فارس: تأهيل المغرب يتطلب الانتقال إلى ملكية برلمانية

المنسق العام لحزب اليسار الأخضر المغربي أكد أن حركة 20 فبراير بثت حيوية جديدة في المشهد السياسي قال محمد فارس، المنسق العام لحزب اليسار الأخضر، إنه يعتبر حركة 20 فبراير الشبابية السلمية ظاهرة صحية، ما لم يتم احتواؤها وتوظيفها لصالح أجندات حزبية ضيقة. وأضاف أن الحركة أعطت حيوية جديدة للمشهد السياسي، بل خلقت اصطفافات كانت في السابق مستحيلة. في السياق ذاته، أكد فارس في حوار مع "الصباح" أن من الواجب تأهيل المغرب إلى ملكية برلمانية، مضيفا أن اختيار الملكية البرلمانية ينبني على أساسين، من جهة ترسيخ وتحصين إرث تاريخي عاشه المغرب قرونا، ومن جهة أخرى، فالملكية البرلمانية ستُمكِّن المغرب من الارتقاء إلى مصاف الدول الديمقراطية.وبخصوص الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، أكد فارس أن الحزب متفائل بهذه اللحظة، وأن مناضليه عازمون على المساهمة البناءة في دعمها.في ما يلي نص الحوار : قدمت جل الأحزاب اقتراحاتها بشأن الإصلاحات الدستورية والسياسية، ما هي أهم الاقتراحات التي تقدمتم بها حول مراجعة الدستور؟بخصوص سؤالكم عن مقترحاتنا، فهو يجرني إلى الحديث عن المنهجية التي اعتمدها الحزب في بلورة وثيقة الإصلاحات، فمقاربتنا انطلقت من أننا حقاً، وفعلاً، بصدد إخراج دستور جديد، لعهد ومغرب جديدين، بناءً على ما تراكم منذ 1990 إلى الآن، خاصة العشرية الأخيرة، إضافة إلى حقيقة أن جل المغاربة باتوا مقتنعين بإتمام الانخراط في منظومة حقوق الإنسان الكونية. ثم خصوصية حزبنا، الذي يتمثل الفعل السياسي من وجهة نظر إيكولوجية، سيما حياة كل الكائنات باتت مهددة على هذا الكوكب، إذ أكدنا على التحديات الكبرى التي تهدد بلادنا، من قبيل: التهديدات الإرهابية، وقضية الوحدة الوطنية الترابية، والفساد في المؤسسات، والهيآت المنتخبة، والإفلات من العقاب، واقتصاد الريع، والاختلالات البيئية، وضعف ثقافة المواطنة، وهشاشة دور الأحزاب السياسية في التأطير، إضافة إلى الأحداث المغاربية والعربية وحركة الشباب وحركة شباب 20 فبراير. واستحضرنا الخطاب الملكي لـ 9 مارس 2011، الذي كان صريحاً إلى درجة أنه خلخل الذهنية التي مازالت تعيش على أضغاث الماضي. وطرح علينا سؤالين مترابطين: ما هو الدستور الذي نريد؟ وما الهدف من الدستور المراجع الذي نريد؟لقد ركزنا في مقترحاتنا على الهوية، والملكية، والجهوية، والبيئة، وحقوق الإنسان، وتوصيات هيأة الإنصاف والمصالحة. ونرى أن من الواجب، اليوم، تأهيل المغرب إلى ملكية برلمانية، بل اعتبرنا بأن الإشكال ليس في التسمية، بقدر ما هو في توطين الاختصاصات وتوزيعها. وبخصوص فصل السلط، فنحن نعتبر بأن السُّلط تتكامل. واختيار الملكية البرلمانية ينبني على أساسين، من جهة ترسيخ وتحصين إرث تاريخي عاشه المغرب لقرون، ومن جهة أخرى، فالملكية البرلمانية ستُمكِّن مغربنا من الارتقاء إلى مصاف الدول الديمقراطية. وأكدنا، كذلك، على تعزيز مكانة رئيس الحكومة المنبثقة من صناديق الاقتراع، واعتبارها سلطة تنفيذية فعلية، لقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي، الشيء الذي سيمكن من مساءلتها ومحاسبتها، بينما المجلس الوزاري يرأسه ملك البلاد، ويرجع له النظر في القضايا الإستراتيجية للوطن، باعتباره أميراً للمؤمنين، ورمز وموحد البلاد، وكذلك حامي الوحدة الوطنية، والقائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية.وبخصوص البيئة، موضوعة حزبنا، اقترحنا دسترة مقتضيات الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، وجرّمنا الاستغلال المفرط للماء، وتجريم الإضرار بالأمن الغذائي، ووجوب احترام المؤسسات لمقومات التنمية المستدامة، وربط الاستثمار والنمو الاقتصادي بالحفاظ على البيئة والإنصاف الاجتماعي، والتنصيص على الحق في الصحة، والتعليم، والبيئة السليمة، والشغل والأمن، حق كل مواطن ومواطنة في الولوج إلى المعلومة المتعلقة بالبيئة والتوازن الايكولوجي؛ وإقرار مبدأ التعويض عن الضرر البيئي وإحداث مجلس وطني للبيئة؛ وإقرار الأفضلية للطاقات المتجددة؛ والتنصيص على وجوب الحماية من النشاطات النووية؛ وتوفر المدن على خطط الإخلاء في حالة الطوارئ؛ وملائمة القوانين الوطنية مع القانون الدولي؛ وصيانة الأرشيف؛ والحق في المعلومة وحرية الإعلام؛ وإلغاء عقوبة الإعدام.واقترحنا بالنسبة إلى الهوية، دسترة العربية والأمازيغية لغتان رسميتان، واعتبرنا العربية في المرحلة الراهنة لغة الوحدة والتداول، مع إعطاء إمكانية للأمازيغية للتطور في أفق التداول. وأكدنا أن الجهوية هي أساس التدبير الترابي للمملكة، مع الأخذ بعين الاعتبار التوازن، والمساواة، والتضامن في ما بين الجهات. وللجهة جهاز تنفيذي، منتخب، يتمتع بالشخصية القانونية والاستقلال المالي. كما اقترحنا مجلسا أعلى للشباب، ومشاركة المغاربة في الخارج في الهيآت التمثيلية، وجعل تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات، مُوجبة لتحريك البحث القضائي تلقائياً عملاً بمبدأ المسؤولية تستدعي المحاسبة.ماهي قراءتكم للتحولات الجارية في عدد من البلدان العربية، وهل المغرب في منأى عما يجري؟نرى في حزب اليسار الأخضر المغربي، أن المنطقة العربية تعيش الآن مرحلة تحول جديدة، استنفدت فيها أنماط الدولة الوطنية مقومات ومبررات استمرارياتها، هذا إلى جانب كونها تخلفت عن إيقاع التحولات في عالم ما بعد سقوط جدار برلين، فهي ظلت تعمل على احتكار السلطة، ونهب المال العام، وتقييد الحريات والحقوق الأساسية للمواطن، بل خلقت أحزاباً ومؤسسات صورية لإضفاء المشروعية على وجودها. ورغم ذلك، رأينا كيف انهارت بسرعة قياسية أمام الفاعل الثوري الجديد، الذي تمثله حركة الشباب. حركة شباب جموح، ضاق من التسلط والفساد والقهر، فكسر بذكائه جدار الصمت والخوف، وفرض شعارات وموازين قوى جديدة، أضحى فيها الشارع، والساحات الكبرى مواقع لصنع القرار السياسي الشعبي، أمام مرأى من العالم. فنحن أمام حقبة تاريخية جديدة، لها منظوماتها القيمية وأنماط الوعي والسلوك والتأثير. إنه واقع يفرض علينا رؤية وخطابا جديدين.وبالنسبة إلى الشق الثاني من سؤالكم، فالمغرب لا يمكن إلا أن يستبشر بالتحولات الجيوسياسية التي تعرفها المنطقة العربية، لأنها تدعم أكثر ديناميات الإصلاح والتغيير، التي طبعت تاريخ المغرب المعاصر، بما راكمه من حركية سياسية، واجتماعية، وثقافية قوية منذ بداية القرن العشرين، والتي أثمرت دينامية سياسية قوية في تسعينات القرن الماضي، جسدتها حكومة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي في إطار تجربة التناوب التوافقي، كحل، لصراع تاريخي بين الملكية والحركة الوطنية لم يأخذ طابعاً عنيفاً ومُدمِّراً كما حصل في تونس ومصر، وما تعرفه ليبيا وسوريا على وجه الخصوص من تقتيل، وتُوجت هذه المرحلة بتأسيس هيأة الإنصاف والمصالحة، التي نعتبر في الحزب أن توصياتها طوت الماضي الدموي، وأنهت صيغ التعاقد التقليدية حول الشرعية والمشروعية، وفتحت مرحلة تعاقد جديدة، حول مضامين الحداثة والديمقراطية والتقدم.كيف تقيمون حركة 20 فبراير؟نعتبر حركة 20 فبراير الشبابية السلمية ظاهرة صحية، وهي فرصة لتسريع وتوسيع وتحصين أوراش الإصلاح والتغيير ببلدنا (ما لم يتم احتواؤها، وتوظيفها لصالح أجندات حزبية ضيقة). لقد أعطت حيوية جديدة للمشهد السياسي، بل خلقت اصطفافات كانت في السابق مستحيلة، إنها حركة ذكية، عرفت كيف تستفيد من السياق الإقليمي، وأبانت قدرة لافتة في توحيد وتعبئة عدد مهم من الأطياف والحساسيات خلف مطالبها، لا يمكننا إلا أن نباركها، ونعتبر أنفسنا جزءا من شروط بروزها، هي حركة بلون الشباب التوّاق إلى الحرية والعدالة الاجتماعية، لكن يجب ألاّ ننسى أن لبلدنا تاريخ نضالي عتيد، ثم لا شيء يأتي من عدم، فقط نتمنى أن تحافظ حركة 20 فبراير على استقلاليتها، وتنفتح بحكمة على مكونات الشبيبات الحزبية وباقي الحساسيات المدنية والجمعوية، وفي حزبنا نؤمن بقيمة الشباب وبقوته الخلاقة، ولذلك اقترحنا في وثيقتنا مجلس وطني للشباب.ما الحاجة لتأسيس حزب يهتم بموضوعة البيئة في وقت يعتقد الكثيرون بأن البيئة ترف وحوار صالونات؟ هذه من بين المغالطات الساذجة، إذ تَختزل موضوعة الإيكولوجيا في المجالات الخضراء، وجودة الماء والهواء، والنفايات البيئية بشكل عام، في حين أنها تتصل عضويا، وبشكل عميق، بإشكالية التنمية المستدامة، وما تستوجبه من إعادة النظر في طُرق الاستغلال، وأنماط استثمار خيرات الأرض، وتغيير تقاليد الاستهلاك، بما يتيح وعياً وتمثلاً جديدين للإنسان عن نفسه، وعن المجال الذي يحيا فيه. فالتفكير في البيئة، يعني، عملياً، وضع اليد على أسباب ومظاهر الفوارق الاجتماعية، وتأمين الإنصاف الاجتماعي، ومجابهة الفقر والجهل، وضمان الأمل والأمن، بهدف تحقيق الحياة الكريمة. لذلك، فموضوعة الإيكولوجيا لم تكن يوما خارج تضاريس السياسة، وحزب اليسار الأخضر المغربي جاء من هوس سؤال ما مدى علاقة البيئة بالسياسة. لماذا هذا التأخر في التأسيس؟حزب اليسار الأخضر المغربي، نضج على نار هادئة، وفكرته هي نتاج سيرورة تلاقحت فيها مجموعة من التصورات، عبر محطات، وتجارب نضالية سابقة، أفرزت، في ما بعد، تجميع مكونات اليسار الجديد، تحت عنوان تنظيمي: حزب اليسار الاشتراكي الموحد، ونظراً للتباينات التي ظهرت في ما بعد بين مكونات هذا الأخير، حول مجموعة من القضايا التنظيمية والسياسية، انسحبنا بهدوء. لقد بدا واضحاً أن لكل تقديراته وحساباته، لكن بما أن مجالات وآفاق العمل الحزبي مفتوحة، استنبتنا فكرتنا (كتيار تبلور في صلب التجربة المذكورة) على ضوء المتغيرات الداخلية والخارجية، وأخذت الفكرة وقتها الكافي لتزهر وتثمر حزب يسار أخضر مغربيا، هذا إذا استثنينا التأخير الخارج عن إرادتنا بسبب رفض الملف الأول من طرف مصالح وزارة الداخلية. المغرب غير مُلوِّث، بالمقارنة مع الغرب المصنّع، ألن يشوش هذاً على مشروعية الحزب، تنظيمياً وسياسياً؟حزب اليسار الأخضر هو نتاج ضرورة. وندرك جيدا أن المغرب ليس دولة مُلوِّثة بالمستوى الذي بلغته دول الشمال المصنعة، لكن المؤكد أن تبعات المشاكل البيئية التي تحياها دول الشمال ستؤثر في المغرب وفي غيره، بالنظر لكون الخطر ذو طبيعة عابرة للقارات، وقد لا نسلم من تأثيراتها. وعلينا أن نتحلى باليقظة، حتى نتمكن من المساهمة من موقعنا إلى جانب النخب السياسية الفاعلة التي يسكنها طموح التصدي الحازم والاحتجاج المسؤول. وللتذكير، فإن أحد الجوانب الموضوعية التي وقفت وراء تأسيس حزبنا كانت أساسا الإجابة السياسية عن بياض بيئي، وموطن شلل يفرض التعاطي العلمي والعملي مع حجم الأسئلة المتعلقة حول مصير البيئة والإنسان، والتعامل مع الاستفهامات الكبرى حول مستقبل الحياة الكريمة للجميع.كيف ستبنون تحالفاتكم في المستقبل؟أود أن ألفت انتباهكم إلى كلمة وردت في سؤالكم، نحن في حزب اليسار الأخضر نعمل بمفهوم التعاقد لا التحالف، وهذا أمر حسمناه في أدبياتنا. سوف نتعاقد مع الأحزاب الديمقراطية والتقدمية، الأحزاب التي تؤمن بقيم التعدد والاختلاف وتعمل لصالح هذا الوطن، مثلما سنعمل إلى جانب كل القوى الاجتماعية والحركات المدنية والثقافية الطامحة إلى التغيير وتنمية البلاد على أرضية مجتمع المؤسسات، ودولة الحق والقانون، وحقوق الإنسان والمواطنة، دونما تنكر لروافد هويتنا الفكرية، فنحن اشتراكيون، يساريون بملمح جديد، متشبعون بثقافتنا المغربية الموسومة بتنوع وتعدد روافدها: أمازيغية، عربية، إسلامية، عبرية، وإفريقية.الاستحقاقات المقبلة على الأبواب، هل أنتم مستعدون لها؟نحن متفائلون بهذه اللحظة، وعازمون على المساهمة البناءة في دعمها، كما أننا بصدد تصليب هياكلنا التنظيمية في الأقاليم والجهات، بالموازاة مع تهييء برنامجنا الانتخابي الذي سيعتمد الاستشارة والمشاركة الشعبية الواسعة لبلورة مقومات وأسس الإصلاحات الكبرى، والمشاريع التنموية المندمجة المعتمدة لحكامة القرب، باعتبارها مرتكزات بناء المجتمع الحداثي الديمقراطي على قاعدة التنمية المستدامة الضامنة للكرامة الإنسانية والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية وبمرجعية حقوق الإنسان في بعدها الكوني. أجرى الحوار: جمال بورفيسي

فارس: تأهيل المغرب يتطلب الانتقال إلى ملكية برلمانية

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

تدني الخدمات الطبية بمستشفى الزمامرة

شخص يشهر سكينين يستفز مسيرة فاس

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات