البنا: مصر لا ينقصها دين… بل ينقصها علم

المفكر الإسلامي في أول حوار له بعد الثورة ينفي إمكانية نجاح حكومة أو دولة دينية عندما تتكلم مع جمال البنا، ذلك المفكر الإسلامي المرموق، في حوار سياسي، بالتأكيد أنت تجلب لنفسك المتاعب، وبالنسبة إلى مهنة الصحافة ذلك أمر طبيعي لأنها مهنة البحث عن المتاعب. الرجل الذي تجاوز التسعين من عمره له آراء صادمة وتثير الجدل ومحدد في وجهة نظره في الكثير من الأمور، وفى الإجابة على الأسئلة التي طرحتها عليه جريدة «المصري اليوم»، مستقبل مصر. جمال البنا يرى أن الحل هو تطبيق الديمقراطية وأنه مع فصل الدين عن الدولة، وأن النظام التركي الذي يسوق له في مصر لا يصلح. ما تقييمكم لما يحدث حاليًا.. أو بمعنى آخر مصر رايحة على فين؟ هى نفسها مش عارفة.. لأنه ليس هناك الخط الإرادي المصمم والمحدد، وهذه الحركة (يقصد الثورة) غلبت عليها التلقائية، ولم يكن لها قائد أو تحديد نظري معين. هل يمكن اعتبار أن الجيش هو القائد لها، باعتبار أنه هو الذي حماها؟ الجيش نفسه لا يريد أن يكون قائدًا وهو حامٍ، وفى حقيقة الحال قام بهذا الدور بصورة ممتازة جدًا، وأعلم أنه غير طامع في السلطة، ويريد حماية الثورة وتسلمها بعد أن تنال الحقوق المشروعة، وهو اعترف بالثورة وبأنها ملك للشعب، ودوره ليس أكثر من أن يصل بالثورة إلى السلطة والاستقرار، وهذا شيء طبيعي، لأن مصر جربت الحكم العسكري المجرد. ماذا تقصد بالحكم العسكري المجرد؟ يعنى اللي يكون فيه عسكريون فقط، وهذا ما حدث فى ثورة 23 يوليوز، وكانت حركة غير موفقة، وهناك ظروف كثيرة أهدرتها روح المقامرة وعدم النضج والانفراد بالسلطة وجنت على مصر جناية لا نزال حتى الآن نتعثر في تداعياتها، والجيش وحده لا يحكم مطلقاً، ولا الشعب يقبل حكومة عسكرية. وما الحـل؟ الحل هو الديمقراطية.. والجميع يريدون دولة مدنية، لكن معالجة الجيش للأولويات لم تكن موفقة ولم يكن المسار نفسه هو المسار السليم، فتعديل بعض مواد الدستور والاستفتاء عليها لم يكن له داعٍ بل كان انحرافاً للمسار. وما المسار السليم الذي كان يجب أن يحدث؟ كان على الشباب الذين قاموا بالثورة أن يذهبوا إلى الضباط الذين حموا الثورة، ويكوِّنوا مجلسًا رئاسيًا مشتركاً، ويمكن أن يضاف إليه شخصيات مثل الدكتور محمد البرادعي، ويكون عدده من 19 إلى 20 عضوًا، وشرعية هذا المجلس ستكون أكثر من أي شرعية أخرى، لأنها شرعية الثورة الشعبية، وكان أول شيء يجب أن يفعله هو أن يتحفظ على رجال عهد مبارك، وهم حوالي 3000 شخص، ويحل كل الآليات والأجهزة الخاصة بهذا العهد، لأن هذه ثورة وبداية عهد جديد، فليست عقلية قديمة والشخصيات تدير البلد، فكان يجب حل الحزب الوطني فورًا وكذلك اتحاد العمال العميل، الذي جعل العمال يسلمون الشركات إلى مستثمر أجنبي، ثم حل مجلس الشورى، ويتم إلقاء القبض على جميع الشخصيات وتتم محاكمتهم محاكمات عادلة وليست بالطريقة التي تجرى، لأن العدالة في الثورة لها منطق آخر. ما هو هذا المنطـق؟ أضرب لك مثلاً بأن مبدأ المتهم بريء حتى تثبت إدانته مبدأ أصيل، لكن في الثورة يمكن أن يكن حائلاً دون العدالة، فإذا كان ضباط أمن الدولة أول شيء يفعلونه عندما يقبضون على شخص أن يقوموا بتعصيب عينيه وإهانته وإهدار كرامته ما وسعهم ذلك حتى مهما كانت مكانته، وعندما يحاكم يقول له القاضي من ضربك؟ فلا يعرف، فأنا أرى أن كل ضباط أمن الدولة مدانون حتى تثبت براءتهم ويجب أن يحاكموا على التعذيب، وعليهم أن يثبتوا براءتهم، وهذه عدالة الثورة. ما رأيك في حزب «الحرية والعدالة» التابع لجماعة الإخوان المسلمين؟ حزب «الحرية والعدالة» حزب يستهدف السلطة، ومن يقل غير ذلك فهو مخادع، وهناك مشكلة ليس من السهل حاليًا التخلص منها وهي علاقة الحزب بالجماعة، فلا يمكن أن يتخلص منها، وفى الوقت نفسه يفترض أنه لا يتبعها. ماذا تعنى كلمة حكم مدني في فكر جمال البنا؟ تعنى أنها ليست حكومة دينية أو عسكرية أو فاشية، وهي الحكومة التي تؤمن بالمساواة ويحكمها القانون. ما الذي جعل السلفيين يخرجون ويصرخون ويحاولون إثبات أفكارهم ووجودهم؟ هذه ظاهرة طبيعية بعد طول الكبت، وطبيعي أن هذه التكتلات التي تعبر عن رأى شعبي وجماهيري وهوائي، عندما تجد فرصة فتظهر بقوة وتزحف، والسلفيون أكثر الناس الذين يعرفون سيكيولوجية الشعب ومشاعره، وهناك كبت وبطالة وعوامل عديدة تؤثر في الناس وتجد في دعوات السلفيين متنفسًا لها وتأخذها من عهدها البائس إلى عالم آخر. ما رأيك هل نجرى انتخابات برلمانية أولا أم نضع الدستور؟ أنا مع وضع الدستور أولاً، ومتأكد أن هذا هو الرأي الصحيح، لأن أي بوابة لها مفتاح ومفتاح المستقبل هو دستور جديد، «أنت تعمل دستور علشان إيه»، فإذا كنت تعمله من أجل انتخابات فيجب أن يتم قبل الانتخابات، أما أن يتم بعدها فهذا لا معنى له، فضلاً عن أن أنصار العهد القديم موجودون.. وبقوة، وعندئذ سيتمكنون من النجاح في الانتخابات، بالإضافة إلى الإخوان بالطبع، فهل نتصور انتخابات أسوأ من هذه. ما رأيك في النموذج التركي.. هل يمكن «استنساخه»؟ من الصعب أخذ نموذج سياسي لتطبيقه في دول أخرى.. والنموذج التركي لا يصلح للتطبيق في مصر، لأن الأوضاع مختلفة، ونحن لسنا في حاجة لتقليدها لأن مصر لها التجربة الخاصة بها وهى المرحلة الليبرالية من سنة 1919 وحتى عام 1952 ورغم عيوبها كانت ناجحة وكل أمجاد مصر تحققت في هذا العهد، في كل المجالات من إنشاء الجامعة المصرية وظهور قامات فكرية وفنية مثل توفيق الحكيم وطه حسين والعقاد وأم كلثوم، حتى أصبحت مصر واحة الحرية للعالم العربي، وكان لها التأثير الأكبر في الشرق، وهى المحطة الأساسية لكل من يأتي من الغرب ومن أنحاء العالم المختلفة.وليس من المفارقة أنها الحقبة التي سمحت بظهور الإخوان والوصول إلى الانتشار، وهذا ما يجب أن يطمئن الإخوان، وما يجب أن يكون لهم مقنعاً، فما دام الدستور يسمح بظهور دعوة إسلامية فهذا ضمان يحول دون فساد هذا المجتمع. هل أنت مع أم ضد الدولة الدينية أو الحكم الديني؟ لا توجد دولة دينية أو حكم ديني.. الدين هداية، أما الحكم فهو ممارسة، فهناك اختلاف في الطبائع، فضلاً عن الاختلاف في الوسائل والأهداف، فالدين يستهدف الهداية ويتجه إلى الفرد ويُعنى بالقلب ويحرص على الإيمان والرضا النفسي، أما الدولة فهي ممارسة عملية بوسيلتين القهر أو الإرشاد، وهى تستهدف النظم وليس الأفراد، ولم يحدث حكم ديني في العالم بأسره ونجح لأنه عندما أقام المسلمون الخلافة الراشدة فإنها لم تبق سوى 12 سنة وعندما طعن عمر بن الخطاب طعنت الخلافة وظهر الشقاق والخلاف والحرب بين المسلمين وانتهت سنة 40 هجرية. وعندما أنشأت المسيحية دولة تحولت إلى محكمة تفتيش تتفنن في فنون التعذيب للمخالفين، وحتى الاشتراكية كانت نقمة على العمال عندما أنشئت لهم دولة، وهذا ما يوضح لك أنه ليست هناك حكومة دينية وأوربا استمرت 400 سنة تبنى في الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة والاستقلال، وهذه هي التي يجب أن تكون عليها مرجعية الدولة، ومحمد علي عندما نهض بمصر لم يكن بالمرجعية الدينية. وفى النهاية «مصر مش ناقصها دين مصر ناقصها علم». إذن أنت مع فصل الدين عن الدولة؟ نعم. الدين والدولة ما رأيك فى من يقول إنه لا يجوز أن يشكل حزب على أساس ديني لكنه يجوز أن تكون له مرجعية دينية؟ هذا تمحك ومخالفة، لأن المرجعية الدينية ستكون على حساب الدولة المدنية. ولأن الدين ليس مرجعية لكل شيء تقوم عليه الدولة، فالبحث العلمي والرياضة والهندسة.. إلخ لا علاقة لها بالدين، ومع هذا فإنها من كبرى مرجعيات الدولة، وقل مثل ذلك على الفنون والآداب. عندما تقول مرجعية دينية فما هي الصورة العملية لذلك، هل تتبع كلام الأئمة والفقهاء فتأخذ في التفسير بما قاله الطبري وفى تصنيف الحديث بما وضعه ابن حنبل وتقلد أحكام فقهاء الأئمة الأربعة؟ إذا كانت هذه هي المرجعية الدينية فهي كارثة بمعنى الكلمة، وهى التخلف وإعمال النقل وإهمال العقل، وهى القضاء على الحرية والفنون والآداب، لأن الدين بهذه الطريقة ليس هو بالضرورة ما جاء به القرآن أو ما طبقه الرسول، ولكنه فهم الأسلاف للقرآن ولتطبيق الرسول وهو فهم تم في عصور مغلقة كانت وسيلة الثقافة هي الكتاب المنسوخ باليد، وكان الحكم استبداديًا، وهم بعد كل شيء ومهما كانت عبقريتهم بشر فيهم نقص وقصور البشر، فالأخذ بكلامهم لن يقدمنا إلى الأمام ولكن سيؤخرنا إلى الخلف، كما يلحظ أن كلام الأئمة متعدد، ومتناقض، والأحكام تقبل الأمر وضده. وإذا كان الدين هو القيم.. هو الحرية.. هو العدالة.. هو المساواة.. هو المعرفة، فإن هذه كلها من مفردات الدولة المدنية ويمكن أن نختصر الطريق فنأخذها منها. وسيظل للدين مكانه ودوره في الإصلاح، ولكن على مستوى الأفراد أو الأئمة ولكن ليس عن طريق الدولة. عن (المصري اليوم) الدين والدولة< ما رأيك فى من يقول إنه لا يجوز أن يشكل حزب على أساس ديني لكنه يجوز أن تكون له مرجعية دينية؟< هذا تمحك ومخالفة، لأن المرجعية الدينية ستكون على حساب الدولة المدنية. ولأن الدين ليس مرجعية لكل شيء تقوم عليه الدولة، فالبحث العلمي والرياضة والهندسة.. إلخ لا علاقة لها بالدين، ومع هذا فإنها من كبرى مرجعيات الدولة، وقل مثل ذلك على الفنون والآداب. < عندما تقول مرجعية دينية فما هي الصورة العملية لذلك، هل تتبع كلام الأئمة والفقهاء فتأخذ في التفسير بما قاله الطبري وفى تصنيف الحديث بما وضعه ابن حنبل وتقلد أحكام فقهاء الأئمة الأربعة؟ < إذا كانت هذه هي المرجعية الدينية فهي كارثة بمعنى الكلمة، وهى التخلف وإعمال النقل وإهمال العقل، وهى القضاء على الحرية والفنون والآداب، لأن الدين بهذه الطريقة ليس هو بالضرورة ما جاء به القرآن أو ما طبقه الرسول، ولكنه فهم الأسلاف للقرآن ولتطبيق الرسول وهو فهم تم في عصور مغلقة كانت وسيلة الثقافة هي الكتاب المنسوخ باليد، وكان الحكم استبداديًا، وهم بعد كل شيء ومهما كانت عبقريتهم بشر فيهم نقص وقصور البشر، فالأخذ بكلامهم لن يقدمنا إلى الأمام ولكن سيؤخرنا إلى الخلف، كما يلحظ أن كلام الأئمة متعدد، ومتناقض، والأحكام تقبل الأمر وضده. وإذا كان الدين هو القيم.. هو الحرية.. هو العدالة.. هو المساواة.. هو المعرفة، فإن هذه كلها من مفردات الدولة المدنية ويمكن أن نختصر الطريق فنأخذها منها. وسيظل للدين مكانه ودوره في الإصلاح، ولكن على مستوى الأفراد أو الأئمة ولكن ليس عن طريق الدولة.

البنا: مصر لا ينقصها دين… بل ينقصها علم

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

معاكسة الفتيات... رومانسية عابرة للأنترنت

اختتام فعاليات مسابقة أفلام الفيديو بوجدة

مقالات ذات صلة