تندوف “غوانتانامو” عندنا؟

قصة رحلة مصرية إلى المخيمات تفضح ممارسات عصابات بوليساريو وتكشف زيف الدعاية الجزائرية "عصابة بوليساريو" يحكي فيه تفاصيل زيارة للمخيمات، فبراير الماضي، ضمن وفد مصري مكون من أربعة صحافيين بدعوة من شاعرة صحراوية ومديرة دار النشر "لارماتان راصد" النانة الرشيد. بعد عودته إلى القاهرة، تردد كثيرا قبل أن يقرر الإدلاء بشهادات أزعجت الجبهة الانفصالية التي قال عنها إنها تفتقد كل مقومات الدولة، مقدما إياها على أنها منظمة متسلطة تحكم المستضعفين بقوة الحديد والنار، وإن الصحراويين يلجؤون إلى النصب و الاحتيال لاستقطاب الإعلاميين بغية التعريف بقضية ملتبسة، مستدلا بما أسماه "الفخ" الذي نصبته له و لزملائه النانة الرشيد، التي دعتهم إلى حضور مؤتمر ثقافي بالجزائر العاصمة، ليجدوا أنفسهم بمخيمات تندوف. في ضيافة الحسناوات كتب أبو زيد كيف أن سكان المخيمات يعيشون وضعا مأساويا وأنهم يحيون حياة لا آدمية داخل بيوت من طين أو تحت الخيام، كاشفا النقاب عن استعمال المرأة الصحراوية لاستمالة الوفود الأجنبية، إذ تتكلف نساء حسناوات باستضافتها في خيامهن وخدمتها بأنفسهن ليل نهار. ويصور الصحافي المصري مشاهد منعه من اللقاء بسكان المخيمات، وكيف كان الوفد طيلة الوقت تحت حراسة أشخاص "لا يعرفون الكتابة أو القراءة"، وجوههم عابسة و الشر يتطاير من أعينهم". وأنه من "أكاذيب بوليساريو" أن دعي الصحافيون المصريون إلى الانتقال إلى مدينة تسمى "تيفاريتي" لحضور مؤتمر وقالوا إنها تبعد بحوالي 120 كيلومترا عن المخيمات، إلا أنهم خرجوا في الصباح الباكر و لم يصلوها إلا مع غروب الشمس، و الأدهى أنهم لم يجدوا مدينة بل "ثكنة عسكرية" بقوا فيها 4 أيام منقطعين عن العالم بدون أي وسيلة اتصال، حضروا خلالها مناورة عسكرية "بمعدات قديمة جدا". قبل مغادرته المخيمات أخبر الوسيطة "الإعلامية" بانطباعاته أهمها أن "الصحراويين ليسوا أصحاب قضية"، ماجعلها تستعطفه كي لا يكتب شيئا عن هذه الزيارة "لأنهم سيؤذونها"، لكنه رفض أن يسكت عن عمليات نصب تقوم بها عصابات مسلحة . وفي تفاصيل الحكاية يوضح أبوزيد أن 35 صحافيا وكاتبا مصريا دعوا لزيارة مخيمات تندوف في الجنوب الجزائري للاطلاع على أحوال سكانها ممن وضعتهم حسابات الجزائر في أوضاع مأساوية، وتصر بوليساريو على اعتبارهم ضحايا استماتة المغرب في الدفاع عن وحدته الترابية، ومن هؤلاء الزوار هاني أبوزيد الصحافي والسياسي الذي نظر للرحلة في البداية على أنها مهمة صحافية يمكن أن تميط اللثام عن كثير من الأمور الغامضة في ملف قضية الصحراء المغربية ومغامرة يحدوها الشغف في الاطلاع على ما آلت إليه هذه القضية بعد عدة عقود من الصراع. لوبيا وعدس وعلب تونا وصلوا إلى المخيمات وفيها أقاموا مع أسرة صحراوية وسط أوضاع في قمة المأساوية، حيث الجفاف هو السمة الغالبة على حديث الأطفال والنساء، والروح الأمنية هي المسيطرة على حديث الصغار والكبار. وبدا للضيوف الأربعة وكأن أفراد الأسرة يحفظون ما يقولون عن ظهر قلب، يرددون العبارات نفسها، المغرب دولة "احتلال" ويكرهونه أكثر من إسرائيل، لكن عندما تغيب "النانا" يقولون أشياء غير ذلك تماما، فليس هناك من لم يعبر عن رغبته في السفر إلى العيون والساقية الحمراء، أملا في أن يهنؤوا بالقدر ذاته الذي يهنأ به أقاربهم في تلك المدن المغربية. كانت أعينهم تفيض بكلام لا يستطيعون التحدث به وكأنهم مختطفون، وعندما سأل المصريون أحدهم عن كيفية الاتصال بالمدن المذكورة، اكتشفوا أن هناك إجراءات تفوق في صرامتها حراسة السجناء في زنازينهم، إذ لا يمكن لهم أن يتحركوا داخل المخيم الواحد إلا بعد علم حراس ولو من خيمة إلى أخرى. في الظهيرة أراد الصحافيون الأربعة الذهاب إلى السوق فهالتهم مآسي الصحراويين، فالحليب ضرب من ضروب الخيال هناك، ذلك أن نبيل سيف الصحافي بيومية "الفجر" الذي يعاني مرض القولون سئل عن الزبادي (الياغورت) فضحك الجميع من غرابة طلبه، موضحين أن مثل هذه الأشياء تحتاج إلى إجراءات خاصة حتى تدخل المخيم، فالكهرباء هناك منقطع وبالتالي ستفسد تلك المواد بمجرد وصولها إلى تندوف. سألنا عن الخضر والفواكه فوجدنا الإجابة نفسها بأن ليس في المحلات القصديرية سوى "النواشف" اللوبيا والعدس وعلب التونا، وحتى خبزهم كان أقرب إلى الأحجار منه إلى شيء آخر. عند عودتهم من السوق إلى المخيم وجدوا أن النساء أعدوا لهم وجبة غذاء من "المكرونة"، لكن نظرات الأطفال إلى ما في الأطباق عكرت رغبتهم في الأكل، وعلى ذلك المنوال قضت المجموعة الخمسة أياما اكتشفوا فيها أنهم وسط النسخة العربية من "غوانتناموا"، يخضع سجناؤها لسلطة أمنية تحسب على سكان المخيمات خطواتهم وتحدد مساراتهم، فمثلا لو أن امرأة تجرأت على الظهور في محيط فإنها ستكون عرضة للمساءلة، علما أن تندوف ليس بها رجال تقريبا، نساء وأطفال مع ثلة من العسكريين المكلفين بإدارة شؤون المخيمات بقبضة من حديد. من الجزائر إلى تندوف اعترف أبو زيد في كتابه بأن أكثرية المصريين لم يكنوا على قدر كاف من المعرفة التي يستطيع من خلالها الحكم على الأزمة الصحراوية ومن من الأطراف على حق ومن على خطأ... علما أن البديهية العربية عموما ترفض مجرد الكلام في تفتيت الدول العربية إلى دويلات مهما كانت الدوافع والأسباب، أي أننا لم نكن قبيل السفر في صف بوليساريو، خاصة على المستوى الوجداني، لأنهم يريدون تفتيت المفتت أصلا بحدود وضعها الاحتلال أصلا لتقسيم المقسم وتشتيت المشتت.. ورغم ذلك تولدت لدينا حالة عناد بضرورة المضي قدما في تلبية الدعوة المجهولة. صعدنا إلى الطائرة وفي مطار هواري بومدين وجدنا مسؤولا لما يسمى السفارة الصحراوية في انتظارنا، وعلى الفور أوصلنا بامرأة تدعى "النانا الرشيد" التي تحدثت إلى الزميل عبدو المغربي تسأله عن تعداد الوفد المصري فأخبرها بأننا أربعة فأصابتها الصدمة بأن 35 مدعوا لم يستجب منهم إلا أربعة. أقمنا ليلتها في فندق بأطراف العاصمة. وفي الصباح عدنا إلى المطار مرة ثانية لنستقل طائرة أخرى ستنقلنا إلى تندوف وبعد أن وصلنا إليها وجدنا "النانا الرشيد" في انتظارنا من جديد وكان موضوع سؤالها يدور حول عدم تلبية البعض للدعوة رغم أنها أكدت معهم جميعا موعد السفر وبرنامجه وكنا نجيبها بأن لكل ظروفه وحساباته وأننا لبينا الدعوة انتصارا لحقنا في المعرفة والاطلاع عن قرب على أوضاع سكان المخيمات، بعيدا عن الدعاية الموجهة. ورغم أنهم كانوا أربعة فقط قوام الوفد المصري فقد تفاجؤوا بترتيبات أمنية على أعلى مستوى، حراسة من نوع خاص وموكب أشبه بالمواكب الرئاسية وسيارات عسكرية أوصلتهم إلى حدود المخيم، حيث استلمتهم سيارات أخرى مكتوب عليها "الوكالة الصحراوية للحماية "، سيعرفون في ما بعد أنها هيأة شرطية شبه عسكرية تابعة لبوليساريو. إقامة 5 نجوم للزعيم في ثاني أيام الزيارة أصيب بعض الصحافيين بالإمساك، زادت من محنتهم حالة الحمامات التي لم يجدوا لها وصفا ألطف من أنها غير آدمية، وكأن السجانين يريدون أن ينقلوا صورة مأساوية عن حياة الصحراويين، وتأكدوا أن في الأمر شبهة الدعاية عندما انتقلوا إلى استراحة أمين عام بوليساريو ورأوا الحياة الفندقية التي يعيشها قادة الجبهة، بينما يعاني السكان الحاجة المفرطة لأدنى متطلبات الحياة الآدمية. ومن بين ما لفت انتباههم في المخيمات أن المرأة أكثر قوامة من الرجل في تسيير أمور المعيشة، ضاربين المثال على ذلك بعلاقة "النانا الرشيد" بزوجها، حتى أنها كانت ذات طباع غريبة في تعاملها مع شباب المخيم ممن أتوا لتوهم من أوربا أكثرهم قادمون من إسبانيا. في وقت متأخر من ليلة اليوم الرابع جاءت إليهم "النانا" لتخبرهم بموعد رحلتهم صباح اليوم الموالي إلى "تيفاريتي" في زيارة قالت إنها ستستغرق يوما واحدا ذهابا وإيابا، وإن المسافة بين تندوف والوجهة المقصودة لا تتجاوز 120 كيلومترا. استيقظوا باكرا وجهزوا أنفسهم، لكنهم سيكتشفون عند نقطة التجمع أن وفودا من الجزائر وموريتانيا وسويسرا، بالإضافة إلى مجموعة من انفصاليي الداخل قالت عنهم الوسيطة الإعلامية إنهم يتعرضون لأبشع أصناف التعذيب وحرصت على أن تكون مع المصريين وهي تقسم الضيوف على 50 سيارة. اعترض أحد الصحافيين المصريين على عدم وجود برنامج محدد وواضح للرحلة، ومنع سكان المخيمات من الحديث مع أعضاء الوفد مباشرة مما أثار شدا وجذبا طيلة فترة السفر إلى "تيفاريتي" وصل حد تهديد بعض الضيوف بالعودة إلى الجزائر ، لكنهم فهموا أن التهديد لن ينفعهم، خاصة بعدما سخر أحد المسلحين من طلبهم وتبين لهم أنهم وقعوا في فخ "النانا الرشيد". مسيرة السيارات تجاوزت ضعف المسافة التي قالت عنها مرشدتهم، التي لم تجد بدا من استعمال لغة نسائية تحمل إيحاءات جنسية علها تنجح في استدراجهم إلى المنطقة العازلة، غير بعيد عن الجدار الأمني المغربي. تيفاريتي! هي فين؟ مع توالي ساعات الرحلة المفروضة، بدأ الصحافيون المصريون يدركون أن سكان المخيمات واقعون تحت سطوة احتجاز ...وأنهم في حاجة إلى من يحررهم من قبضة بوليساريو، التي تمنعهم من الاتصال بالعالم الخارجي وبذويهم في العيون الساقية، أكثر من ذلك فقد أحست "النانا الرشيد" باهتزاز ثقة أعضاء الوفد و عدم اقتناعهم بكثير مما تقول، فتوترت نفسيتها و أصبحت تحاول جاهدة أن تعيد بناء قنوات جديدة للتواصل معهم، تعلمهم من خلالها أنها قد تتعرض لمكروه إذا كانت كتاباتهم ضد ما خططت له بوليساريو، إذ لم تخجل من أن تطلب منهم كتمان آرائهم الشخصية، إذ خاطبتهم بلهجتهم قائلة "مش مهم تكتبوا حاجة خالص لو شفتم إن الكتابة عن الرحلة هتكون سلبية". في نهاية 10 ساعات من المعاناة في الطريق، وصل الجمع إلى لافتة مكتوب عليها مرحبا بكم في مدينة تيفاريتي، توقف الموكب بعدها بأقل من كيلومتر في صحراء ليس فيها شجر ولا حجر. سأل أحدهم أين المدينة الموعودة فأجابت "النانا" أنتم فيها الآن ، التفت ننيل سيف يمينا ويسارا وقال باستغراب مدينة ! هي فين؟ فانخرط الجميع، من باب شر البلية، في مهرجان من الضحك أزعج كثيرا مرافقينا من أطر الجبهة، الذين تجاهلوا الأمر وأخذوا الوفد إلى ما قالوا إنه مناورات عسكرية... لكن الأمر كان أقرب إلى تمرين للعمل على إصلاح الآليات المتهالكة ...سيارة متهالكة وأسلحة عفا عنها الزمن ..ضربت بضع طلقات في الهواء، فانطلقت بعدها الزغاريد التي علا صوتها على صوت الرصاص. إنجاز: ياسين قطيب

تندوف “غوانتانامو” عندنا؟

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

يمكنكم مطالعة المقال بعد:

أو مجانا بعد

الهواة يلجؤون إلى لقجع بسبب المنحة والمناديب

كوحا ينضم إلى اتحاد سيدي قاسم

مقالات ذات صلة

انت تستخدم إضافة تمنع الإعلانات