المختاري: مسيرة البودشيشيين لدعم الدستور ليست مزايدة

رئيس اللجنة المنظمة للمسيرة الوطنية بالبيضاء اعتبر أن موقف الطريقة حلقة من الإسهامات في البناء الإيجابي لبلادنا خلفت مشاركة الطريقة القادرية البودشيشية في مسيرة الأحد الماضي، لدعم مشروع الدستور الذي دعا إليه الملك سلسلة من الأسئلة العريضة، من بينها تساؤلات حول مدى التوجه السياسي الجديد لهذه الزاوية. في الحوار التالي مع خالد المختاري، رئيس اللجنة المنظمة للمسيرة الوطنية بالبيضاء، نحاول استجلاء الدوافع الحقيقية لهذه المشاركة، وارتباطات البودشيشيين بالشأن الوطني والسياسي.... حظيت المسيرة الوطنية التي دعت إليها الطريقة القادرية البودشيشية، باهتمام إعلامي بالغ وبنجاح كبير في شوارع الدار البيضاء بحيث انضمت إليها الكثير من الفعاليات السياسية والجمعوية، ما هو تقييمكم؟ منذ إعلان جلالة الملك في خطاب 9 مارس عن مشروع الإصلاح الشامل، والذي كان رائدا في مبادئه ومقاصده، وجلب الاحترام الإقليمي والدولي لبلادنا، وتجاوبت معه معظم القوى الحية، والطريقة تتابع شيخا ومريدين، تفاصيل التطورات التي عرفها مسلسل بناء دستور جديد للمملكة منذ تعيين لجنة تعديل الدستور، إلى أن اكتمل عملها بعرض مشروع الوثيقة الدستورية المغربية على الاستفتاء الشعبي،أقول، بعد الخطاب الملكي ليوم الجمعة 17 يونيو، شرع المريدون بإذن شيخهم سيدي حمزة بلعباس أطال الله عمره، في تعبئة مختلف زوايا الطريقة بمدن وبوادي المملكة من أجل التعبير عن الدعم الإيجابي للدستور بقول نعم، واتخذت، إثر ذلك كافة الترتيبات لتنظيم مسيرة وطنية من أجل الانخراط، إلى جانب سائر مكونات المجتمع المغربي، والإسهام في نجاح هذا المنعطف التاريخي الوطني، باعتبار ذلك واجبا دينيا ووطنيا.وتجدر الإشارة إلى أن اهتمام الطريقة بالشأن الوطني يعتبر من صميم التربية الروحية التي نتلقاها، والتي تغرس في مريديها، قيم المواطنة الصادقة والصالحة، فقد تابعنا جميعا، باعتبارنا مواطنين مغاربة، الحراك الذي عرفه العالم العربي عموما ووطننا خصوصا. ولكن كيف تقيمون هذه المرحلة من تاريخ الزاوية القادرية البودشيشية؟ في اعتقادي، وكما سلف ذكره، يندرج موقف الطريقة ضمن إيمانها بالثوابت الدينية والوطنية، فبالإضافة إلى الذوذ عن حوزة الوطن، ومقاومة الاستعمار، التي قادها جد شيخنا سيدي المختار في بداية القرن السابق بالمغرب الشرقي، والتي دونها التاريخ، يعتبر سيدي حمزة بلعباس من الرجالات الذين شبوا في هذا الجو المفعم بحب الوطن، والذود عن مقدساته، إذ عمل بكل ما أوتي، في صفوف المقاومة زمن الاحتلال، بأن يحظى هذا البلد بالأمن والاستقرار، والتقدم والازدهار زمن الاستقلال، ولذلك فموقف الطريقة هذا، يعتبر حلقة من حلقات سلسلة الإسهام في البناء الإيجابي لبلادنا وترسيخ ثوابته الدينية والوطنية.لذلك فالمسيرة تعبير عن قناعات مستمرة في الزمن، تؤمن بالتطور والتحول الذي يخطوه المغرب في مختلف المجالات. وهي بذلك تصدر عن وظيفة الزاوية في التأهيل الروحي والأخلاقي للمواطن الصالح، وليس من منطلقات العمل السياسي الذي له مؤسساته ومناهج عمله. بخصوص المتابعة الإعلامية الكبيرة لمسيرة الزاوية، لاحظ العديد من المتتبعين للشأن العام، أن المبادرات والمواقف التي اتخذتها الطريقة القادرية البودشيشية، في الآونة الأخيرة لها أبعاد سياسية، بل منهم من رأى أنها إرهاص تحول إلى حزب سياسي، ما هو تعليقكم؟ كما أوضحت لك في السابق، إن هذا الموقف يندرج ضمن سياق تاريخي طويل، يقارب قرنا من الزمن، منذ الذوذ والدفاع عن حوزة الوطن إلى المساهمة في بناء الدولة المغربية المستقلة، فالشيخ سيدي حمزة رجل متشبع بحب الوطن من منطلقات صوفية وروحية محضة، ويعتبر الزاوية مكونا من مكونات المجتمع المغربي تعمل إلى جانب الفاعلين في الحقل السياسي والمدني بتعاون وتكامل، كل من موقعه وخصوصيته، من أجل هدف واحد هو الإسهام في رقي وتقدم بلدنا. ودعني أقول لك، إن الشيخ سيدي حمزة، أطال الله عمره، يحرص كل الحرص على عدم الخلط بين الوظائف والمؤسسات. ويؤكد دوما في توجيهه على الوظيفة التربوية والأخلاقية للطريقة. بحيث يحث على ذكر الله تعالى والسعي في مرضاته، وإخلاص العبودية له عز وجل، ومحبة سائر خلقه، وانتهاج سبيل الرفق والتيسير، ومجانبة الغلو والتعسير والتطرف، والتحلي بالاعتدال وقيم التسامح والوسطية، دون تصنيف أو إقصاء، أو ادعاء لامتلاك الحقيقة، بحيث يربي على التواضع في باب الله، ولا يفتأ يكرر دائما "أنا لست إلا رجلا مسكينا يرجو رحمة ورضا ربه".فمثل هذا السلوك الرباني، لا يمكن بأي حال من الأحوال، إلا أن يقعد لمدرسة تربوية مغربية تنتج مواطنين مؤمنين بقيمهم وثوابتهم وهويتهم، يستثمرون هذه الطاقة النورانية في الخير، ونفع الغير. هل لهذه التوضيحات التي ذكرت، أصدرتم بيانكم قبيل المسيرة؟ أجل، بيان الطريقة كان واضحا، فالهدف من المسيرة هو التعبير عن موقفنا الوطني، وأنها رسالة من الوطن وإليه، لا تستهدف أحدا ولا تستعرض قوة، والواقع يشهد بذلك، بحيث لبى الدعوة إلى المسيرة الوطنية بالدار البيضاء العديد من فعاليات المجتمع. فالمسيرة تعبير تلقائي وصادق لما جاء في مضمون البيان المذكور. هناك جهات إعلامية، اعتبرت هذا النزول إلى الشارع رسالة موجهة إلى حركة 20 فبراير وجماعة العدل والإحسان. ماهو رأيكم؟ لتفادي هذا النوع من التأويل والتوجيه لمقاصد المسيرة، كان هناك بيان واضح للطريقة، ومفاده أن مسيرة البيضاء ابتداء وانتهاء، ومن خلال الشعارات الرسمية التي رفعتها الطريقة سواء منها المكتوبة والمدونة على اللافتات أو المتلوة من خلال الأذكار والأدعية، كانت تعبيرا عن الإيمان الوطني الصادق من أجل التعبئة للتصويت بنعم للدستور، بدون أن يكون في ذلك استهداف لأي كان، حزبا سياسيا أو جماعة العدل والإحسان أو حركة 20 فبراير.لقد انبثقت مسيرة يوم الأحد الماضي ذاتيا، انطلاقا من إحساس الطريقة بالواجب الوطني، الذي نؤمن به. وقد جندت الطريقة مختلف الوسائل المادية والمعنوية من أجل أداء الأمانة، حيث عملت مريدات ومريدو الطريقة ليل نهار، للتعبئة من أجل المشاركة الفعلية في المسيرة، وهم في ذلك منخرطون بقلوبهم وعقولهم وإحساسهم، موقنين بأن "حب الأوطان من الإيمان"، وليس مزايدة على أي جهة، أو انجذابا حركة أو سكونا بخيوط خارج ذاتها وإيمانها وقناعاتها. فالزاوية القادرية البودشيشية، بحمد الله، مستقلة بقرارها. تحدثت أخبار عن أن المسيرة كان مزمعا تنظيمها يوم السبت، ترى لماذا تم تأخيرها إلى يوم الأحد؟ فعلا تقدمنا بطلب الترخيص لتنظيم هذه المسيرة الوطنية يوم السبت 25 يونيو، لكن السلطات المحلية لمدينة الدار البيضاء، كانت لها اعتباراتها، فعاودنا تقديم طلب الترخيص ليوم الأحد 26 يونيو ابتداء من الساعة العاشرة صباحا، غير أن السلطات ارتأت هذه المرة أن ترخص للمسيرة الوطنية ابتداء من الساعة السادسة مساء.طبعا خلق لنا هذا التوقيت صعوبات كثيرة على مستوى التعبئة، وتنقل المريدين والمريدات من مختلف مدن وبوادي المملكة، لكننا واجهنا كل ذلك بروح إيجابية، إذ من الساعات الأولى لفجر يوم الأحد بدأت وفود المشاركين تتقاطر تباعا على العاصمة الاقتصادية، في انتظار ساعة الانطلاقة الرسمية للمسيرة. هل تعتبرون أن نجاح هذه المسيرة هو نوع من الإظهار للقوة، وأنكم رقم في الساحة لا ينبغي الاستهانة به، وبذلك تكونون متصدرين للمشهد الصوفي في المغرب؟ سبق أن بينت لك الأهداف من المسيرة، وبأنه ليس في نيتنا أي شيء من قبيل التموقع في المشهد الصوفي، أو المزايدة بالأعداد في هذا المجال. فالمقاربة العددية والإحصائية في المجال الروحي مقاربة خاطئة بكل المقاييس، لأن مجالات القيم والأخلاق لا يمكن أن تقاس بالكم، ولهذا قلت في البداية أننا ينبغي أن نتعامل مع بنية ومؤسسة الزاوية بمقاييس تناسب منطقها ووظيفتها، كما ينبغي أن نتعامل مع البنيات التنظيمية الأخرى للمجتمع من أحزاب وجمعيات بالمقاييس التي تناسبها، فإذا كان المقياس العددي يناسب التدافعات السياسية الانتخابية، فإنه في السياق الروحي يأخذ أبعادا أخرى. فالمولى عبد السلام بن مشيش قدس الله سره، صاحب التصلية على الرسول صلى الله عليه وسلم المشتهرة بالصلاة المشيشية والتي هي بالمناسبة جزء من أورادنا وأذكارنا في طريقتنا لم يترك إلا مريدا واحدا، هو سيدي أبو الحسن الشاذلي الذي كتب الله على يده الظهور والانتشار في أصقاع المعمور في زمنه. وقد أجاب حين سئل عن السبب في ذلك بقوله المأثور "شجرة واحدة معتنى بها خير من بستان مهمل".ولذلك فالمقايسة العددية والمقارنات الكمية بين الزوايا لا تصح، وقد حبا الله هذا البلد الأمين بشجرة الولاية والصلاح التي أينعت فروعا وأغصانا تشع نورا وإشراقا، تعاقب على حمل مشكاة هديها شيوخ راسخون وعلماء عاملون كسيدي مولاي عبد السلام بن مشيش المذكور، وسيدي بنسليمان الجزولي صاحب دلائل الخيرات، وسيدي أحمد التيجاني ومولاي العربي الدرقاوي وغيرهم رضي الله عنهم، حيث شكلوا بجهودهم المباركة مدارس رائدة للتنوير والتخليق ونشر دين الإسلام في مختلف الآفاق، تعتبر بحق مصدر اعتزاز للمغاربة، ومناط تفرد يختص به المغرب باعتباره أرض الأولياء، والشيخ سيدي حمزة اليوم يحمل مشعل التربية الروحية الصافية المأذونة، التي لا تعمل إلا على ترسيخ القيم المذكورة.فقد اجتهد أطال الله عمره، طيلة عقود من الزمن، من أجل الحفاظ على ميراث الولاية والصلاح بهذا البلد، مواجها في ذلك الأهوال والمصاعب، ومؤمنا بأن التصوف ثابت من ثوابت الهوية الدينية للمملكة.وقد بلغت طريقته الصوفية المباركة مختلف أرجاء المعمور، ما يجعل المغرب ماضيا، وحاضرا ولله الحمد، موطن التصوف والصلاح. "وكلهم من رسول الله ملتمس". في حرص ظاهر على عدم الخلط بين الوظائف والمؤسسات. أجرى الحوار: المصطفى صفر

المختاري: مسيرة البودشيشيين لدعم الدستور ليست مزايدة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

العنصر يقود وساطة صلح بين "البام" والعدالة والتنمية

بانوراما الصيـف: مذكرات فنــــــان2

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات