع آليات للرقابة على رأسها المجلس الأعلى للحسابات، للتدقيق في الميزانيات وحماية خزائن المال العام من خطر تسخيره لأغراض شخصية، أصبح قادة بعض الأحزاب أرباب مقاولات سياسية بفضل ثروات راكموها من دعم الدولة، ذلك أن أغلب الذين يحتكرون قنوات التمويل العمومي، لم تكن لهم الشجاعة لتقديم الحساب، قائلين إن المصاريف تتجاوز بكثير المداخيل، في ظل غياب شفافية في تدبير مالية أحزابهم. أثرياء الدعم يرفضون الحساب منتخبون اغتنوا من عائدات الاستثمار في الانتخابات وبورصات الجماعات الترابية تحول العديد من زعماء الأحزاب الذين تعاقبوا على تسيير شؤون بعض التنظيمات الحزبية إلى أغنياء، بفضل عائدات الدعم المالي الذي تخصصه الدولة، سواء دعما سنويا، أو الدعم الانتخابي الذي تجود به مع إطلالة كل موسم انتخابي. ويرفض بعض زعماء الأحزاب، تحت مبررات مختلفة، منح الدعم الذي يحصلون عليه من قبل وزارة الداخلية، إلى المترشحين، ويستمر هذا الحرمان، حتى عندما يفوز المترشح، ويحصل على العضوية داخل المؤسسة التشريعية. وهدد العديد من النواب الفائزين في استحقاق سابع أكتوبر الماضي، بكشف المستور، إذا لم تعمل قيادات بعض الأحزاب على تمكينهم من حصتهم المالية المستحقة التي تخصصها الدولة لفائدتهم، وهي الحصة التي يستولي عليها الزعيم السياسي، تارة تحت مبرر، المساهمة في حل بعض المشاكل، نظير أداء واجب كراء المقرات المركزية، أو المحلية التي تراكمت عليها الديون، ووصلت إلى المحاكم، وتارة أخرى، بعلة المساهمة في تأدية أجور الصحافيين الحزبيين، أو من يشتغل في المقرات الحزبية. وفي سابقة من نوعها، حصلت الأحزاب السياسية على دعم مالي من القطاع الخاص، فيما لا يزال قانون الأحزاب السياسية ينص على أن الدولة هي مصدر التمويل الوحيد للأحزاب، ولا يعرف جل الحزبيين أين ولا كيف تم صرفه، كما أن بعض الأحزاب لجأت من خلال قادتها إلى الاقتراض من البنوك من أجل الحصول على أموال إضافية، قيل إنها ستوظفها في متطلبات الحملات الانتخابية التي تحتاج إلى الدعم المالي. ورغم أن وزارة الداخلية، ربطت بين الحصول على تمويل مالي من القطاع الخاص للأحزاب وبين شفافية العملية ومرور بعض الأحزاب بضائقة مالية، فإن أغلب الذين حصلوا على مثل هذا التمويل، لم تكن لهم الشجاعة لتقديم الحساب بكل شفافية، واكتفوا بالقول، إن المصاريف تجاوزت بكثير المداخيل، وهو ما يعني غياب الوضوح في طريقة الصرف. ويلزم القانون التنظيمي للانتخابات كل الأحزاب السياسية التي تحصل على أموال من الدولة، بتقديم كشوفات تفصيلية لمحكمة الأموال بمصاريف أموال الدعم، مع إرجاع الأموال إلى خزينة الدولة في حال تسجيل الفائض. هذه العملية لم يحترمها جل زعماء الأحزاب المغربية، إذ لم يتم إلى حدود اليوم، إرجاع المبالغ التي لم يصرف، باستثناء العدالة والتنمية الذي عمل على إرجاع جزء منها، بعدما حرم العديد من نوابه الفائزين من مستحقاتهم المالية، الناتجة عن الدعم المخصص لكل نائب برلماني. ويخصص المغرب دعما ماليا سنويا للأحزاب السياسية، يقدر بـ 60 مليون درهم، فيما تدعم السلطات مؤتمرات الأحزاب بـ 17 مليونا إضافية. ورغم أنها لا تقدم الحساب، ويتلاعب البعض منها في طريقة صرف الاعتمادات المالية التي تخصص لها، سواء سنويا أو خلال العمليات الانتخابية، أجمعت الأحزاب السياسية التي شاركت في الانتخابات التشريعية التي جرت في أكتوبر الماضي، على رفضها لمرسوم رئيس الحكومة المنشور في الجريدة الرسمية، القاضي بتخصيص 200 مليون درهم لدعم حملاتها الانتخابية. "البيضة في الطاس" لقي المرسوم المحدد للمبلغ الكلي لمساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية التي تقوم بها الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات العامة لمجلس النواب، الذي أسند رئيس الحكومة مهمة تنفيذه إلى كل من محمد حصاد، وزير الداخلية، ومصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، ومحمد بوسعيد، وزير الاقتصاد والمالية، (لقي) احتجاجا من قبل الأحزاب الممثلة في البرلمان، لأن مبلغ الدعم أقل مما كان عليه في الانتخابات السابقة. وقد نجحت الأحزاب نفسها التي راكم بعض قادتها أموالا طائلة من وراء ذلك، في مسعاها، وتم رفع الدعم إلى 250 مليون درهم. وفي الوقت الذي تحفظت فيه بعض الأحزاب عن الخوض في الدعم الموجه للأحزاب، وتأكيدها أنه ليس هو الأهم خلال كل استحقاق انتخابي، فإن أحزابا أخرى استفادت من "الكعكة"، غير أنها لم تقدم الحساب إلى الجهات الوصية إلى حدود الساعة، الأمر الذي يفرض على وزارة الداخلية التدخل بحزم من أجل وضع بيض الاحزاب الفاسد في "الطاس". يأتون على الأخضر واليابس ينتظر المهتمون بمالية الاحزاب التي يصرف جزء منها في غير محله، أن يوجه وزير الداخلية، بيانا إلى الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، يتضمن المبالغ التي منحت لكل حزب سياسي فور صرف مبلغ المساهمة، مشددا على ضرورة تضمينه عند الاقتضاء مبلغ التسبيق غير المستحق بالنسبة إلى الأحزاب السياسية المعنية. واستنادا إلى مصدر مقرب من المجلس الأعلى للحسابات، فإن مجموع موارد الأحزاب السياسية، بلغ خلال السنة الانتخابية السابقة، ما قدره 375,46 مليون درهم. وحسب المصدر ذاته ، فقد تم تسجيل تفاوت في حصة التمويل العمومي من مجموع الموارد من حزب لآخر، لافتا إلى أن مالية 15 حزبا اعتمدت كليا على الدعم العمومي خلال السنة الانتخابية نفسها. ورغم أن المجلس الأعلى للحسابات أصدر أخيرا، ثلاثة تقارير حول دعم وموارد الاحزاب السياسية، وهي على التوالي "تقرير حول تدقيق الحسابات السنوية للأحزاب السياسية وفحص صحة نفقاتها لرسم الدعم العمومي للسنة المالية" ، و "تقرير حول صرف مساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية بمناسبة اقتراع أعضاء مجلس المستشارين"، و"تقرير حول مصاريف المترشحين الخاصة بحملاتهم الانتخابية لسابع أكتوبر" ، فإن حالة الغموض ما زالت هي المسيطرة على كيفية صرف بعض الاعتمادات المالية التي تقدر بعشرات الملايين، و ما زال حزبيون ينتظرون أجوبة شافية وكافية حول كيف تم صرفها من قبل الزعماء الحزبيين الذين فيهم من يأتي على الأخضر واليابس، ويستغل فقط مناسبة الانتخابات من أجل الاغتناء. عبد الله كوزي