سـلا… ضحيـة التهميـش

معاناة بسبب الخدمات الطبية ووسائل النقل وارتفاع الجريمة «للي بغا الطبيب يمشي للرباط»، «فسلا الحاضي الله».. عبارات ضمن أخرى تداولها، في فضاءات مختلفة، سكان مدينة قدر لها أن تكون متاخمة لعاصمة البلاد، وتحتضن جزءا كبيرا من سكانها، دون أن تتمكن على مر السنين من تقديم خدمات تليق بحاضرة، مصنفة ضمن كبريات المدن المغربية، من حيث المساحة وكثافة السكان، بل على العكس، ما فتئ سكانها يشكون إهمالا يجعل من المدينة رافدا عقاريا فقط لعاصمة البلاد. بعيدا عن كلام «قراصنة» المدينة وحكامها الماسكين بزمام أمور تدبيرها، وتصريحاتهم التي تختلف وتتأرجح متى غيروا مواقعهم من مسيرين بمجلس المدينة إلى مواقع المعارضة، فتختلف بالتالي مع كل تغيير في المواقع مواقفهم من مشاكل، يجمعون، على أنها لا تخرج عن قطاعات النقل والصحة والتعمير والأمن، ويختلفون في مقاربات تدبيرها ونسبة نجاح هذا التدبير، (بعيدا عن كل هذا) يرى السلاويون أن الإهمال لا يفارق مدينة تسير بسرعة السلحفاة، مقارنة بجارتها على الضفة المقابلة من نهر أبي رقراق الفاصل بين المدينتين، في وقت كان يفترض أن تتنافسا، أو حتى أن تكملا بعضهما البعض. طوابير المرضى «للي بغا الطبيب يمشي للبريفي ولا للرباط أما هنا فسلا غير الناس المساكن كايضحكو على ريوسهم ويقولو راحنا كانداواو»، تقول لكبيرة امرأة خمسينية، تحمل حفيدتها التي بالكاد تجاوز عمرها السنة، فيما تستخلص ابنتها ورقة تدل على ترتيبها بين طابور من النساء والرجال اصطفوا أمام مدخل المستوصف الصحي حي السلام 1، المعروف لدى سكان المدينة ب»الحفرة». اضطرت لكبيرة وابنتها القدوم بمجرد أن أذن المؤذن لصلاة الفجر. استعدتا للذهاب إلى الطبيب كما لو كانت تستعدان للسفر، فلا مجال ل»تفويت» الموعد، الذي انتظرته العائلة طيلة ستة أشهر، «جبنا الما والماكلا والحليب للبنت الصغيرة»، تقول الجدة، فلكبيرة تعرف أن فحصا طبيا بسيطا لحفيدتها لعلاج مرض ألم بعينها اليسرى يستلزم منهما قضاء اليوم كاملا، ففي البداية عليهما ضمان موطئ قدم لهما ضمن الفئة الأولى من المرضى، لرفع حظوظ احتمال استفادة الصغيرة من الفحص «فرغم أننا حصلنا على موعد إلا أن الطبيبة المختصة لا يمكنها استقبال جميع المرضى، فالإقبال كبير لأن الحق يقال، السيدة فيديها وكاتقلب مزيان وماكاينش للي يقولها فيها خايبة، لكنها لا يمكنها استقبال جميع المرضى، فسبق أن قيل لنا إنها ترفض استقبال أكثر من 15 مريضا». ظلت النسوة يتبادلن أطراف الحديث، مزهوات بأنهن نظمن أنفسهن ووضعن لائحة للحضور تبرز دور كل منهن، يشكين تارة سوء الخدمة الصحية بمدينة تعرف التهميش في جميع المجالات، رغم أنها أقرب المدن إلى عاصمة البلاد، ورغم أنها حاضنة معظم سكانها، وتارة أخرى يتبادلن وصفات تقليدية يؤكدن أنها مفيدة لعلاج هذا المرض أو ذاك، قبل أن ينخرطن جميعهن في شجار، بمجرد أن أشارت عقارب الساعة إلى الثامنة والنصف، موعد فتح أبواب المستوصف، الذي يشيد العديد من السكان بنوعية الخدمات الطبية المقدمة به ويجزمون أنه أحسن حتى من المستشفى الإقليمي مولاي عبد الله، فهو يتوفر على جميع التخصصات، ويضم خيرة الأطباء. غير بعيد عن مستوصف حي السلام 1، لا تختلف معاناة مرتادي مستوصف حي السلام 2 الخاص أساسا بتقديم اللقاحات للرضع، إذ يضطرون إلى الانتظام في طوابير طويلة، فقط لأن أطفالهم الرضع بحاجة إلى لقاح أو لاستشارة طبية، «أعتقد أن معاناتنا أكبر، فأنا من سكان الحي، لكن أجد نفسي عاجزة وأفكر ألف مرة اضطر فيها إلى ولوج هذه البناية، فإدارة المستوصف تعلن سلفا أنها لن تستقبل أكثر من 100 مريض في اليوم، في مختلف التخصصات، أما الكارثة العظمى هي إذا كانت هناك حالة مستعجلة زوالا، فالأكيد أنه لا حياة لمن تنادي، ولا داعي لمحاولة طرق باب المؤسسة الصحية، فالجواب يكون آنذاك» هذا وقت الغذاء، عليكم الانتظار إلى الثانية زوالا»»، تقول أسماء، أم لطفلين، قدمت لإجراء اللقاح الدوري لرضيعها مضيفة «راحنا غير صابرين أما هادو ما كايعرفوا لا مستعجلات ولا كاتهمهم الصحة ديال بنادم، للي مات الله يرحمو». «ملحقة» ابن سينا رغم أن مستشفى مولاي عبد الله، الأكبر والأهم بسلا، إلا أن حاله لا يختلف كثيرا عن باقي المؤسسات الصحية بالمدينة، ولا يمكنه بكل الأحوال الاستجابة أو تقديم الخدمات الطبية لآلاف السكان، الذين يؤكدون أنهم يقصدونه على مضض، مجبرين لا مخيرين. «مولاي عبد الله مهمته إرسال المرضى إلى المستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط، أما تقديم الخدمات الصحية، فهو أصبح بمثابة حلم أو حتى سراب»، يقول مهدي الذي قارب سنه الستين عاما، يعمل حارسا بإحدى المؤسسات العمومية بالرباط. يحكي المهدي كيف أنه يذوق الأمرين كلما اضطرته حالته الصحية، هو الذي يعاني داء السكري، وارتفاع الضغط الدموي، إلى ولوج البناية الكائنة في مدخل المدينة من جهة الرباط، «أستطيع القول إن إدارة المستشفى نجحت في جعلنا نفهم أننا كسلاويين غير مرغوب فينا، بل حتى إنه من واجبنا اتخاذ كافة الاحتياطات حتى لا نمرض أو نصاب بحادثة أو بكسر، يضطرنا إلى قصد المستشفى، ويجبرهم على علاجنا» يضيف المهدي الذي اضطر إلى الانتظار إلى أن تنهي الموظفة بالاستقبالات أشغالها بعدما أكدت له أن بطاقة «راميد» لا تنفعه وأن عليه الأداء مقابل إجراء فحص بالأشعة. يؤكد المهدي ومريض آخر كان هو الآخر في قاعة الانتظار، أنهما يلجان المستشفى محطة ضرورية تسبق إلحاقهما بالمستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط، الذي يرفض استقبال مرضى المدينة ويشترط لذلك حصولهما على طلب مختوم من المستشفى الإقليمي، الذي يؤكد العديد من السلاويين أن دوره صار يتمثل في إرسال المرضى للعلاج بالرباط «المشكلة هي أنه ليس هناك حتى سيارة إسعاف ويمنع على سيارات إسعاف الوقاية المدنية الذهاب إلى الرباط»، يضيف زميل المهدي، فيرد عليه الأخير «يعطيوني غير وراقي أنا نمشي بوحدي». قسم المستعجلات بالمستشفى، لا يخلو هو الآخر من مشاكل ولا تستثنيه انتقادات الوافدين على المؤسسة الصحية، الذين يشكون حالة الفوضى السائدة به، وتنتهي في الكثير من الأحيان إلى احتجاج المرضى الذين لا يستطيعون ضبط غضبهم جراء الغياب المتكرر للأطر الطبية وقلة المعدات الطبية اللازمة، حتى أبسطها الخاصة بالإسعافات الأولية، في كثير من الأحيان. انتشار الجريمة أكثر ما يقض مضجع سكان المدينة، ويشكل في الآن ذاته، السمة الغالبة، و»علامة مميزة» لسلا، كثرة حالات الاعتداء بالمدينة، التي تحافظ باستماتة على مكانتها ضمن لائحة المدن المغربية التي تعرف أكبر نسبة لانتشار الجريمة والسلوكات العنيفة في ظل انعدام الأمن أو على الأقل تنامي شعور السكان بعدم وجوده. وسواء كان الحي شعبيا أو متوسطا، أو حتى راقيا، لا تتوقف أنباء حالات الاعتداء على المارة، وجرائم السرقة، المقرونة بالعنف، لدرجة أصبح معها، الخروج مساء، وإن كان اضطرارا، لقضاء بعض الأغراض، مجازفة تحتاج الكثير من الشجاعة وتستلزم اتخاذ كافة الاحتياطات الضرورية. حالات «الكريساج»، يؤكد عبد الحي، شاب ثلاثيني، يقيم بحي الرحمة لا تستثني النساء والرجال، فالكل مستهدف، متى قرر المعتدي تنفيذ عمليته، فالتوقيت هنا أيضا لا يهم، إذ يمكن أن تتم عملية الاعتداء في الصباح وفي واضحة النهار، متى أراد منفذها تحصيل قدر من الأموال، وفي بعض الأحيان فقط بهدف الترويع وبث الرعب . يحكي عبد الحي واقعة شهدها الحي الصيف الماضي، حين وصل الأمر بأحد المعتدين ببتر يد رجل فقط لأنه حاول إنقاذ امرأة كانت تمر من الحي وتعرضت إلى حادثة سرقة. حادث كان كفيلا بإخراج سكان الحي إلى الاحتجاج والتنظيم في تنسيقية جديدة اتخذت لها اسم «تنسيقية سكان حي الرحمة»، كانت أول ما طالبت به، يضيف عبد الحي، استتباب الأمن في الحي وتفاعل السلطات مع شكايات المواطنين في شأن ارتفاع وتيرة الجريمة وانشار جرائم العصابات. وتابع عبد الحي بالقول إن الحل الوحيد الكفيل بإعادة الشعور بالأمن والأمان هو تخصيص شرطة دراجين خاصة بالولوج وتفقد الأزقة التي تكثر بها عمليات «الكريساج»، وليس في الشوارع الرئيسية التي يرابط بها الدراجون. ورغم كل رسائل الطمأنة التي تحاول إدارة الأمن نشرها بالمدينة، والجهود المبذولة، التي كان آخرها، تدشين المديرية العامة للأمن الوطني بالمنطقة الإقليمية لسلا، صيف العام الماضي، قاعة للقيادة والتنسيق على مستوى المنطقة نفسها تشمل مركزا خاصا بالنداءات عبر الخط 19، من أجل ترسيخ وتفعيل سياسة القرب للأمن الوطني والاستجابة الفورية لاتصالات المواطنين والرقي بالخدمات الأمنية على مستوى سلا، من خلال عمل ثلاثي يعتمد على تلقي مكالمات المواطنين عبر الخط 19 من طرف القاعة، ليتم تحليلها وإرسالها إلى المناولين الذين يعكسون بدورهم الإشارة إلى الدراجات أو الدوريات الموجودة بالمنطقة المعنية، أو القريبة منها. (رغم كل ذلك) إلا أن استمرار ارتفاع نسبة الجرائم يقض مضجع السلاويين. النقل... رحلات عذاب لا تنتهي سواء تعلق الأمر بالتنقل داخل المدينة أو خارجها، بحكم القرب الشديد لسلا من العاصمة، واحتوائها على جزء كبير من السكان الذين يقضون يومهم بالضفة المقابلة لنهر أبي رقراق، في العمل أو لقضاء أغراض إدارية أو صحية أو حتى البحث عن لحظات من الترفيه الذي ينعدم بالمدينة، يعيش قاطنو المدينة، سيما غير المتوفرين منهم على وسيلة نقل تفي بالغرض، ألوان المعاناة والقهر في سبيل إيجاد وسيلة نقل عمومي آمنة وتتحقق فيها أبسط الشروط الدالة على أن العربة خاصة ببني البشر، فحظيرة النقل العمومي متهالكة في جزئها الأكبر، حتى سيارات الأجرة الصغيرة بها، يخال راكبها أنه في عربة بسوق للخردة، فكراسيها لا تخفي ما بجعبتها، وأبوابها بحاجة إلى يد حديدية لإغلاقها، كما أن منافذ التهوية بها كثيرة ولا تقتصر على النوافذ. ورغم أن الفئة «المغضوب عليها»، ممن قدر عليهم التوجه يوميا إلى العاصمة، استبشروا خيرا قبل سنوات، بتشغيل الطرامواي، الوسيلة الجديدة، التي انضمت إلى الحافلات التي تحولت إلى مرتع تنتعش فيه عمليات الكريساج، والطاكسيات الكبيرة، التي يطلق عليها سكان المدينة اسم «القروش البيضاء، وطوابير الانتظار التي لا تنتهي بها بمحطاتها بالعدوتين، إلا أن الأخير، الطراموي، سرعان ما تحول إلى وعاء معدني تتكدس فيه آلاف الأجساد يوميا، سيما في ساعاة الذروة، أملا في التنقل والوصول إلى الضفة الأخرى. إنجاز : هجر المغلي

سـلا… ضحيـة التهميـش

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

اعتقال منتحل صفة وكيل الملك بخريبكة

التامك يتوعد الموظفين الغاضبين

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات