الربيع العربي…الثورة المغدورة

حين سطا تجار الدين على انتفاضات الشعوب ضد الاستبداد في مصر وتونس والمغرب من محمد البوعزيزي إلى أبي بكر البغدادي، خليفة الله في أرضه. ومن جسد محروق أهداه بائع متجول قربانا للثورة ضد الاستبداد والحكرة والقهر، إلى دولة الحاكمية وشريعة قطع الرؤوس وبقر البطون والإحراق السادي داخل الأقفاص الحديدية، أو الرجم بالرصاص الحي لأجساد مكبلة بالقيود وعصابات سوداء على الــــــــــــعين. من أقصى المطالب العادلة بالعيش الكريم والحرية والحد الأدنى من الديمقراطية والمساواة والإنصاف، إلى أقصى التطرف باسم الدين ودولة الحق الإلهي، والعودة إلى وصايا السلف الصالح، بعد أن وصلت مجموعة من الأحزاب السياسية إلى سدة الحكم في عدد من الدول العربية محمولة على أكتاف ربيع عربي مجيد، ظلت تشكك فيه وتنسبه إلى مخططات خارجية تقودها أمريكا وإسرائيل لتفتيت المنطقة والسيطرة عليها. أغلب التنظيمات الإسلامية التي وصلت إلى الحكم، عبر «صناديق الاقتراع» في مصر وتونس والمغرب، لم تكن لها أية علاقة ببدايات الربيع العربي وانتفاضات الشعوب من الماء إلى الماء ضد أنظمة سياسية استبدادية متحجرة رفضت كل دعوات التغيير والإصلاحات الاجتماعية والسياسية والدستورية السلمية، بل ركبت عليها وسطت عليها، حين بدا لها أن الديمقراطية والانتخابات يمكن أن تكون «جملا» يسهل امتطاؤه إلى حين الوصول إلى السلطة، دون التخلي عنه بعد ذلك، أو قتلى في أسوأ الأحوال. ففي مصر، انتهت ثورة ميدان التحرير بشهدائها الذين فاق عددهم الآلاف، بفوز ساحق لجماعة الإخوان المسلمين في أول انتخابات رئاسية بعد تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك عن الحكم تحت ضغط الشارع، حين رفض الثوار حزمة الإصلاحات التي اقترحها النظام المصري السابق، ورفعوا في وجهه لافتات وشعارات طالبته بالرحيل الفوري. ولم يكد مبارك يستريح فوق سريره بأحد منتجعات شرم الشيخ، حتى سطا محمد مرسي على الحكم عبر انتخابات كان فيها التجييش ومنسوب ربط الدين بالسياسة مرتفعا أكثر من ذي قبل، وحين تسلم مرسي مقاليد الحكم، خامس رئيس للمحروسة في يونيو 2012، أيقن العقلاء أن الربيع الذي بدأ مزدهرا بمطالب التغيير والحرية والديمقراطية، لبس عباءة وعمامة ونبتت له لحية طويلة، فكان لا بد من «ثورة مضادة» أخرى لإرجاع الوضع إلى ما كان عليه. ويرى عدد من الباحثين أن الموجة الثانية للثورات العربية، والتي شكلت ثورة الثلاثين من يونيو المصرية باكورتها الأولى، واستلهمتها تونس التي شهدت في يونيو ويوليو‮ ‬2013‮ ‬مظاهرات تنادي بإنهاء حكم الإسلاميين‮، مردها إلى ما شهده حكم‮ «‬الإخوان المسلمين‮» ‬من أزمات عدة هددت المجتمع، إذ طغت سياسة التمييز الديني على المستوي السياسي، مع السعي نحو أخونة مؤسسات الدولة،‮ ‬واتباع نهج المراوغة، ومحاصرة المحاكم للمرة الأولى في تاريخ مصر، والحرب الشرسة على الإعلام الحر، ناهيك عن شخصية الرئيس مرسي نفسه الذي بهدل منصب الرئاسة، دون ذكر التخبط الظاهر في السياسة الداخلية وبروز نزعة لعزل مصر عن محيطها الإستراتيجي وربطها بمشروع أمة «الإخوان المسلمين» في المنطقة. وفي تونس، فاز حزب النهضة الإسلامي بمجموع 41 في المائة من الأصوات، وكسب 89 مقعدا في المجلس التشريعي المكون من 217 مقعدا في انتخابات 2011، شجعته لبسط سيطرته وفرض شروطه على جميع الفرقاء السياسيين، كما بدأت يظهر عدد من النزعات المتطرفة على هامشه قصد تخويف المجتمع وتطويعه إلى المرحلة المقبلة (سلسلة اغتيالات رموز من اليسار التونسي)، ما انتبه إلى القوى الحية التي دعت، في انتفاضات سلمية ومفاوضات عسيرة، إلى استعادة تونس سياسيا، أما أمنيا، فلا زالت الخضراء تدفع ثمنا باهظا لهذا التوجه، عبر مخطط محكم من الضربات الإرهابية مست عمقها السياحي. في المغرب، كان الوضع أشبه بخرافة، إذ أن التنظيم الأساسي الذي عارض انتفاضة الربيع العربي (حركة 20 فبراير) وتحفظ عليها ومنع أنصاره من الانضمام إليها، هو نفسه الذي استفاد من نتائجها، حين استجابت الدولة سريعا إلى مطالب الشارع المغربي، وأقدمت على عدد من الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وانتهت بإقرار دستور متقدم نسبيا حرص النظام على تضمينه عددا من المطالب المرفوعة بالشارع في العدل والمساواة والإنصاف، وأساسا إحداث فصل بين السلطات وترقية الوزير الأول إلى رئيس حكومة يتمتع بعدد من الاختصاصات غير المسبوقة إلى جانب اختصاصات الملك. في أول انتخابات تشريعية في عهد الدستور الجديد وفي ظل سياق سياسي وإقليمي ينذر بعدد من المخاطر، كان لا بد أن ينقض العدالة والتنمية على الفرصة، ويتوج بأكبر فريق برلماني بمجلس النواب أهله دستوريا إلى تصدر النتائج، وبالتالي استدعاء أمينه العام من قبل الملك لتكليفه بتشكيل أول حكومة نصف ملتحية بالمغرب. في الدول الأخرى التي فشلت فيها التنظيمات الإسلامية (سنية أو شيعية) في الوصول إلى الحكم بطرق ملتوية، أو عبر صناديق الاقتراع، انتقلت إلى سياسة الأرض المحروقة والتشجيع على خلق بعبع جديد في المنطقة اسمه «دولة الإسلام في العراق والشام» (داعش)، أو دولة الخلافة الإسلامية..بقية الحكاية يعرفها الجميع في ليبيا واليمن وسوريا والعراق. يوسف الساكت

الربيع العربي…الثورة المغدورة

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

المتقي يوقع لأمل الحاجب

تأخر المنح يثير استياء الجامعات

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات