تحقيق.. مقرات الحملات الانتخابية… سياسة للكراء !

محلات ومنازل نبتت داخل الأحياء السكنية اختفت بعد الانتخابات وعادت إلى نشاطها التجاري الأصلي انتهت الحملة الانتخابية. انتشى الفائزون بنصرهم وخاب الخاسرون بفشلهم. وحتى التجمعات الشبابية والنسائية التي ضجت بها الأزقة والشوارع طيلة الحملة، اختفت فجأة بعد أن أغلقت المقرات الحزبية أبوابها، وتسلم مالكو المرائب (مقرات الأحزاب) مفاتيحهم، وأزيلت الصور والرموز الحزبية وصور الوجوه المرشحة التي كانت تغطي المكان. "كراج" سياسي في الفضاء الخارجي لهذه المقرات أزيحت اللافتات واللوحات التي زينتها طيلة الحملة الانتخابية، وكأن شيئا لم يكن. كأن لا أحد مارس السياسة يوما، لا الشباب الذين كانوا يقفون جماعات ينتظرون انطلاق الحملة، ولا النساء اللواتي كن يفدن فرادى إلى هذا الفضاء الحزبي يشاركن في مسيرات تجوب الأحياء. في أحياء كثيرة بالدار البيضاء، وفي كل مقاطعة من مقاطعات الدوائر الانتخابية، انتشرت مقرات الأحزاب مثل طفيليات، وظهرت لوحات تحمل أسماء المرشحين ورموز الأحزاب وشعارات وأحيانا البرامج التي اختزلتها الهيآت السياسية في جمل مختصرة، وكأن مشاكل الوطن التي تراكمت منذ سنوات تكفيها عبارة واحدة. في بعض الأحياء نشطت عمليات كراء الشقق وفي أخرى تزايد الإقبال على المرائب. سومة كرائية تغطي شهرا واحدا فقط، شهر واحد يكفي للتواصل مع الناخبين وإقناعهم بالبرامج الحزبية، ثلاثون يوما كافية لتأطير المواطنين من قبل الأحزاب والتواصل معهم ! في موسم الهجرة إلى البرلمان نشطت الأحزاب السياسية، ومعها نشطت «تجارة انتخابية» رابحة. محلات للكراء ومقرات أحزاب وحناجر للكراء أيضا. مقرات تحولت إلى نقطة تجمع «العاملين» قبل بدء حملة التواصل مع الناخبين. ما أن انتهت الانتخابات حتى اختفت المقرات وأنزلت اللوحات ومضى كل إلى غايته. عادت الأحزاب إلى سباتها العميق في انتظار جذبة انتخابية أخرى، واستعادت بعض الأحياء، حيث نبتت المقرات الحزبية، هدوءها وسكينتها ونظافتها أيضا، بعد أن تحولت طيلة الحملة إلى قمامة عمومية تحضن كل أشكال ورموز ووجوه الأحزاب السياسية التي تنافست حول مقاعد الدائرة الانتخابية. عشية الصمت الانتخابي اختفت كل الحيوانات التي كانت منتشرة في الأزقة والشوارع، الحصان (الاتحاد الدستوري) والجمل (حزب الشورى والاستقلال) وحتى النحل (حزب الوسط الاجتماعي) طار خارج الدائرة الانتخابية. الحيوانات والنباتات والعربات اختفت مرة واحدة. ما تبقى من الأحزاب لم يتبق من الرموز إلا أبواب موصدة وأقفال مغلقة وما تبقى من الرسومات تلطخ جدران المؤسسات التعليمية، والمرافق الإدارية وقرب المقرات التي ارتادها المناصرون والعاطفون على المرشح، بعضهم بتطوع وبعضهم الآخر مقابل ثمن. أغلقت المقرات وبقيت رموزها، فما يتبقى من الانتخابات إلا الرموز عادة، بعد أن تغلق الدكاكين السياسية (الأحزاب) أبوابها في وجه الناخبين، ضدا على قوانين تجعل من الأحزاب وسائط بين السياسة والمواطنين، وضدا على الدستور نفسه الذي يحث على أن «تعمل الأحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام، وتساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، والمشاركة في ممارسة السلطة، على أساس التعددية والتناوب، بالوسائل الديمقراطية، وفي نطاق المؤسسات الدستورية. تُؤسس الأحزاب وتُمارس أنشطتها بحرية» (الفصل 7 من الدستور). بعض المقرات تعودت على فترة الانتخابات، وسط أحياء دائرة الحي المحمدي عين السبع، فما أن تعلن الدولة عن موعد استحقاق انتخابي حتى يفيق سكان الحي على المقر وقد فتح أبوابه من جديد. أوقف مهمته القديمة، في ركن السيارة، ليباشر مهمته القديمة الجديدة: مقر يحتضن العاطفين والناخبين طيلة فترة الحملة الانتخابية. يحدث هذا في دوائر الحي المحمدي عين السبع وابن مسيك ومرس السلطان الفداء ومولاي رشيد وعين الشق، في باقي الدوائر الانتخابية لآنفا مثلا والحي الحسني، نشطت المقرات القديمة وبات وجهة لوافدين جدد بمناسبة الانتخابات.. منازل... مقرات حزبية فكرة «الاحتلال المؤقت» للحي السكني ومخالطة السكان بفتح مقر حزبي، ليست جديدة على العمل الحزبي في المغرب، فالقاموس السياسي يزخر بالعبارات التي خرجت من رحم هذه الممارسات الحزبية (كراء المقرات، شراء الأصوات، وتشغيل مياومين لفائدة المرشح طيلة فترة الحملة الانتخابية..). وقبل سنوات وجد المغاربة لهذه النوعية من المقرات توصيف «الدكاكين السياسية»، في إشارة إلى «كراجات» تفتح أبوابها بمناسبة الانتخابات وتعود إلى الإغلاق ثانية، مباشرة بعد إعلان النتائج. الدكاكين السياسية عبارة ترمز إلى نوعية من الأحزاب التي تحصر مهمتها في توزيع التزكيات على الراغبين بالترشح باسمها، بمقابل مادي أحيانا، ثم تغلق دون انتظار النتائج. في المغرب كثيرة هي الأحزاب التي تمارس هذا النوع من «التأطير»، تحصر وظيفتها في منح التزكية. كراء المنازل، وتحويلها إلى مقر للحملة الانتخابية حضرت بدورها بقوة في هذه الانتخابات، وإن كانت أغلب هذه المنازل تعود في الأصل إلى بعض العائلات المتعاطفة مع الحزب السياسي، الذي حولها إلى مقر لحملته الانتخابية. حزب العدالة والتنمية تحديدا كان أكثر إقبالا على هذه الفكرة، فكراء المنازل وسط الأحياء أعطى للحملات الانتخابية للحزب زخما أكثر، مقارنة باللجوء إلى «محلات تجارية» يعرف السكان مسبقا أنها سوف تعود إلى نشاطها مباشرة بعد الانتهاء من الحملة. خطة التواصل عبر الشقق ساهمت في حصد الأصوات لفائدة «بيجيدي» تحديدا، على مستوى دوائر الدار البيضاء. مقرات مع وقف التنفيذ مآلات المقرات لا تختلف كثيرا عن مآل انتظارات المواطنين من الانتخابات، فقد نفدت مهمة المحلات التي تحولت إلى مقرات، عادية كما نفدت البرامج والوعود التي ظل يرددها وكلاء اللوائح و»كل حزب بما لديهم فرحون». بعض هذه المقرات المكتراة تحولت إلى محلات تجارية وأكبرها مساحة عادت إلى نشاطها الأصلي: غسيل السيارات والزرابي، بعد أن غيرت اللافتة الحزبية بأخرى تجارية. الفكرة لا تلقى اعتراضا في صفوف سكان الأحياء، حيث انتشرت المقرات الحزبية فجأة، فعلى الأقل استعاد الناس خدمات هذه المحلات، التي افتقدوها منذ إ بدء الحملة الانتخابية. بعض المؤسسات التعليمية الخاصة حولت سياراتها إلى عبرات لنقل الناخبين، بل إن حتى فصول الدرس كانت مكانا لتجمع المؤيدين والأنصار. إحسان الحافظي

تحقيق.. مقرات الحملات الانتخابية… سياسة للكراء !

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

ضابط شرطة يطلق الرصاص على جانح بفاس

للمرة الثانية.. الملك يزور اليوسفي بالمستشفى للاطمئنان عليه

مقالات ذات صلة