هكذا أصبحت أوربا عصية على اللاعب المغربي

غياب التكوين وضعف المنافسة وصعوبة التأقلم عوامل جعلت اللاعب المحلي غير مرغوب فيه في سنوات الخمسينات والستينات كانت أندية أوربية عديدة تتهافت على اللاعب المغربي، بعد سنوات خطف فيها دوليون مغاربة الأضواء في الدوريات الأوربية، في مقدمهم العربي بنمبارك وحسن أقصبي وشيشا وحميدوش وغيرهم. بعد ذلك، لم تعد الكرة المغربية تنجب لاعبين يقتحمون أقوى الدوريات الأوربية، بعد جيل مصطفى يغشى وكريمو وعزيز بودربالة وحسن فاضل ومصطفى الحداوي، ثم بعده نور الدين النيبت وصلاح الدين بصير والطاهر لخلج وعبد الجليل حدا الملقب بكماتشو ويوسف السفري ويوسف شيبو وسعيد شيبا وطارق السكتيوي وغيرهم. وظل السؤال يتردد دائما، لماذا لا يحترف اللاعب المحلي في أوربا، عدا استثناءات قليلة؟، وهل مرد ذلك لضعف تكوينه وتدخلات وكلاء اللاعبين، أم للافتقار إلى بنيات تحتية وصعوبة التأقلم؟. في التحقيق التالي نسلط الضوء على هذه الظاهرة أكثر، مستندين في ذلك على آراء واستطلاعات تقنية متعددة. عقم أم ضعف الجودة؟ اجتهد كثير من الخبراء والتقنيين الرياضيين في إيجاد إجابات عن هذا السؤال، وتمحورت تدخلاتهم حول عدة نقاط، أبرزها أن اللاعب المحلي غير مؤهل من الناحية الذهنية والبدنية، للاحتراف في أوربا على الأقل في الوقت الراهن، لغياب التكوين وصعوبة التأقلم مع الأجواء الأوربية، فيما ذهب آخرون أن البطولة الخليجية أصبحت الوجهة المفضلة لمحترفين عالميين، فكيف لا تكون كذلك بالنسبة إلى اللاعب المحلي. وكيفما كانت قراءات وتبريرات المحليين التقنيين، فالخلاصة واحدة، وهي أن البطولة الوطنية لم تعد تنجب لاعبين للاحتراف في دوريات أوربية قوية، ليبقى السؤال من المسؤول عن هذا الوضع، وكيف السبيل لعلاج الكرة الوطنية من عقم استمر منذ سنوات؟. الاحتراف في أوربا لم يعد متاحا للاعبي البطولة، في الوقت الذي يحظى باهتمام اللاعبين المغاربة، ممن يحملون جنسيات مزدوجة، لأنهم الأكثر تكوينا وتأقلما مع الأجواء. شروط الاحتراف هناك تقنيون يميزون بين اللاعب المحترف والمستوى العالي، بمعنى هل كل لاعب يمارس في بطولة احترافية يمتلك مؤهلات عالية، وهل أي رياضي محترف هو بالضرورة لاعب من مستوى عال. والأكيد أن الأمر ليس كذلك، إذ يمكن أن يتفوق لاعب على باقي زملائه في بطولة محلية، دون أن تسعفه مؤهلاته للاحتراف في أوربا. يرى حسن مومن، الإطار الوطني والناخب الوطني السابق، أن هذا الموضوع متشعب، وأن ذلك يتطلب معرفة مسار اللاعب عبر مختلف مراحل تدرجه، سواء مع فريقه أو المنتخب الوطني، بمعنى معرفة عدد المباريات، التي شارك فيها، وقيمة المنافسات وتنوعها، الشيء الذي يعطي جرعة إضافية للممارس، سواء من الناحية البدنية والتنافسية أو النفسانية. أما يحيى سعيدي، الخبير في الرياضة، فأكد أن عدم «تصدير» اللاعبين نحو أوربا يرجع أساسا إلى إخفاقات المنتخب الوطني المتتالية، وعدم إعطائهم الفرصة لإبراز مهاراتهم في المباريات القارية، إضافة إلى غياب مخطط التنمية التقنية على مستوى الجامعة والعصب الجهوية، وغياب مراكز التكوين وعقلية اللاعب الهاوي. التكوين... نقطة الضعف «اللاعب المحلي لا يمكنه الاحتراف في أوربا» عبارة ترددت على لسان معظم التقنيين المغاربة، بما أن مستواه وتكوينه لا يسمحان له بالممارسة في دوريات أوربية، بمعنى أن لاعبي البطولة لم يخضعوا لتكوين «علمي» يراعي متطلباتهم من الناحية الفنية والبدنية. ويبقى غياب الملاعب وفرق الأحياء والممارسة بشكل مستمر من بين أسباب فشل اللاعب المحلي في ولوج الاحتراف الأوربي. يقول حسن مومن، إن ظروف الممارسة، وقلة الوقت المخصص للتداريب وغياب التنافسية والتوجه إلى الألعاب الإلكترونية، لا يمكن أن تساعد اللاعب على تطوير مهاراته، ثم يتابع «لم تعد الرياضة النشاط الترفيهي للاعبين، بقدر ما ظهرت وسائل أخرى ألهتهم على قضاء وقت أطول في التداريب وممارسة الكرة، كما كان عليه سابقا، إضافة إلى الممارسة المستمرة، زد على ذلك أن الأندية الوطنية كانت تعتمد على لاعبي فئاتها الصغرى، بدل القيام بالانتدابات، الشيء الذي يتيح للعديد منهم إمكانية إبراز مهاراتهم رفقة أنديتهم في وقت مبكر، ويصبحون بالتالي مؤهلين للعب رفقة المنتخبات الوطنية». فرق الأجيال لم يكن هذا الموضوع مثار نقاش في السابق، لأن اللاعب المحلي الجيد لم يجد أدنى صعوبة في ولوج الاحتراف، خاصة بعد تألق المنتخب الوطني في كؤوس العالم بالمكسيك 1986، وأمريكا 1994، وفرنسا 1998. ومرد ذلك، حسب آراء بعض المحللين، أن اللاعب المحلي تلقى جرعة من التباري، بسبب كثرة المباريات، التي خاضها مع المنتخبات الوطنية وتركيزه على ممارسة الكرة والاهتمام بها أكثر من أي وسيلة ترفيه أخرى. فمنتخب 86 مثلا تكون مباشرة بعد صدمة منتخب الجزائر سنة 1979، وضم حينها جيل بادو الزاكي وعزيز بودربالة والراحل عزيز الدايدي ومصطفى البياز ونور الدين البويحياوي ومحمد التيمومي، ليخوض ألعاب البحر الأبيض المتوسط 1983 والألعاب الأولمبية بلوس أنجلس 84، قبل أن ينضج أكثر في مونديال المكسيك، والشيء نفسه بالنسبة إلى منتخبي 94 و98. وهذا يعني أن بلوغ الاحتراف الأوربي يفرض على أي لاعب خوض أكبر عدد من المباريات في مختلف المنافسات المحلية والدولية، للحصول على تنافسية أقوى وجرعة إضافية تجعل اللاعب المحلي محط اهتمام واجهات إعلامية عديدة. لاعبو الجالية إذا كان المنتخب الوطني بمختلف فئاته يعتمد على لاعبي البطولة الوطنية إلى حدود فترة التسعينات، فإن الأمر تغير كليا في الوقت الحالي من خلال الاعتماد على لاعبين يمارسون في دوريات أوربية. ولم يقتصر هذا الحضور على المنتخب الأول فحسب، بل تعداه ليشمل منتخبات الفتيان والشباب والأولمبي، وبنسبة تناهز 90 في المائة، ما قلص حظوظ اللاعب المحلي في ضمان رسميته بهذه الفئات، وبالتالي يصعب عليه الاحتراف، في ظل قلة تنافسيته. إن المنتخب المحلي يشكل محطة أساسية ومرحلة انتقالية ودعما معنويا يمنح للاعب المحلي فرصة الالتحاق بالمنتخب الوطني، ومنه إلى الاحتراف. أما إذا صعب عليه انتزاع الرسمية بالمنتخب، فكيف يبلغ الاحتراف في دوريات تعتمد على التكوين وتتطلب تنافسية عالية. عقلية هاوية وبغض النظر عن غياب التكوين وقلة فضاءات التباري، فإن عقلية اللاعب المحلي، مختلفة تماما، وبعيدة أن تصبح محترفة بمعنى الكلمة، إذ أن أغلب اللاعبين غير منضبطين، ولا يلتزمون بأوقات التداريب، وحتى وإن وقع على عقد احترافي مع أحد الفرق المحلية، فإنه يكتفي بالنظر تحت قدميه دون أن يكون له هدف وإستراتيجية للرفع من مستواه أكثر. وغالبا ما يفضل الاستمرار مع ناديه مقابل مبلغ مالي محدد دون أن يبذل أي مجهود لفرض نفسه على ناد آخر، نظير مبالغ مالية مهمة. وكشفت معظم التقارير أن اللاعب، الذي يحسن الترويج لنفسه، ويفرضها بقوة محليا، ينال فرصة الاحتراف، والدليل نجاح العديد من اللاعبين المغاربة من أبرزهم الحارس بادو الزاكي مع مايوركا الإسباني ونور الدين النيبت مع ديبورتيفو لاكورونيا وطارق السكتيوي مع بورتو البرتغالي ويوسف شيبو ويوسف السفري مع كفونتري الإنجليزي وغيرهم من اللاعبين، الذين مروا من البطولة الوطنية. صعوبة التأقلم ذكر المدرب الفرنسي أرسين فينغر في أحد برامجه التلفزيونية أن اللاعبين العرب يصعب عليهم التأقلم مع الأوضاع والظروف المعيشية في أوربا. ربما يكون ذلك أحد الأسباب الرئيسية في فشل تجربة بعض لاعبي البطولة، ممن فضلوا الانطلاقة من أوربا، دون أن يكتب لهم النجاح، وفي مقدمتهم عبد الفتاح بوخريص مع ستاندار دولييج البلجيكي والمهدي النملي مع كليرمون فوت الفرنسي وأدم النفاتي مع ليل الفرنسي والمهدي قرناص مع أليسوند النرويجي، عكس مواطنه عبد الرزاق حمد الله، الذي لفت الأنظار إليه بالفريق نفسه، بعدما بات هدافه الأول دون منازع. ويبقى عصام عدوة آخر اللاعبين، الذين تألقوا بأوربا في السنوات الأخيرة، إذ شكلت محطتا نانت ولانس الفرنسيين الأهم بالنسبة إليه، ومنه إلى غيماريش البرتغالي، ثم ليفانتي الإسباني. واعتبر عدوة من الحالات النادرة في البطولة الوطنية، فهو المغربي الوحيد، الذي انتقل منها نحو الاحتراف، وفرض نفسه لاعبا متألقا، فيما لم يتمكن من ذلك لاعبون آخرون، بسبب صعوبة التأقلم والاندماج. أموال الخليج... اللعاب استطلاعات متطابقة عزت أسباب الظاهرة إلى الطلب المتزايد على اللاعبين المحليين من قبل الأندية الخليجية، خاصة قطر والإمارات والسعودية، والتي تحاول استقطاب ألمع اللاعبين، وذلك بتسخير مبالغ مالية مهمة. وبرر تقنيون أسباب ذلك، إلى أن أندية الخليج تمنح رواتب عالية للاعبين المغاربة، وأكثر مما سيتقاضونه لو احترفوا في أوربا، ناهيك عن عامل الثقافة والعادات المتشابهة ما يساعد اللاعب المحلي على الاندماج بسرعة في البطولة الخليجية. وهناك عامل آخر لا يقل أهمية، ويتحدد في مستوى المنافسة، والتي تعد مناسبة لحفاظ اللاعب المحلي على حضوره المستمر والمتوازن، عندما يحترف في الخليج، بخلاف الاحتراف الأوربي، الذي يتطلب نمطا مختلفا في العيش والتداريب اليومية الشاقة، ما يعقد مهمة اندماجه وتألقه أوربيا. أي دور للوكلاء؟ يبقى الوكيل طرفا في معادلة احتراف أي لاعب، سواء نحو أوربا أو الخليج العربي، لأنه المحدد الأساسي لمستقبل اللاعب ومصيره. وكثيرة الأمثلة، التي فشل فيها لاعبون من دخول تجربة الاحتراف في آخر لحظة، بسبب وكلائهم، خاصة عندما يتعلق الأمر بالاحتراف الأوربي. وتحدثت بعض المصادر، أن بعض وكلاء اللاعبين يغيرون وجهة اللاعبين، نحو الخليج، للعلاقة التي تربطهم بمسؤولي فرق عربية بعينها، كما حدث لمراد باتنة، الذي كاد يحترف في الدوري الإسباني، قبل أن يتم تغيير وجهته صوب الأهلي الإماراتي، فضلا عن المبالغ المهمة، التي يحصل عليها الوكيل مقابل أي صفقة من هذا النوع. ولياسين شادي، وكيل اللاعبين رأي مخالف، إذ يرى أن مستوى اللاعب المحلي لا يسمح له بالاحتراف في البطولة الأوربية القوية، مثل فرنسا وإنجلترا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا، مؤكدا أن لاعبي فئة الأمل بهذه الأندية أفضل بكثير من مستوى لاعب مغربي يمارس في الدوري المحلي. وأوضح شادي في تصريح ل»الصباح الرياضي» أن هناك استثناءات تظهر كل خمس سنوات على الأقل، كما حدث مع عصام عدوة في السنوات الأخيرة وعبد الرزاق حمد الله، ثم مروان سعدان، إذ لا بد من الانتظار بعض الوقت، حتى تبرز موهبة كل خمس أو ست سنوات. وحسب الوكيل نفسه، فإن بعض المسيرين يشترطون مبالغ كبيرة، عندما يتعلق الأمر بعرض من أوربا، فمثلا الوداد الرياضي لن يقبل بغير مليون ونصف مليون أورو، مقابل تسريح أنس أصبحي أو وليد الكرتي، وهو ما يجعل أندية أوربية تتجه إلى لاعبي أوربا الشرقية أو أسيا، وتابع «لقد أثبتت التجارب أن اللاعب الآسيوي يتأقلم بسرعة في البطولات الأوربية، خاصة في ألمانيا، فيما فشل لاعبون في إثبات مؤهلاتهم في دوريات أقل مردودية، ولم تتبق لنا سوى البطولة التركية من أجل احتراف لاعبينا». خلاصة إن فشل الاحتراف الأوربي في السنوات الأخيرة تحصيل حاصل لسياسة كروية لم تتبن التكوين قاعدة أساسية للرقي بمستوى اللاعب المحلي، فغياب مراكز التكوين، أو تفعيلها والاهتمام بالفئات الصغرى ومتابعتها من الناحية التقنية والنفسية والصحية، أبعد لاعبي البطولة عن أوربا، كما أن عدم حضور اللاعب المحلي في مختلف فئات المنتخبات الوطنية، بسبب تراجع مستواه، قلص حظوظه أكثر. وحسب العديد من المحليين، فإن المنتخب الوطني يشكل قنطرة عبور، وأن الغياب عنه يجهض حلم الاحتراف الأوربي، إضافة إلى صعوبة التأقلم وعقلية اللاعب المحلي الهاوية، المؤسسة على الاتكالية والرضا بالأقل دون التفكير في تطوير المستوى، وتهجير لاعبين على رؤوس الأصابع، إلى الخليج من قبل بعض وكلاء اللاعبين، بحثا عن المال، وضعف التنافسية وطغيان الألعاب الترفيهية الموازية، وعوامل إضافية أخرى جعلت الكرة المغربية تصاب بالعقم، ولم تعد تنجب منذ جيل النيبت وبصير والسفري وشيبو وعدوة آخر العنقود. إنجاز: عيسى الكامحي

هكذا أصبحت أوربا عصية على اللاعب المغربي

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

خنيفرة يؤزم وضعية آسفي

حياتو بحث عن بنسليمان في أرشيف الجامعة

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات